اشكرك أ أخي محمد على هذه المعلومات
ودمت أخي الكريم
سيناء في تراث العالم القديم
* حاتم عبد الهادي السيد
احتلت سيناء مكانة متميزة لأسباب دينية وتاريخية ، كما تعرضت لحروب مستمرة تجاوزت تأثيراتها الحدود الإقليمية إلى العالمية ، وحاول الاستعمار طمس معالم انتماء سيناء لمصر والعروبة ، لكن التراث المتمثل في الموروث الشعبي "الشفاهي" استطاع أن يقف في وجه تلك المتغيرات المختلفة ومع بداية القرن التاسع عشر أصبحت سيناء محط أنظار الدوائر الإستعمارية ، ونجح الاستعمار في مخطط عزل سيناء أرضاً وبشراً ، وتمثل ذلك في الاحتلال الاسرائيلي عام 1967م، وما تبعه من مخططات مثل فكرة تدويل سيناء وغيرهـا ، إلا أن البــدو – هنـاك – قد أفشلوا هذا المخطط المعروف "بمؤتمرالحسنه" ، كما أفشلوا الكثير من المخططات العسكرية بعد ذلك .
وبعد صدمة مخابرات الاحتلال الإسرائيلي ، وفشل تمرير فكرة تدويل سيناء أشار رجال المخابرات وخبراء الموساد على حكومتهم بأن أفضل وسيلة لترويض البدو هو التعرف عن قرب على أسلوب تفكيرهم ونواحي فلسفتهم ومثلهم الأخلاقية والاجتماعية ، لذا دفع الموساد بمجموعة من الباحثين الأجانب والإسرائيلين عام 1970م لجمع وتدوين تراث بدو سيناء إلا أن مدافع حرب رمضان (أكتوبر 1973) قد خيبت آمال الصهاينة في سرقة الأرض والشعب والتراث .
لذا فإن – جمــع وتدوين التراث في بادية سيناء له أسبابه ودوافعه ولعل أبرز هذه الأسباب ما يلي
1- إن تراث بادية سيناء هو جزء لايتجزأ من التراث المصري العريق ، لذا فإن جمعه وتدوينه هو مطلب وطني وقومي ، إذ التراث من أهم دعائم وأركان الأوطان والأمم .
2- إن سيناء غنيه بترائها الشفاهي ولابد من الإسراع في تدوينه قبل موت الحفاظ كما أن المصادر والمراجع المكتوبة لا تسعف أي باحث وطني يتطلع للأمانة والموضوعية.
3- إن زحف المدنية وتطور الحياة الحديثة ومشروعات التنمية الشاملة ، والغزو الفكري لعقلية البدوي من شأنه أن يؤدي إلى اكتساح حياة البادية بصورتها التقليدية وهذا يجعل السرعة في هذا المقام مندوبة إن لم تكن ضرورة علمية وتاريخية .
4- إن تدوين التراث البدوي سيؤدي بالضرورة إلى دراسته وتحليله وتقديم النموذج المصري لحل اشكالية البداوة في الوطن العربي والتي تعد – حتى الآن – واحدة من أبرز عوائق التنمية والتطور .
5- إن جمع التراث يمثل أهمية قصوى لأبناء بادية سيناء لجمع علوم أجدادهم وآباء أجدادهم خاصة وإن ما كتب عنهم في السابق قد آثار حفيظتهم لمخالفته الحقيقة والواقع ، وبعده عن المصداقية .
ولكل ما تقدم وغيره فإننا بحثنا في بطون الكتب فما وجدنا غير نذر يسير لايشبع الذائقة الثقافية ووجدنا أن اتباع أسلوب الدراسات الميدانية -في هذا المجال - هو الأسلوب الناجع لثقب أغوار الصحارى للوصول إلى أغوار الحقيقة ومنبعها ، لذا كان علينا أن نسلط الضوء على تلك الحلقة المفقودة من ثقافتنا العربية وأعنى بالتحديد الثقافة الشعبية الشفاهية .
وإذا علمنا أن الثقافة الشفاهية تشمل محاوراً وتفريعات كثيرة وتحوي على : اللغة (اللهجة) ، العادات والتقاليد ، المعتقدات الشعبية ، الأزياء والحلي ، الطب الشعبي ، القضاء العرفي ، الشعر البدوي ، والأنثروبولوجيا والإجتماع ، والسلالات ، والأجناس ، والجغرافيا البشرية ، وغير ذلك ، فإن الضرورة تقتضي منا أن نقف على إحدى هذه المحاور حتى يمكن لنا أن نتعرف إلى ذلك التراث الهائل لبادية سيناء العربية ، ولنا بعد ذلك أن نعرض لبقية المحاور إتماماً للفائدة ، وتعميقاً للدرس التراثي الشفاهي .
ولقد ارتأينا أن نبدأ " بالمعتقدات الشعبية " لأنها تجعلنا نقف على طرائق التفكير عند هؤلاء البدو، كما أنها تمثل المدخل المناسب لمعرفة أصول العقيدة التي يؤمن بها البدو هناك ، علاوة على أنها تطلعنا على بعض من عادات وتقاليد البدو في شبه جزيرة سيناء.
( المعتقدات الشعبية )
سيناء أرض القداسات ، تعاقب على سكناها اليهود ، إلى جانب المسيحيين في الجنوب ، وعاشوا جنباً إلى جنب مع البدو المسلمين ، فلا غرو أن تختلف المعتقدات من عصر إلى عصر ، ومن زمان إلى زمان ، وما يهمنا في هذا الكتاب هو معتقدات البدو الشعبية ، وتفكيرهم ، وخرافاتهم ، ودينهم ، ويجب بداية أن نقرر بأنه يصعب الفصل هنا بين العادات والتقاليد ، وبين المعتقدات ، إذ المعتقد يخص الجانب الديني والروحي والسلوكي الخاص بتفكير هؤلاء البدو ، وبالتالي يصعب الفصل بين السلوك العملي وبين ما يفكر فيه البدوي وما يعتقد به ، وعلى أية حال فسنركز هنا على الموروث الحياتي لأولئك البدو حتى يمكن أن نستخلص منه طرائق التفكير، وأصل العقيدة التي يؤمن بها البدوى .
وفى البداية نقرر بأن بدو سيناء متدينون بطبعهم ، يدينون بالإسلام كدين ، وإن كان بعضهم يكنى مسلماً ، لكن لايصلي إلا نادراً، ولكن مع ذلك يؤدي أغلب الأركان فهو متدين بطبعه يقدس حقوق الآخرين ويحترم آدميتهم ، وكان النزوع إلى إفشاء العدل وإحقاق الحق وإن غلبت هذه النزعة بعض سمات قبلية تمثلت في المثل البدوي القديم : "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" فكان النصر هنا بدافع قبلي يمتد إلى النسب والقرابة ، وإن جنح أغلب البدو إلى التعقل وعدم التهور في الغالب.
وإلـى جانب " الدين " نرى أن البدو يعتقدون في كرامات الأولياء الصالحين فيتبركون بهم لنيل كراماتهم ، وينذرون النذور ويذبحون الذبائح عند قبور هؤلاء الأولياء اعتقاداً منهم بأن ذلك سبباً من أسباب قبول النذور ببركة هؤلاء الأولياء الصالحين كما كان البدو – قديماً – يقدسون بعض الأشجار ويتبركون بها ، وكذلك بالأحجار ، فكانت الرجوم ، والقبور والأضرحة ، شواهداً على هذه المعتقدات التي نشأت بين البدو .
كما كانوا يعتقدون بوجود أولياء مفسدين وكانوا يرجمونهم بالحجارة ويصبون عليهم الشتائم ومن هؤلاء المفسدين" مصبح الوالي المفسود" على درب الحج المصري في وادي المشتى ، و "عمرى" الوالي المفسود في أعلى " وادي الأبيض " على بعد 10 أميال من خرائب "العوجاء" على درب" غزة" وكانوا يرجمونهم بالحجارة اعتقاداً منهم بأن ذلك هو عين الصواب تشاؤماً تارة ، واعتقاداً بأنهم يفعلون ذلك حتى لا تصيبهم الأرواح الشريرة بالأذى تارة أخرى ، وكانوا يزورون القبور في المواسم والأعياد ، ويدفنون موتاهم بالقرب من قبور هؤلاء الصالحين تبركاً بهم وشفاعة لموتاهم، كما كانوا يبنون فوق هذه القبور أضرحة ، وقبابا ، ومقامات ، ويقومون بتقديم الذبائح، من ماعز وإبل وأغنام شفاعة للميت من جانب ، ومن جانب آخر وفاء لنذر أو تمنياً لقضاء حاجة أو لشفاء مريض أو زكاة عن أنفسهم وراحة لأجسادهم وأبنائهم وأحفادهم.
" أربعـــــاء أيــــــوب "
وفي سيناء تتناثر قبور الأولياء بالعشرات ، إذ أن البدو عندما يموت لهم شيخ صالح يبتنون له ضريحاً وقبة ومقاماً اعتقادا بصلاحه، كما كانوا يذبحون للأنبياء ، ومن الأنبياء الذين يتم الذبح لهم وإقامه شعائر الزيارات في المواسم والأعياد : النبى "هارون" في طور سيناء ، كما كانوا يتبركون بالبحر وزيارته ، ويذبحون له الذبائح ، ويعقدون عنده خيامهم ، وخيولهم وإبلهم وأغنامهم ، ويذهبون إليه في أوقات معينه من السنة ، ثم يقومون بأخذ جلود ورؤوس وأرجل هذه الذبائح فيقذفونها في البحر قائليـن : "هذا عشاك يا بحر" ، ثم يقومون بطبخ باقي اللحم فيأكلون منه ويطعمون المارة ، وهذا يحدث غالباً في مدينة العريش مرة كل عام يوم الأربعاء قبل "شم النسيم "ويسمى "أربعاء أيوب" ويقــال أن " أيوب " عليه السلام – شفى وبرأ من الأمراض عندما اغتسل في البحر المتوسط في العريش ، وفي أربعاء أيوب ينزل الرجال للاستحمام في البحر من الصباح وحتى قبل العصر ، وتنزل النساء بملابسهن من قبيل غروب الشمس حتى بعد المغرب ، وهم يفعلون ذلك إما للشفاء من مرض معين ، وإما للتقرب من الله والدعاء بشفاء النساء من العقم حتى يتم الحمل وإنجاب الأطفال ، وقديماً يحتفل السواركة والبياضين والأخارسة بهذا اليوم غير أن السواركة : يتمون هذه الزيارة بدون احتفال ويذهبون من المغرب إلى صباح اليوم التالي ويذبحون في أي مكان على شاطئ البحر بين رفح والعريش وليس عند ضريح "النبى ياسر" بالعريش ، غير أن البياضين والأخارسة من سكان "قطية" كانوا ينزلون البحر عند "المحمديات" بالقرب من مدينة الفرما فيحتفلون بأربعاء أيوب احتفالاً خاصاً فيقيمون الزينات ، ويتسابقون على الخيل والهجن ، وتستمر الاحتفالات لمدة ثلاثة أيام ، وكان هذا في القديم ، أما الآن فإن الاحتفال يكون بذهاب بدو سيناء وحضرهم بعد صلاة الظهر وقرب صلاة العصر إلى البحر يستحمون ويذبح منهم من يذبح تقرباً لوجه الله ثم لا يرمون جلود هذه الذبائح ولا أي شيء منها في البحر بل يوزعونها لوجه الله تعالى ، إلا أنهم
ما زالوا يعتقدون "في حمل النساء" اللاتى لا يحملن إذا ذهبن واستحممن في يوم أربعاء أيوب .
" التبرك بالأشجار والأحجار "
ومثلما يعتقد البدو بالبحر ويزورونه ويقدمون له الذبائح فإنهم يفعلون ذلك مع الشجر فيزورونه تبركاً ، ففي مدينة رفح تزور النساء شجرتا سدر تدعيان "المقرونتين" ويقال لكل منهما "الفقيرة" ، فكانت النساء تكرمن هاتين الشجرتين وتنذرن لهما النذور ، ومتى جئن للزيارة وضعن شيئاً من آثارهن فيها وأنرنها بسرج الزيت كما يفعل البدو كافة عند زيارة الأولياء ، كما وجد بطريق "لحفن" غابة صغيرة من شجر" الطرفاء" تدعى الفقيرة – أيضاً – يزورها العرب للتبرك ، وهم ينيرونها ويودعون عندها حبالهم وأشياءهم ، كما يوجد في صحن قلعة نخل شجرة سدر قديمة كان الأهالى يعتقدون بأنها "ولية" ، وينيرونها بالسرج ويذبحون عندها .
كما كانوا يتقربون "للقبور" إذ أن أصحابها ذوي كرامات ففي وادي "صلاف" بالقرب من ملتقى رأسيه يوجــد قبر الشيخ "رزة" في جبانة أولاد سعيد ، فإذا فقد لأحدهم حمار أتى إلى هذا القبر وقال : "ياشيخ رزة أنا داخل عليك ، تحمي حماري من الضياع" ، ثم يشرب القهوة عنده ويقرأ الفاتحة وينصرف فلا يلبث أن يجد حماره .
وفي " معتقداتهم الطبية " عندما يصاب أحدهم بجرح في غزوة يتم كيه بالنار ، أو يخيطون الجرح ويغسلونه كل يوم بمستحلب "روث الحمير" مدة أربعة أيام ، ويغلون البصل بالماء ويصفونه ، ويغسلون به الجرح ويسقون العليل منه لمنع تعفن الجرح ودفع أذى الرائحة ثم يغلون" المر "بالسمن ويجعلونه دهاناً فيدهنون به الجرح أربعين يوماً حتي يبرأ ، كما يقومون بتبخير المصاب بالحمى بشعر الضبع أو بجلد القنفذ ، وتقوم النساء بحرق صغار العقارب وصحنها لهم حتي لا يؤذيهم لسع العقارب .
ولا شك أن الجهل والأمية وعدم وجود أطباء كان سبباً من أسباب انتشار الخرافة وتأخر هذه الجماعات وعدم مواكبتها للتقدم .
" الإعتقاد بالحـسد "
والبدو يعتقدون " بالحسد " وأن عين الحسود تصيب ، لذا يتم رقي الأبناء بتعليق خرزة في أعناق الأطفال ، حتي الإبل والماعز يعلقون في أعناقهم هذه الخرزة اعتقاداً منهم بأنها تنجي من الأعين ، كما يتشائم البدو من عواء الكلب من بطنه ، كذلك من رغاء الإبل ، ويتفائلون بيوم الجمعة وفلج السن ، والسفر يومي الجمعة والإثنين ، كما نراهم عند رؤية الهلال يهللون ويقولون : "ياللي سلمتنا في اللي زل …. سلمنا في اللي هل …. يا الله حلوية ، ياالله جلوية .. يا الله دعوات أولاد الحلال " .
كما يتم رقي الإغنام حتي لا يصيبها حسد ، أو ذئب جائع أو ضبغ أو سبع أو نمر ، ويقولون في مثل هذه الحالة : (معزانا كورة كورة ، عليها قطيفة الله منشورة ، إذا جاء من الوادي لجامه هادي ، وإذا جاء من العدوة لجامه هدمه ، وإذا جاء من الباطين لجامه شريط ، وفي إذانه فاس ، وفي خشمه فاس ، وفـي ايـده فـاس ، وفي رجليه فاس ، نرميه في البحر الدواس ، بيننا وبينه الخلة ، وسبع جمال محملة غلة).
وهم يفرحون عندما يولد صبي ويتكدرون عندما تولد صبية ، كما يتبركون ببعض الأحجار ويزورونها يتبركون ببعض القبور والأضرحة ، فيتباركون بالشيخ "الفالوجي" و "بالنبي ياسر" و "البراقين" و "الشيخ نصار" والشيخ "عيد أبو جرير" و "الشيخ جبارة" وقبة الشيخ "عبد الله "وغيرها …… إلا أن أكثر البدو وحتي الحضر عندما تسألهم عن أصول هؤلاء الشيوخ فإنهم لا يعرفون هؤلاء ، ولا يعرفون إلا أنهم من أولياء الله الصالحين ، حتي تسميه بعض الإبل يدخلها الخرافة ، ومن هذه التسميات تسمية الإبل الأصيلة "بالزريقي " ويحكى أن راعياً في قبيلة كان يرعي إبل سيده في أحـد الأودية ، فهب إعصار على ناقة من نياق سيده فألقحها فولدت قعوداً ، ولم يطلع علي السر سوى الراعي فانتظر حتي حان أوان أجرته وهي على عادة العرب " مفرود ـ ولد الناقة ـ يختاره من إبل سيده فجعل شوكة تحت لسان القعود الذي هو ابن الناقة التي ألقحها الإعصار ، وكان لون القعود يميل إلي الزرقة ، فأسماه "زريقان" فلما بلغ أشده أعلن خبره وأذاع سره فرغب فيه البدو وألقحوا نياقهم منه فكان نسل زريقان ، وهذه الرواية تدل علي مدى تصديق العرب للخرافات وأن الناقة يمكن أن تحمل من إعصار أو من شيء أخر .
والبدو يقيمون بجانب القبور"رجوماً" من الحجارة لمعرفة مكانها وقد يقيمون هذه الرجوم عند بعض الأشجار للنهي عن قطعها ، لما تحمله من قداسة ، ودفعاً للأذى الذي قد يصيب من يقطع هذه الأشجار ، كما يعتقدون أن بعض هذه الأشجار تقطعها الأشباح أو أنها نمت نمواً شيطانياً مثل "العادر" فلا يقربونها في الليل وتصبح مصدراً للقصص الخيالية كقصص الأشباح والعفاريت .
" الإعتقاد بالنجوم والأفلاك "
كما يعتقدون في " النجوم " ويهتدون بها ، ففي أول الخريف عند مطلع نجم "سهيل" ينزل القمر "العقرب" وهو ابن ليلة فيسمي "القران" ، "قرين ليلة" وفي الشهر التالي ينزلها وهو ابن ثلاث فيدعى "قرين ثلاث" وفي الشهر الثالث ينزلها وهو ابن خمس فيدعى "قرين خمس" وفي الشهر الرابع ينزلها وهو ابن سبع فيدعـى "قرين تسع" وفـــي الشهر السادس ينزلها وهو ابن اثنتي عشرة ليلة فيدعى قرين" . وفي الشهر السابع يعود إلي دوره الأول فينزل العقرب وهو ابن ليلة فيدعى قرين ليلة ويخرج منها وهو ابن ثماني وهكذا ، والبدو في ليالي القران السبع من كل شهر لا يسافرون ولا يغزون ولا يباشرون عملاً جديداً إلا مضطرين لأنها في اعتقادهم ليالى شؤم خصوصاً الليلة السادسة إذ يكون القمر في "الشوكة" وفي هذا يقول شاعرهم :-
أحثك مــن العقـــرب وشولتها ولـو فاتــك من الرزق كل مطلوب
سيفي هرب على عرقوب ناقتي وخلى دماها ع الحماد كبوب
وأما الليالي التي لا يكون بها قران فلا يتشاءمون منها ومن ذلك قول شاعرهم :
ليالي عشار الصيـــد ليالي ولادة ليالـي سعايــد ما بهــــن قران
وأسماء الجهات الأربع عندهم هي : الشمال أو البحر ، القبلى ، والشرق ، والغرب.
وهم يعتقدون في الوشم ، ويعدون جمال المرأة في الوشم ، مع أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) نهى عن الوشم فقال صلى الله عليه وسلم : "لعن الله الواشمة والمتوشمة " ، وعندهم الوشم من الجمال ، يقول شاعرهم :-
يابنت ياللي هالعــه باللثــام بلى تخطي ع الحنك حبر ووشام
ياللى تقولوا وصفنا مطر شاتــــى حـب البـــرد بيض الثنايا ولو قام
مسهى برمش العين رقــد الحمــام وتقـول موجوعـاً على نعاس لو نام
ويعتقد البدو أن الحداد على الميت فرض واجب على النساء، ويمتد الحداد أربعين يوماً إلى سنة كاملة ، لا تلبس فيها المرأة الحلي ، أو ثوباً جديداً بل يتشحن بالسواد ، ويخلعن البراقع ويتلثمن بخرقة سوداء ، ولا تخرج النساء إلى زيارة أو فرح، ثم يقومون بترك ثوب من ثياب الميت فوق قبره فيأخذها عابر ، أو تبلى ، ثواباً للميت.
إذا أراد أحد البدو أن يشهد أحداً على شيء وقع في حضوره فإنه يقوم بعقد عمامته ويقول له : "هذه شهادة معك تضوي وياك في المراح ، وتمشي في المسراح توكلة وأمانة " .
وتكثر المعتقدات في بادية سيناء ، ودليل هذه الكثرة انتشار الخرافة وسذاجة الكثيرين الذين يصدقون كل حادثة إلا أن الكثيرين من العواقل والشيوخ لايعترفون بمثل هذه الخرافات ويعدونها جهلاً وبدعاً .
ولا شك أن مجتمعاً تكون فيه العقيدة مزعزعة غير راسخة وتقل فيه تعاليم الدين الأصيلة لهو مجتمع فطري منغلق تسوده الخرافات ويعم على عقل أبنائه الجهل ، ومع ذلك لا يمكن أن ننفي وجود عقول راسخة مفكرة وشعراء مجيدين وشيوخ عقلاء يوجهون الناس وينهونهم عن مثل هذه الخرافات ومع هذا فإن البدوي قديما يعترف بالخرافات ويعتقد بكرامات الأولياء، والأشجار، والأحجار، ويتشائم ويكره ويحب حسبما اكتسب من خبرات ، وحسبما رأى أهله وذويه يفعلون ذلك فالفطرة تعم . والطبع يغلب التطبع , وهذا حال البدوي في القديم ، أما الآن بعد دخول المدنية إلى سيناء ، وزحف الحداثة والتكنولوجيا إلى الصحراء ، ودخول أبناء البدو المدارس والجامعات ، فإن البدوي لم يعد يذهب للعراف ليسأله ، أو لشيخ القبيلة فيستفتيه ، إذ العلم أنضجه فعرف الحق من الباطل ، وعرف الحقيقة من الخرافة فتثبث بالعلم ، وتعقل وبدا يذهب للطبيب ليعالجه ، وابتعد عن الوصفات البلدية المجربة ، والخرافات المستعملة ، فخفت دور شيخ القبيلة ، وقلت الخرافات وإن بقت العادات والتقاليد النبيلة كحسن الضيافة ، والكرم وحب الفروسية ، وقل التعصب واختفى المثل القائل : "انصر أخاك ظالما ومظلوما" فعرف البدوي إن كان أخوه ظالما فإنه يجب أن يكفه عن الظلم وبذلك بدا عهد جديد في البدايه ، لذلك عندما غزت المدينة البادية ورأينا تحول البدوي في ملبسه ومأكله ومشربه وأسلوب حياته ، لأدركنا أن الضرورة تحتم جمع هذا التراث حتى لا يندثر لأنه يمثل تاريخا لشبه الجزيره . كما أنه يمثل ردحا من الزمن قد يستفيد منه الأبناء في حياتهم ، ومن ثم يبتعدون عن كل ما يشين الإنسان والإنسانية ، وحتى يبقى لشبه الجزيرة السيناوية تراثها الذي ترتكز عليه وإلا فلا حضارة لأمة أو منطقة دون مرتكزات تراثية ثقافية حضارية ترتكز عليها وتستقي منها ما ينفعها ويطور من حياتها ، وإلا أصبحت المدينة نبتاً شيطانياً وتقليداً فقط ولكن الإتكاء إلى التراث والقوميـة والدين يجعل أخذنا بالمدنية له أسبابه ، ولكن يجب الاحتراس عند الأخذ بأسباب تلك المدنية وذلك التمدين، وهذا الاحتراس وهذه الحيطة أساسها الاحتفاظ بقيمنا العربية ، وهويتنا القومية ، وديننا الإسلامي الحنيف .
من كل هذا وجب ضرورة حمع التراث الثقافي ليصبح سلاحا وقت اللزوم ، نحارب به ونتكئ عليه حتى يمكن أن نقول : هذا شعب عربي آخذ بأسباب التقدم والمدنية له هويتة وكيانه وتاريخه العريق. ومن هذا اقتضت الضرورة البحث في المعتقدات الشعبية السيناوية , لنقارن بين بدو الأمس وبدو اليوم ، ولنأخذ من المدنية الحديثة ما يخدم البادية وينميها في كل مجالات التنمية المختلفة .
** عضو منظمة كتاب بلاحدود / ألمانيا
عضو اتحاد كتاب مصر
==============قام بالنقل محمد ظاهر الميهوبي
للأطلاع والأفاده ولكم شكري
ديواني الصوتي http://fssoolashaer.com/vb/showthread.php?t=885
اشكرك أ أخي محمد على هذه المعلومات
ودمت أخي الكريم
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات