جزاك الله خير على الطرح القيم
كون بخير
يوم عرفة يوم غفران الذنوب وستر العيوب بل إن الله عز وجل من فضله وكرمه لا يغفر للحاج في نفسه فقط بل كما يقول الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم: {يَغْفِرُ الله للحَاجِّ ولمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الحَاجُّ}{1}
فإذا استغفر الحاج لرجل هنا أو امرأة هنا فإن الله من فضله وجوده وكرمه يقبل هذه المغفرة ويغفر لأهله وذويه الذين يستغفر لهم على بساط رب العالمين عز وجل فإذا غفر لهم الذنوب وضمن لهم التبعات وغفر لهم ذنوب ذويهم وأحبابهم قال لهم: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ} غافر60
فينظر إلى دعائهم فيستجيب لهم الدعاء ويحقق لهم الرجاء ويلبي لهم المطالب ، لماذا ؟ لأنهم جاءوا إلى الله عز وجل وقد خرجوا من حولهم وطولهم ولبسوا في إحرامهم أكفانهم عند موتهم ووقفوا بين يدي ربهم وهم يستحضرون يوم الجمع على الله فالجميع سواسية أمام الله
ليس هناك أمير أو حقير ولا وزير ولا خفير وليس هناك غني أو فقير ولا ذا طول وضعيف بل الكل بين يدي الله يلبسون الأكفان البيضاء وقد تجردوا من الحول وقد تجردوا من الطول وقد تركوا خلفهم مناصبهم وعشائرهم وأولادهم وبلادهم وأموالهم وكل شئ يتباهون به في هذه الحياة ووقفوا بين يدي الله وقدموا بين أيديهم ذنوبهم ومعاصيهم وقبائحهم يرجون من الله أن يغفرها لهم فالرحمن الرحيم يرحمهم ويرحم ضعفهم ويرحم فقرهم ويرحم ذلهم فيغفر لهم ويستجيب لهم ويردهم كما ولدتهم أمهاتهم ، كما قال النبي الكريم: {مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ، رجَعَ كما ولَدَتْهُ أمُّه}{2}
هذا اليوم الكريم في السنوات العادية فما بالكم إذا وافق هذا اليوم يوم الجمعة وهو اليوم الذي احتفل به الله مع نبي الله ومع أصحاب رسول الله ومع ملائكة الله بتمام نزول شرع الله وبإتمام دين الله الذي اختاره الله عز وجل ديناً قيماً يملأ حياة الناس بالإيمان والمحبة والسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ن فإذا وافق يوم الجمعة فقد وافق حجة النبي في حجة الوداع صلى الله عليه وسلم ويوافق اليوم الذي سنقوم فيه للقيامة فقد قال صلى الله عليه وسلم : {خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا ، وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِي يَوْمِ الْجُمعَةِ}{3}
فهؤلاء القوم في هذا اليوم كأنهم يستحضرون يوم القيامة ويوم القيامة سيكون يوم جمعة وسنخرج فيه جميعاً من قبورنا ومن لحودنا عرايا كما ولدتنا أمهاتنا ليس لنا لباس يواري سوءاتنا إلا من له تقى عند الله وعمل صالح قدمه إلى الله ومن هنا قال القائل :
إذا المرءُ لم يلبسْ ثياباً من التُّقَى
تقلّب عرياناً وإن كان كاسياً
وخيرُ لباسِ المرء طاعةُ ربه
ولا خيرَ فيمن كان لله عاصياً
نقوم جميعاً في هذا اليوم وليس معنا مدخراتنا وليس معنا دفاتر شيكاتنا وليس معنا ما نحتفظ به من صنوف أموالنا لأننا نخرج إلى الله ويجول في آذاننا قول الله {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ} الأنعام94
فلا يستطيع أن يباهي في ذلك اليوم ببنيه ولا بأخيه ولا بذويه ولابفصيلته التي تأويه بل إن الإنسان في هذا اليوم العظيم لا ينفعه إلا ما قدمت يداه ، فما أكرم هذا اليوم على الله فلا تشغلوا أنفسكم يا عباد الله ولو من هذه اللحظة إلى غروب الشمس إلا بطاعة الله أو بذكر الله أو بالاستغفار لله أو بالندم على ما ارتكبناه
حتى يتفضل علينا الله مع حجاج بيت الله فيعمنا جميعاً بغفرانه ويحفنا جميعاً برضوانه ويغفر لنا معهم ويستجيب لنا الدعاء معهم لأننا نشاركهم في الإنابة ونشاركهم في التوبة ونشاركهم في الاستغفار ونشاركهم في الدعاء {صومِ يومِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ والبَاقِيَةَ }{4}
{1} رواه البزار والطبراني في الصغير عن أبي هريرة
{2} رواه الدار قطنى في سننه، وأحمد في مسنده والبخاري في صحيحه عن أبي هريرة
{3} رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي في سننه والحاكم في المستدرك وأبي داود في سننه والترمذي والنسائي وأحمد وأي يعلى عن أبي هريرة
{4} رواه مسلم وأحمد في مسنده عن أبي قتادة الأنصاري
جزاك الله خير على الطرح القيم
كون بخير
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات