ابن محمد البلوي
محمد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد البلوي من أهل ألمرية، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بنسبه، وقد مر ذكر أبيه ي العمال.
حاله
هذا الرجل من أبناء النعم، وذوي البيوتات، كثير السكون والحياء، آل به ذلك أخيراً للولوثة، لم يستفق منها لطف الله به. حسن الخط، مطبوع الأدب، سيال الطبع، معينه. وناب عن بعض القضاة، وهو الآن رهين ما ذكر، يتمنى أهله وفاته، والله ولي المعافاة، بفضله.
وجرى ذكره في الإكليل بما نصه: من أولى الخلال البارعة والخصال، خطا رايقا، ونظما بمثله لايقاً، ودعابة يسترها بحبهم، وسكوتاً فيطيه إدراك وتفهم. عني بالرواية والنقيد، ومال في النظم إلى بعض التوليد، وله أصالة ثبتت في السرو عروقها، وتألقت في سما المجادة بروقها، وتصرف بين النيابة في الأحكام الشرعية، وبين الشهادات العملية المرعية.
شعره
ومن شعره فيما خاطبني به، مهنئاً في إعذار أولادي أسعدهم الله، افتتح ذلك بأن قال.
قال، يعتذر عن خدمة الأعذار، ويصل المدح والثنا على بعد الدار، وذلك بتارخ الوسط من شعبان في عام تسعة وأربعين وسبعمائة:
لا عذر لي عن خدمة الإعـذار=
وإن نأى وطني وشط مـزاري
أو عاقني عنه الزمان وصرفـه=
نقض الأمان عادة الأعـصـار
قد كنت أرغب أن أفوت بخدمتي=
وأخطر حلى عند بـاب الـدار
باب المسرة بالضبـع وأهـلـه=
متشمراً فيه بـفـضـل إزار
من شاء أن يلقى الزمان وأهلـه=
ويرى جلا الإشعاع في الأفكار
فليأت حي ابن الخطيب ملـبـيا=
فيفوز بالإعظـام والإكـبـار
كم ضم من جيد كرام فضلـهـم=
يسمو ويعلو في ذوي الأقـدار
إذ حيث ناديه فـقـف عـنـي=
وقل نلت المنى بتلطف ووقـار
يا من له الشرف القـديم ومـن=
له الحب الصميم العد يوم فحار
يهنيك ما قد نلت من أمـل بـه=
في الفرقدين الـنـيرين يسـار
نجلاك قطبا كل تـجـر بـاذخ=
أملان مرجوان في الاعتـبـار
عبد الإله وصنوه قمر الـعـلا=
فرعان من أصل زكا وبحـار
ناهيك من قمرين في أفق العلا=
ينميهمـا نـور مـن الأنـوار
زاكي الأرومة مغرق في مجده=
جم الفضايل طـيب الأخـبـار
رقت طبايعه وراق جـمـالـه=
فكأنما خلـقـا مـن الأزهـار
وجلت شمايل حسنه فكـأنـمـا=
خلعت علـيه رقة الأسـحـار
فإذا تكلم قلـت ظـل سـاقـط=
أو وقع در من نحـور جـوار
أو فت مسك الحبر في قرطاسه=
بالروض غب الواكف المدرار
تتسـم الأقـلام بـين بـنـانـه=
فيريك نظم الدر في الأسطـار
فتخال من تلك البنان كـأنـمـا=
نهلت تفتح نـاضـر الـنـور
تلقاه فياض الندى مـتـهـلـلا=
يلقاك بالبشر والاسـتـبـشـار
بحر البلاغة قسـهـا وأيادهـا=
سحبانها خبر مـن الأخـبـار
إن ناظر العلماء فهو أمامـهـم=
شرف المعارف واحد النظـار
أربى على العلماء بالصيت الذي=
قد كان في الآفاق كل مطـار
ما ضره إن لم يجئ متقـدمـاً=
السبق يعرف آخر المضمـار
إن كان أخره الزمان لحـكـمة=
ظهرت وما خفيت كضوء نهار
الشمس تحجب وهي أعظم تبر=
وترى من الآفـاق إثـر درار
يا ابن الخطيب خطبتها لعلاكـم=
بكراص تزف لكم من الأفكار
جاءتك من خجل على قدم الحيا=
قد طيبت بثنايك المـعـطـار
وأنت تؤدي بعض حق واجـب=
عن نازح الإمكان والأفـكـار
مدت يد التطفيل نحو عـلاكـم=
فتوحشت من جودكم بنـضـار
فابذل لها في النقد صفحك إنهـا=
شكوى التقصير في الأشعـار
لا زلـت فـي دعة وعـز دايم=
ومسرة تترى مع الأعـصـار
ومن السلطانيات قوله من قصيدة نسيبها:
تبسم ثغر الدهر في القضب الملد
=فأذكى الحيا خجلة وجنة الـورد
ونبه وقع الطل ألحاظ نـرجـس
=فمال الوسنان وعاد إلى الشهـد
ونم سبر الروض في مسكة الدجا
=نسيم شذا الخير كالمسك والـنـد
وغطى ظلام الليل حمرة أفقـه
=كما دار مسود العذار على الخد
وياتت قلوب الشهب تخفـق رقة
=لما حل بالمشتاق من لوعة الوجد
وأهمى عليه الغيم أجفان مشفـق
=بذكره فاستمطر الدمع للـخـد
ومنها:
أني لم أقف في الحي وفقة عـاشـق=
غداة افترقنا والنـوى رنـدهـا يعـد
ونـاديت حـادي الـعـسـيس عـرج=
لعلي أبثك وجدي إن تمر على نـجـد
فقال اتيد يا صـاح مـالـك مـلـجـأ=
سوى الملك المنصور في الرفق والرفد
ومما خاطبني به قوله:
عللوني ولـو بـوعـد مـحـال=
وحلوني ولـو بـطـيف خـيال
واعلموا أننـي أسـير هـواكـم=
لست أنفـك إلا عـن عـقـال
فدموعي من بينكم في انسـكـاب=
وفؤادي من سحركم في اشتغـال
يا أهيل الحمى كفاني غـرامـي=
حسبي بمـا قـد جـر....... ال
من مجيري من لحظ ريم ظلـوم=
حلل الهجر بعد طيب الوصـال
ناعس الطرف أسمر الجفن منـي=
طال منه الجوى بطول الـلـيال
بابلي اللحـاظ أصـمـى فـؤاده=
ورماه من غنـجـه بـنـبـال
وكما الجسم من هـواه نـحـولا=
قصده في النوى بذاك النـحـال
ما ابتدا في الوصال يوماً بعطـف=
مذ روى في الغرام باب اشتغال
ليس لي منه في الهوى من محبر=
غير تاج العلا وقطب الكـمـال
علم الدين عـزه وسـنـاه ذرؤه=
المجـد بـدر أفـق الـجـلال
هو غيث الندا وبحر الـعـطـايا=
هو شمس الهدى فريد المـعـال
إن وشى في الرقاع بالنقش قلنـا=
صفحة الطرس حليت بـالـلآل
أو دجا الخطب فيهو فيه شهـاب=
راية الصبح في ظلل الضـلال
أوينا العضب فهو في الأمن ماض=
صادق العزم ضيق الـمـجـال
لست تلقى مثـالـه فـي زمـان=
جل في الدهر يا أخى عن مثـال
قد نأى حـبـي لـه عـن دياري=
لا لـجـدوى ولا لـنـيل نـوال
لكن اشتقت أن أرى منه وجـهـاً=
نوره فاضح لـنـور الـهـلال
وكما همت فيه ألثـم كـفـا قـد=
أتت بالنـوال قـبـل الـسـؤال
سألها ابن الخطيب هذراً أجابـت=
تلثم النعل قبل شسع الـنـعـال
وتوفي حق الوزارة عمـن هـو=
ملك لهـا عـلـى كـل حـال
الإحاطة في أخبار غرناطة
لسان الدين ابن الخطيب
الصفحة : 273، 274
المفضلات