ومما سبق نرى أن فى حلق اللحية ثلاثة أقوال
" لعل أوسطها أقربها وأعدلها
ـ وهو الذي يقول بالكراهة ـ
فإن الأمر لا يدل على الوجوب جزما ً،
وإن علل بمخالفة الكفار،
وأقرب مثل على ذلك هو الأمر بصبغ الشيب مخالفة لليهود والنصارى،
فإن بعض الصحابة لم يصبغوا،
فدل على أن الأمر للإستحباب،
صحيح أنه لم ينقل عن أحد من السلف حلق اللحية،
ولعل ذلك لأنه لم تكن بهم حاجة لحلقها، وهي عادته" (9)
لماذا يحلق شباب الدعوة الإسلامية لحاهم ؟
عرفنا أن موضوع اللحية موضوع خلافي،
ومن المقرر المعروف أن الفتوى تختلف زمانا ومكانا وشخصا ً، والأحكام فيها العزيمة والرخصة،
والأحوال فيها السعة وفيها الضرورة0
والقارئ لسيرة النبي يجد أنه أباح الكذب فى الحرب علما ًبأن الكذب حرام ومن الأدلة على ذلك ما أباحه النبي لمحمد بن مسلمه عندما خرج لقتل كعب بن الأشرف،
حيث وعد الصحابي الجليل محمد بن مسلمة رسول الله أن يقتل كعبا ً
فقال له النبي :
" فأفعل إن قدرت على ذلك،
فرجع محمد بن مسلمه فمكث ثلاثا ًلا يأكل ولا يشرب إلا ما يعلق به نفسه،
فذكر ذلك لرسول الله فدعاه فقال له:
لم تركت الطعام والشراب؟
فقال: يا رسول الله،
قلت فيك قولا ً لا أدري هل أفين لك به أم لا ؟
فقال: إنما عليك الجهد،
فقال: يا رسول الله، إنه لا بد لنا من أن نقول،
قال: قولوا ما بدالكم فأنتم فى حل من ذلك ) (10)
فأباح النبي لهذا الصحابي ومن معه الكذب،
والقول فى حق النبي وهذا من الأمور المحرمه التى أبيحت للضرورة.
ولا بد من التفريق بين مرحلتي الدعوة والدوله
ففي مرحلة الدعوة كان الأمر للمسلمين
{كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}
[النساء:77]
ولم يؤمروا بالدفاع عن النفس ورد العدوان إلا فى مرحلة الدولة {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا
وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}
[الحج:39]
والآن يعيش الشباب المسلم فى أكثر البلدان الإسلامية التي تطبق النظام العلماني الذى يكره الإسلام وأهله،
ويفعل بالشباب المسلم مالا يفعل بغير المسلم؛
فالشاب المسلم من أجل لحيته يتأخر تسلمه لوظيفته أو يحرم منها،
وإن عين نحيى عن الأعمال الفنية إلى أعمال إدارية إلى غير ذلك،
فهذا يأخذ بفتوى جواز حلق اللحية،
والله عز وجل يقول :
(ومن يتق الله يجعل له مخرجا ً ويرزقه من حيث لا يحتسب)
والنبي يقول :
(لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)
وقد قال النبي لعمار بن ياسر عندما أكره على النطق بكلمة الكفر
(إن عادوا فعد)
أى إن عادوا إلى التعذيب فعد إلى النطق بها؛
فالفتوى لا بد أن تتلائم مع واقع الناس ورفع الحرج عنهم يقول إبن تيمية فى موضوع مخالفة أهل الكتاب فى الهدي الظاهر:
" إن المخالفة لهم لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه؛ كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار ـ فلما كان المسلمون فى أول الأمر ضعفاء لم يشرع المخالفة لهم،
فلما كمل الدين وظهر وعلا شرع ذلك ـ
ومثل ذلك اليوم:
لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورا بالمخالفة لهم فى الهدي الظاهر،
لما عليه فى ذلك من الضرر، بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانا فى هديهم الظاهر،
إذا كان فى ذلك مصلحة دينية؛ من دعوتهم إلى الدين، والإطلاع على باطن أمرهم؛
لإخبار المسلمين بذلك،
أو دفع ضررهم عن المسلمين،
ونحو ذلك من المقاصد الصالحة " (11)
ومن المقاصد الصالحة دفع الأذى عن الشباب المسلم والمتتبع للأحاديث الواردة عن النبي بإعفاء اللحية يجد أنها لم تقل في المرحلة المكية
(مرحلة الدعوة)
وإنما قيلت فى المرحلة المدنية
(مرحلة الدولة)
ثم إن هذا الحكم
(حلق اللحية)
حكم إستثنائي ألجأت علماء الجماعة للقول به الظروف والأحوال الإستثنائية وليس لمن يقطن في بلاد المسلمين ولا يحارب من أجلها
ويوم تقوم الدولة المسلمة يصبح
ـ فى حق الجميع ـ
إطلاق اللحية واجبا ً.
نلخص مما سبق إلى أن اللحية فيها ثلاثة أقوال:
قول يقول بأنها واجبة ويحرم حلقها0
وقول يقول بسنيتها ويكره حلقها،
وقول يقول بأنها سنة عادة،
وقد أخذت بالرأي الوسط وهو أنها سنه والسنه إتباعها واجب و يكره حلقها0
وعرضت لقضية جواز حلق اللحية لشباب الدعوة الإسلامية، وبينت أن هذا حكم إستثنائي أقتضته ظروف إستثنائية، ويوم يحكم شرع الله عز وجل ـ
وتصير الظروف عادية نقول:
إن حلق اللحية حرام وإطلاقها واجب.
والله تعالى أعلى وأعلم.
وما أوده منك أخي الكريم/ أباالحارث
أن تتقي الله وأرجوا من الإخوان المشرفين إتخاذ الإجراء اللازم حيال هذا الرجل بأن يمنع
منعا ًباتا ً من طرح أي موضوع يتكلم عن
أمور شرعيه
لأنه من خلال عدة مواضيع له تبين لي أنه يحتاج إلى توجيه وإلى النظر في أمره وفي معتقده وأرائه ومبادئه فأرجوا من الأخوان مراعاة هذا الجانب وإعطاء طلبي الأهميه .
وأسأل الله أن يوفقني وإياكم للعلم النافع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
([1] ) فتح البارى 10/398.
([2] ) فتح البارى 10/399.
([3] ) فتح البارى 10/398.
([4] ) فتح البارى 10/399 وانظر: شرح النووى على صحيح مسلم 3/494 على حديث (الفطرة خمس: الاختتان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط ) ح(257)0
([5] ) شرح صحيح مسلم 3/498.
([6] ) شرح صحيح مسلم 3/496.
([7] ) أصول الفقه للإمام محمد أبو زهرة ـ ط/ دار الفكر العربى ـ القاهرة 1417 هـ/1997م ص 103.
([8] ) قراءات لا فتاوى فى فرعيات مثارة للشيخ حمدى أحمد إبراهيم، ط1/القاهرة 1424هـ 105، 106 ، نقلا عن الفتاوى للشيخ شلتوت ص 208.
([9] ) الحلال والحرام فى الإسلام للدكتور يوسف القرضاوى ـ ط17/ مكتبة وهبة ـ القاهرة 1408 هـ/1988م، 94، وانظر: مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية = = للدكتور يوسف القرضاوى ط3/مكتبة وهبة ـ القاهرة 1418 هـ/1997م ص 86.
([10] ) الروض الأنف ـ للسهيلى 3/233 ط1/دار الكتب العلمية ـ بيروت ، وفى البخارى ح(4037): (فأذن لى أن أقول شيئا، قال: قل)0
([11] ) اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لابن تيمية بتحقيق محمد حامد الفقى ط2/ مكتبة السنة المحمدية ـ القاهرة ـ 176، 177.
المفضلات