الأستاذ / عبدالمجيد بن سعود البلوي.. و مقالة له في صحيفة اليوم الإلكترونية
الديمقراطية لدى كل الشعوب هي الحل للازمات والدواء للأمراض, إلا أن العالم العربي متفرد في ديمقراطيته , من حيث طريقتها التي تؤدى بها ومن حيث نتائجها , نماذج الديمقراطية العربية العتيدة تتمثل في ثلاث دول , لبنان والعراق وفلسطين , وليس المرء بحاجة إلى التدليل على حجم المصائب التي جلبتها هذه الديمقراطيات المزعومة لشعوبها , العراق يعيش حربا أهلية تكاد تنسي أهله أن ما يزيد على مائتي ألف جندي أجنبي يحتلون أرضه , وفلسطين منقسمة بين دولة حماس التي تدير سجن غزة , ودولة رام الله التي تحكم فوق المساحات من الأرض الفلسطينية التي نجت من التفاف الجدار العازل , وسلمت من سطوة الحواجز الأمنية الإسرائيلية التي جعلت الانتقال بين مدن الضفة الغربية وقراها بالغ الصعوبة.
في فلسطين دخلت حركة حماس انتخابات على أساس برنامج انتخابي ينقض كل الاتفاقيات التي سمحت بهذه الانتخابات , من مقررات منظمة التحرير , وقرارات مجلس الأمن الدولي , واتفاقات أوسلو . وبعد أن فازت في الانتخابات يفترض بها أن تتحول إلى ممثل للشعب الفلسطيني , وان تعيد الدول المعنية النظر بالقضية الفلسطينية على أساس جديد يراعي هذا التحول في الرأي الشعبي الفلسطيني . ولكن بدلا من ذلك أصرت هذه الدول على صحة المسار السياسي السابق في التعاطي مع القضية وأهملت كل نتائج الانتخابات , وسعت إلى تغيير ما أفرزته هذه النتائج بوسائط القهر والحصار والمنع . وساعدها في ذلك الفصيل الذي خسر الانتخابات . فالديمقراطية في الحالة الفلسطينية لم تعد وسيلة لإدارة الصراع السياسي بشكل سلمي حتى لا يتحول هذا الصراع إلى صراع مادي عنيف , بل تحولت إلى مولد للصراع العنفي ومغذ له , وهي مفارقة تدل على أن الظروف المنتجة لسلوك ديمقراطي صحيح لم تنضج بعد, سواء كانت ظروفا تتعلق بالواقع الدولي الذي يحدد معايير مسبقة للمنتج الديمقراطي , أو ظروفا داخلية تتعلق بقدرة الأطراف المسيطرة على أدوات السلطة في عالمنا العربي على القبول بنتائج الديمقراطية وحكمها النهائي.
الديمقراطية علاج ودواء من العنف والإقصاء والصراعات الفوضوية التي أرهقت كثيراً من الدول قبل أن تختار الطريق الديمقراطي لإدارة الخلاف السياسي فيها, كما هو الحال في كل الدول الديمقراطية في العالم اليوم ,فالديمقراطية وسيلة رادعة تمنع من تعميق الخلافات وتحويلها إلى مادة تفجر تماسك المجتمع , إذ هي تجعل من الخلاف السياسي مادة تزيد من قوة النظام السياسي وتدعمه بالحيوية والمزيد من القدرة على الإبداع والانجاز والتنافس لصالح الجماعة . هذه الاداة أصبحت في عالمنا العربي وسيلة تولد المزيد من الصراع المادي , بين قوى المجتمع إذ لم تستقر بعد قيم التعددية السياسية والقبول بتداول سلمي للسلطة.
الوضع في لبنان لا يختلف كثيراً عنه في فلسطين مع تبادل الأدوار بين السلطة والمعارضة , في فلسطين لم تقبل السلطة قواعد الديمقراطية , أما في لبنان فالحال اشد عجبا,فالمعارضة التي هي أقلية في الحسابات الانتخابية البرلمانية تريد أن تفرض رؤيتها على الأغلبية , بل تعتبر نفسها هي الممثل الشرعي للشعب اللبناني وبالتالي من حقها أن تستخدم كل وسيلة لمنع الأكثرية النيابية من أن تختار من يمثلها رئيسا للبنان .الديمقراطية في لبنان في طريقها أن تتسبب في حرب أهلية جديدة , وقد كانت الديمقراطية وسيلة للخروج من الحروب الأهلية لا مولدا لها ولكنها الخصوصية العربية التي تحول الشئ إلى نقيضه وتغير من قواعد الأشياء وتمنحها منطقها الخاص .
إن الديمقراطية حتى تنتج حلولاً لمشاكل العالم العربي, لا مولدة لمزيد منها ,لابد لها أن تكون بعيدة عن التدخل الخارجي المفرط في تدخله والذي يعمق التناقضات داخل المجتمع ويوظفها لصالح مشاريعه الخاصة, كما أنها حتى تكون ديمقراطية ذات اثر ايجابي لابد لها من رسوخ قيم التعددية السياسية والقبول بالآخر في بنية الأحزاب والهيئات والجماعات التي تشارك في العملية الديمقراطية , وإلا فان هذا الدواء سيتحول إلى بلاء ومصيبة .
http://www.alyaum.com/issue/page.php?IN=12524&P=4
المفضلات