شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قال قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم ؟ قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة لا ما أقاموا فيكم الصلاة ) رواه مسلم . وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أهل الجنة ثلاثة: ( ذو سلطان مقسط موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربي ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال ) رواه مسلم ... " .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
القارئ : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب الوالي العادل : " عن عوف بن مالكٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرارُ أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قال: قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم؟ قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة" رواه مسلم.
وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيفٌ متعفف ذو عيال" رواه مسلم " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال النووي -رحمه الله- في كتاب *رياض الصالحين في باب الوالي العادل : عن عوف بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "خيار أئمتّكم الذين تحبونهم ويحبّونكم، وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم، وشرارُ أئمّتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم" : الأئمة يعني ولاّة الأمور سواء كان الإمام الكبير في البلد وهو السّلطان الأعلى ، أو كان من دونه ، هؤلاء الأئمة الذين هم ولاّة أمورنا ينقسمون إلى قسمين : قسم نحبّهم ويحبّوننا ، فتجدنا ناصحين لهم ، وهم ناصحون لنا ، ولذلك نحبّهم لأنهم يقومون بما أوجب الله عليهم مِن النّصيحة لمن ولاّهم الله عليهم .
ومعلوم أن من قام بواجب النّصيحة فإن الله تعالى يحبّه ثم يحبّه أهل الأرض ، فهؤلاء الأئمّة الذين قاموا بما يجب عليهم محبوبون لدى رعيّتهم ، "ويصلّون عليكم وتصلّون عليهم" : الصّلاة هنا بمعنى الدّعاء ، يعني تدعون لهم ويدعون لكم، تدعون لهم بأن الله يهديهم ويصلح بطانتهم ويوفّقهم للعدل إلى غير ذلك من الدّعاء الذي يُدعى به للسّلطان، وهم يدعون لكم : اللهم أصلح رعيّتنا، اللهم اجعلهم قائمين بأمرك وما أشبه ذلك .
أما شرار الأئمّة فهم الذين يقول الرسول عليه الصّلاة والسّلام : "الذين تبغضونهم ويبغضونكم" : تكرهونهم لأنهم لم يقوموا بما يجب عليهم من النّصيحة للرّعيّة وإعطاء الحقوق إلى أهلها ، وإذا فعلوا ذلك فإن الناس يبغضونهم فيحصل البغضاء من هؤلاء وهؤلاء، تحصل البغضاء من الرّعيّة للرعاة ، لأنهم لم يقوموا بواجبهم، ثمّ تحصل البغضاء من الرعاة للرّعيّة ، لأن الرّعيّة إذا أبغضت الوالي تمرّدت عليه وكرهته ولم تطع أوامره ولم تتجنّب ما نهى عنه ، وحينئذ يلعنونكم وتلعنونهم والعياذ بالله، يعني يسبّونكم وتسبونهم، أو يدعون عليكم باللعنة وتدعون عليهم باللعنة .
إذن الأئمة ينقسمون إلى قسمين : قسم وفّقوا وقاموا بما يجب عليهم فأحبهم الناس وأحبّوا الناس، وصار كلّ واحد منهم يدعو للآخر، وقسم آخر بالعكس شرار الأئمة، يبغضون الناس والناس يبغضونهم ويسبّون الناس والناس يسبّونهم.
أما حدبث عياض ين حمار رضي الله عنه، فهو : أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : "أهل الجنّة ثلاثة ذو سلطان مقسط موفق" : وهذا هو الشّاهد، يعني صاحب سلطان ، والسّلطان يعمّ السلطة العليا وما دونها، مقسط أي : عادل بين من ولاه الله عليه، موفّق : أي مهتدٍ لما فيه التوفيق والصّلاح قد هدي لما فيه الخير ، فهذا من أصحاب الجنّة، وقد سبق أن الإمام العادل ممن يظلهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه، وهذا هو الشاهد مِن هذا الحديث : "ذو سلطان مقسط موفّق".
الثاني : "ورجل رحيمٌ رقيقُ القلب لكلّ ذي قربى ومسلم" : رجل رحيم يرحم عباد الله، يرحم الفقراء، يرحم العجزة، يرحم الصّغار يرحم كلّ من يستحقّ الرّحمة .
"رقيق القلب" ليس قلبه قاسيًا، "لكلّ ذي قربى ومسلم" : وأما للكفّار فإنه غليظ عليهم، هذا أيضا من أهل الجنّة، أن يكون هذا الإنسان رقيق القلب : يعني فيه لين وفيه شفقة على كلّ ذي قربى ومسلم.
والثالث : "رجل عفيف متعفّف ذو عيال" : يعني أنه فقير لكنّه متعفّف لا يسأل الناس شيئاً، يحسبه الجاهل غنيّا من التّعفّف.
"ذو عيال" : يعني أنّه مع فقره ، عنده عائلة ، فتجده صابرا محتسبا يكدّ على نفسه ربّما يأخذ الحبل يحتطب ويأكل منه ، أو يأخذ المخلب يحتش فيأكل منه ، المهم أنه عفيف متعفّف ذو عيال ، ولكنّه صابر على البلاء، صابر على عياله فهذا من أهل الجنّة ، نسأل الله أن يجعل لنا ولكم من هؤلاء نصيباً ، والله الموفّق.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات