وقال ابن عباس في قوله تعالى:
{اذكروا اللّه ذكراً كثيراً} إن اللّه تعالى لم يفرض على عباده فريضة،
إلا جعل لها حداً معلوماً، ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر،
فإن اللّه تعالى لم يجعل له حداً ينتهي إليه، ولم يعذر أحداً في تركه
إلا مغلوباً على تركه فقال: {اذكروا اللّه قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم}
بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر،
والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال. وقال عزَّ وجلَّ:
{وسبحوه بكرة وأصيلا} فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته،
والأحاديث والآيات والآثار في الحث على ذكر اللّه تعالى كثيرة جداً
(صنف العلماء في الأذكار كتباً كثيرة ومن أحسنها كتاب (الأذكار) للإمام النووي).
وقوله تعالى: {وسبحوه بكرة وأصيلاً} أي عند الصباح والمساء،
كقوله عزَّ وجلَّ: {فسبحان اللّه حين تمسون وحين تصبحون}،
وقوله تعالى: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته} هذا تهييج إلى الذكر،
أي أنه سبحانه يذكركم فاذكروه أنتم، كقوله عزَّ وجلَّ:
{فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}،
وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم:
"يقول اللّه تعالى من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي،
ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه"
والصلاة من اللّه تعالى: ثناؤه على العبد عند الملائكة،
حكاه البخاري عن أبي العالية،
وقال غيره: الصلاة من اللّه عزَّ وجلَّ: الرحمة،
وأما الصلاة من الملائكة فبمعنى الدعاء للناس والاستغفار،
كقوله تبارك وتعالى:
{الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به
ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً
فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم}،
وقوله تعالى: {ليخرجكم من الظلمات إلى النور}
أي بسبب رحمته بكم وثنائه عليكم ودعاء ملائكته لكم،
يخرجكم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الهدى واليقين،
{وكان بالمؤمنين رحيماً} أي في الدنيا والآخرة،
أما في الدنيا فإنه هداهم إلى الحق وبصّرهم
الطريق، الذي ضل عنه الدعاة إلى الكفر أو البدعة،
وأما رحمته بهم في الآخرة فآمنهم من الفزع الأكبر،
وأمر ملائكته يتلقونهم بالبشارة بالفوز بالجنة والنجاة من النار،
وما ذاك إلا لمحبته لهم ورأفته بهم.
روى الإمام البخاري عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى امرأة من السبي،
قد أخذت صبياً لها، فألصقته إلى صدرها وأرضعته،
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "أترون هذه تلقي ولدها في النار
وهي تقدر على ذلك؟" قالوا: لا، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:
"فواللّه، للّهُ أرحم بعباده من هذه بولدها،
وقوله تعالى: {تحيتهم يوم يلقونه سلام} أي تحيتهم من اللّه تعالى
يوم يلقونه سلام، أي يوم يسلم عليهم، كما قال عزَّ وجلَّ:
{سلام قولاً من رب رحيم} وقال قتادة: المراد أنهم يحيي بعضهم بعضاً
بالسلام يوم يلقون اللّه في الدار الآخرة، واختاره ابن جرير. (قلت):
وقد يستدل بقوله تعالى: {دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام
وآخر دعواهم أن الحمد للّه رب العالمين}، وقوله تعالى:
{وأعد لهم أجراً كريماً} يعني الجنة وما فيها من المأكل والمشارب
والملابس والمساكن والمناكح والملاذ والمناظر
مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
- 45 - يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا
المفضلات