الكاتب /
سعود البلوي ومقال له في جريدة الوطن
بعنوان(
اتفاق الدوحة يجب أن يستمر )
بالعدد الصادر في يوم الجمعة الموافق 18 جمادى الأولى 1429هـ الموافق 23 مايو 2008م العدد (2793)
إنّ اتفاق الساسة اللبنانيين في الدوحة، يعتبر إنجازاً مهماً يصب بداية في مصلحة لبنان وشعبه. وهذا الإنجاز لا يحسب فقط للبنانيين، بل للجامعة العربية التي رعت الحوار الوطني اللبناني، واستضافته دولة قطر التي لعبت فيه دوراً رئيسياً، أدى أخيراً إلى فرحة لبنانية وعربية غامرة.. لكن الأهم أن يستمر هذا التوافق!
وهذا الاتفاق هو استمرار لاتفاق الطائف ومكمل له، وقد جاء وفقاً لقاعدة (لا غالب ولا مغلوب) التي تفضلها بعض الأطراف العربية. فخلال الأيام القليلة القادمة سوف نشهد انتخاب الرئيس التوافقي، قائد الجيش الجنرال ميشال سليمان. وهو الذي نستطيع وصفه برجل المرحلتين: المرحلة الأولى التي تسبق انتخابه رئيساً، حيث استطاع طوال السنوات الثلاث الماضية التي شهد فيها لبنان أحداثاً جساماً بدءاً باغتيال الرئيس رفيق الحريري، مروراً بأحداث الإرهاب في نهر البارد شمال لبنان، وانتهاء بـ"انقلاب" حزب الله. خلال كل ذلك استطاع الجيش اللبناني، بقيادة سليمان، أن يمسك العصا من وسطها محيّداً الجيش عن الانجرار إلى السياسة، وبالتالي الحؤول ضد التصعيد والانزلاق إلى الصدامات الأهلية. أما المرحلة الثانية فهي ما بعد انتخابه رئيساً توافقياً للجمهورية اللبنانية، حيث يستطيع على الأقل تأمين مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي، برعاية الحوار بين الفرقاء اللبنانيين، والقيام بالدور الموازن في الحكومة اللبنانية، بحيث لا ترجح كفة على الأخرى بين المعارضة والموالاة.
تاريخ لبنان السياسي مرتبط لزمن طويل بالتدخلات الخارجية، ولهذا نقول إنّ اتفاق الدوحة لم يكن ليتم لولا لعبة التوازنات الإقليمية والدولية، ولذلك فإن استمرار التوافق بين القوى الإقليمية والدولية هو شرط رئيس لاستمرار التوافق بين الساسة اللبنانيين، وهذا يعني أن أي اختلال في ميزان القوى سوف يؤثر مباشرة على لبنان، وبالتالي غير مستبعد أن يسقط اتفاق الدوحة، مثلما سقطت اتفاقات أخرى منها ما تم بين الفصائل الفلسطينية.
طوال سنوات ثلاث من التجاذبات السياسية، لم تستطع المعارضة إزاحة حكومة فؤاد السنيورة عن طريقها بإجبارها على الاستقالة، كما لم تستطع الحكومة كبح جماح المعارضة التي ازداد غليانها ووصل الأمر إلى محاصرة مقر رئاسة مجلس الوزراء في السرايا الحكومي. أما حزب الله فقد قلتُ عنه قبل عامين أثناء حرب يوليو، في هذه الزاوية من "الوطن"، إنّ دوره في المقاومة لا يعني أنه ليس لديه أهداف أخرى، حيث يقدّم أولوياته الأيديولوجية على أولوياته الوطنية فأصبح (دولة داخل دولة)، وهذا بالفعل ما حصل بعد أن قررت حكومة السنيورة التعامل مع شبكة الاتصالات التي يديرها الحزب خارج سيطرة الدولة؛ مما أفقد السيد حسن نصرالله صوابه، فأعطى أوامره باحتلال بيروت، لينتشر مسلحو الحزب، تدعمهم حركة أمل والحزب القومي السوري الاجتماعي، وذلك بلمح البصر في كل شوارع بيروت معتمدين سياسة الأرض المحروقة، في كل ما يتعلق بتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي. تراجعت الحكومة اللبنانية عن قراريها فيما يتصل بشبكة الاتصالات، ونقل مدير الأمن في مطار بيروت العميد وفيق شقير، وهدأت الأمور بعد زيارة اللجنة الوزارية العربية، التي تمخضت عن الاتفاق على الحوار اللبناني الذي أسفر عن اتفاق الدوحة. إلا أن هناك أمرين مهمين لا يمكن تجاهلهما، الأول يتمثل بسقوط "أسطورة" حزب الله، حيث اتضحت أكذوبة الحزب بأن سلاحه لن يستخدم في الداخل اللبناني مهما كانت الأوضاع. والأمر الثاني هو أن بقاء سلاح حزب الله مستقبلاً يعني استمرار وجود "دولة حزب الله" داخل دولة لبنان، ومن غير البعيد أن يكرر الحزب فعلته إذا ما أحس بسيطرة الدولة عليه، رغم أني لا أستبعد أن ما حدث هو بداية النهاية لحزب الله على المدى البعيد، رغم عزف الحزب باستمرار على وتر المقاومة، ولكن السؤال: هل ستستمر المقاومة إلى الأبد؟
فعلياً، انتهى لحن المقاومة عام 2
بانسحاب إسرائيل طوعاً من جنوب لبنان، وبقائها في مزارع شبعا. ومنذ أكثر من عام تنتشر أخبار غير مؤكدة عن وجود محادثات سرية بين سوريا وإسرائيل بوساطة تركيا، وهذا ما أكده وزير الخارجية السوري وليد المعلم يوم الأربعاء الماضي، الذي وصفها بأنها مفاوضات غير مباشرة، وهناك إشارات إلى إمكانية انسحاب إسرائيل إلى حدود عام 67. أما إذا ما حصلت مفاوضات سلام مباشرة بين الطرفين مستقبلاً، فإن ذلك يعني أن لبنان سيبقى في الواجهة وحيداً: إما أن يفاوض منفرداً - بعد تحرره من الوصاية السورية - أو لا يفاوض. وبالأحرى هو لن يقوى على إجراء أي مفاوضات في ظل استمرار وجود حزب الله عسكرياً على الأرض اللبنانية، إذ ربما لن يرضيه البقاء خارج اللعبة، وبالتالي سيتولى دور الدولة!
لبنان يجب أن يبقى دولة المؤسسات لا الطوائف، وإلا فإنه لن يبقى. ويحضرني هنا اقتراح سيدة من الشارع اللبناني تقترح حل جميع الأحزاب؛ لأنها - برأيها - السبب في مصائب لبنان. ونحن نعلم أن تلك الأحزاب هي غطاء الطائفية المقيتة في لبنان. وإذ لم تكن هناك خطط جديدة لإصلاح مؤسسات الدولة اللبنانية فقد يعود الفرقاء إلى نقطة الصفر في يوم ما، لذلك من المهم أن تستمر الوساطة والرعاية العربية للشأن اللبناني وسط تنسيق إقليمي ودولي، من أجل أن تتحرر الدولة من وضعها الميليشياوي الحالي. فكل الفرقاء اليوم لا يحتكمون إلى مؤسسات الدولة سواء المدنية أو العسكرية، بقدر احتكامهم إلى فكر الطائفة وسلاح الحزب! فالدولة لا تمثل فعلياً حتى الحاضن الأول للشعب؛ لأنها لم تستطع حتى الآن توفير الأمان للمواطنين على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم السياسية.
لذلك أقول: إن اتفاق الدوحة يجب أن يستمر، والاستمرارية التي أقصدها هي أن يكون نقطة انطلاق توافقية على المدى القريب، إنما في المستقبل يجب أن تُحكم الدولة سيطرتها على سلاح جميع الأحزاب، فيبقى عملها في الشأن السياسي الذي هو حق للجميع، فمن دون ذلك لا يمكن تطوير المؤسسات وبالتالي لا يمكن للبنان أن يبقى حراً مستقلاً.
* كاتب سعودي
المفضلات