قبل سنوات..
صلّيت في مسجدٍ في وسط سوق، صلّى بجانبي طفلٌ لطيف، بعد التسليمة الثانية سَلَّم عليّ مبتسمًا وقال "دعوتُ لك" بقيتُ بين انتفاضة دواخلي من وقع الكلمة وبين مبسمه الجذّاب، وأخرجني من ذهول الجَمال حينَ أخرج من جيبه حبّة -حُلوى- صغيرة، وأهداني إياها قائلًا بعد سؤاله عن السبب، أمّي رقيّة علّمتني!! احتضنته متأثرًا بالكمّ الهائل من التفاصيل.
• طفلٌ في مسجد، يُصلّي بلا لعب
• يُسلّم على من بجانبه ويبتسم
• يدعو له في سجوده ويخبره
• يُهديه حبّة حُلوى
صناعة القادة ليست وليدة لحظة، (شاركني وسوف أفهم) خُض في الميدان تُصقَل، وغُذَّ خطاك سيرًا تَصِل..ما أعظم هذا!!
لم تنتهِ القصّة هنا، وضعتُ النيّة من يومها أن ابدأ مثله، أدعو لكل من يصلّي على يميني، أسلّم عليه وأحادثه بلُطف، ثمّ أمضي... اليوم بينَ يديّ دفترٌ كامل، فيه كل ردّات الفعل التي واجهتها بعد كل صلاة، كلّ كلمةٍ -تقريبًا- سمعتها من قلبِ من صلّى على يميني، كلّ لحظةٍ استشعرتُ أنّ صغائر الأمور تبني عظائم الأجور.
تعلّمتُ أنّ من علّمني شيئًا، أُهديه أن أبدأ بعده، وقفًا له وباسمه، يموتُ هو ويبقى الأثر، أموت أنا ويبقى العمل.. صحيحٌ أنّي لا أمتلك دفترًا خاص لكلّ ما تعلّمته لكنّ تفاصيل الحسنات تُحيي القلبَ وهو رميم.
اليوم بعد التراويح.. أُسلّم على شابٍ أسمَر الوجه أبيض القلب، قادمٍ من "غانا" ليدرس الشريعة عندنا، عربيّته ثقيلة بعكس قلبه الرقيق، طبّقتُ الأمر معه، أخبرته أنّي دعوتُ له، ابتَسَمَ جدًا ثم رَبَتَ على كتفي يشكرني ثمّ صَمَتَ على حين غرّة، ثم بكى بهدوء.. وقال الحمد لله أنّ الدّعاء حديثُ الصّامتين وهديّةُ المتحابّين، وإنّي أُحبّك في الله.. شَدّ في سلامه على يدي و ذهب.
- يُيَسِّر الله قلوبًا تحِن، لقلوبٍ تئن، حتّى تبني دواخلها بالدّعاء، والدّعاء قُربٌ خفيّ وحُبٌّ رَضِيّ، وسّلامُ القلبَ أرجى منَ يدٍ فارغة، واحتضانُ صدرٍ أنّ، يُكمل مشهدًا يُحييك.
أكتب هذا وأنا مذهولٌ جدًا بلُطف الله، بتدبيره المُدهش، كيفَ باحتضانِ قلبٍ هنا، وَصَلَ الأجرُ لأُمّ الطِّفلِ هناك.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا)
#من_جميل_ما_قرأت
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات