[ قال أبو داود : ورواه كما قال خالد أبو أسامة وجماعة، قال شعبة فيه: (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أكثر ممن يعمل) ]. هذا الذي جاء عن خالد جاء عن غيره، وقد جاء عن شعبة أنه قال: هم أكثر ممن يعمله؛ لأنه إذا كان الصالحون والمستقيمون أكثر فمعناه أنه يكون هناك قوة وقدرة على منعهم من فعل المنكر، وكونهم يتركون ذلك فإنهم يوشك أن يعمهم الله بعذاب؛ لأن القدرة موجودة، ولكونهم أكثر من أولئك المنحرفين الذين هم بحاجة إلى أن ينهوا عن المنكر. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب كفائي، وقد يكون واجباً عينياً إذا لم يكن هناك غير هذا الإنسان ممن يقوم مقامه، فإنه يتعين عليه، وأما إذا وجد من يقوم بهذا الأمر فإنه يكون فرض كفاية. فإذا قام به من يكفيه سقط الفرض عن الباقين، ولكنه قد يتعين بحيث يكون في أناس لا يوجد فيهم من يقوم بذلك إلا هو، فيكون بذلك متعيناً عليه، لأنه ليس هناك من يقوم مقامه ويكفي عنه. [ قال أبو داود : ورواه كما قال خالد أبو أسامة وجماعة ]. أبو أسامة حماد بن أسامة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقال شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا أبو إسحاق أظنه عن ابن جرير عن جرير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتو) ]. أورد أبو داود حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتو). هذا مثل الذي قبله، وفيه أنه إذا كان قوم فيهم منكر وهم قادرون على تغييره ولم يغيروه، فإنه يصيبهم العذاب قبل أن يموتوا، أي: يعجل الله لهم العذاب في هذه الحياة الدنيا، والعذاب كما هو معلوم يكون بأنواع متعددة، فقد يكون عن طريق الهلاك، وقد يكون عن طريق المرض، أو عن طريق الابتلاء والفتن وما إلى ذلك، فيفتن الإنسان فيحصل له عذاب في الدنيا على عدم القيام بالأمر والنهي الذي هو واجب ومتعين عليه. وإذا غلب على الظن أن هذا الذي يفعل المنكر لا يستمع النصيحة فهل يترك فتكون الآية على ظاهرها: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ [المائدة:105] ؟ الظاهر أنه إذا كان سيحصل الفائدة ينصح، ولكن الإنسان كونه يبذل النصيحة هو على خير سواء قبلت النصيحة أم لم تقبل.
تراجم رجال إسناد حديث: (ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي..)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو الأحوص ]. سلام بن سليم الحنفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو إسحاق ]. عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جرير ]. ابن جرير قيل: هو المنذر . وقيل: عبيد الله بن جرير ، وكأنه عبيد الله . وعبيد الله بن جرير بن عبد الله البجلي ، مقبول، وفي الأسماء رمز له بـ(ق) يعني: في ابن ماجة، وفي الأبناء رمز له بـ(د). وكذلك المنذر بن جرير مقبول، لكن أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن جرير ]. جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الكتاب : شرح سنن أبي داود
المؤلف : عبد المحسن العباد
المفضلات