السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا تنسوا كاتبها وناشرها من دعائكم في ظهر الغيب (ومن الافضل نشرها لان فيها تذكير لجميع المسلمين)
بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :
فأوصيكم ونفسي بتقوى الجليل والاستعداد ليوم الرحيل والتزود بالأعمال الصالحة ليوم الوعيد – فوالذي نفسي بيده أننا مسئولون عن كل صغيرة وكبيرة – ولنعلم جميعاً أن كل واحد منا سيقف بين يدي الله عزوجل للحساب ليس بينه وبين الله ترجمان وسيقره بذنوبه ويذكره بمعاصيه – قال تعالى :"اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها".
فكل الناس يذهبون إلى ربهم عند انقضاء آجالهم ، وخيرهم من يذهب لربه في حياته قبل موته يطلب هدايته وصلاحه، كما قال تعالى على لسان خليله ابراهيم عليه السلام :"وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين".
أخي الحبيب: تذكر ولوجك القبر لا أنيس معك إلا عملك الصالح فابعث في صندوق القبر ما يسرك الوصول إليه، وتذكر وقوفك أمام الجبار للحساب فاعمل لهذا الموقف ما يخفف عليك الحساب وينجيك من العذاب.
أخي الحبيب: لا تنس أن أعمالك موزونة في يوم الحشر العظيم فتزود بالأعمال الصالحة قبل أن تبلغ النفس الحلقوم فعندئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل ولا تنفع ساعة مندم إني لك من الناصحين.
يا من تعمل السيئات وأنت تعلم أن الله يراك ويسمعك ولا تخفى عليه خافية اتق الله واعلم أنك محاسب ومسئول عن كل ما تفعله إن خيراً فخير وإن شراً فشر. قال تعالى:"ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً".
يا من تسبل ثوبك اسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار).
يا من تحلق لحيتك اسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم حفوا الشوارب وأعفوا اللحى).
يا من تظلم الناس في معاملاتهم وتعاملاتهم وتأخذ أموالهم بغير حق اسمع قول الله تبارك وتعالى:"يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون".
يا من تتكبر على الناس بمالك وجاهك ووظيفتك اسمع قوله تعالى:"ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً".
وقوله عليه الصلاة والسلام لن يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر).
واعلم أيها المتكبر أنك مخلوق من تراب وأن مردك إلى التراب شئت أم أبيت ، قال تعالى:"منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى".
يامن تتكلم في أعراض الناس وتغتابهم وتتتبع زلاتهم وأخطاءهم اسمع قول الله عزوجل :"وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره". قال الإمام النووي رحمه الله تعالى اعلم أنه ينبغي لمن سمع غيبة مسلم أن يردها ويزجر قائلها، فإن لم يستطع باليد ولا باللسان فارق ذلك المجلس، وإن سمع غيبة شيخه أو غيره ممن له حق عليه، أو من أهل الفضل والصلاح كان الاعتناء بما ذكرناه أكثر) انتهى كلامه رحمه الله.
وتذكر قوله عليه الصلاة والسلام المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).
وقوله عليه الصلاة والسلام لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
وقوله عليه الصلاة والسلام من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت). قال حاتم الأصم لرجل: إذا رأيت من أخيك عيباً فإن كتمته عنه فقد خنته، وإن قلته لغيره فقد اغتبته، وإن واجهته به فقد أوحشته. فقال كيف أصنع؟ قال: تكني عنه وتعرض به وتجعله في جملة الحديث.
يا من تمشي بالنميمة بين الناس اسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة نمام). فالنميمة مرض خطير من أمراض القلوب و أدوائها ، وعامة عذاب القبر منها ـ اللهم أعذنا منهاـ والنميمة : هي نقل الكلام بين الناس ( من شخص إلى آخر ) بقصد الإفساد وإيقاع البغضاء والضغينة بين الناس ، والنمام : هو الذي يتحدث مع القوم فينم عليهم فيكشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو الثالث ( النمام ) ، وسواء أكان الكشف بالعبارة أو بالإشارة أو بغيرهما .
والنميمة محرمة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى : { هماز مشاء بنميم } ، والهماز : هو المغتاب .
و قال تعالى : { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }.
وعن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا يدخل الجنة نمام ] ( متفق عليه ) ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مر بقبرين ، فقال : إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير ، بلى إنه كبير ، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الأخر فكان لا يستتر من بوله ] ( متفق عليه ) .
والنميمة داء عضال وسقم بطال ، ابتلي بها بعض الناس ـ أصلحهم الله ـ وهي من كبائر الذنوب التي تستحق العقوبة. وللنمام عقوبة في الدنيا وعقوبة في الآخرة ، ففي الدنيا : فإذا عُرف من أفسد بين الناس فينبغي أن يُتخذ بحقه الجزاء الرادع والحازم من قبل من بيده الأمر. وفي القبر : ما ذكرناه في الحديث السابق من عذاب النمام ، العذاب الذي لا يعلم به إلا الجبار سبحانه وتعالى . وفي الآخرة : وفي الآخرة : [ لا يدخل الجنة نمام ] ( متفق عليه ) .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه } (البخاري ومسلم والترمذي ) . وروي عن علي رضي الله عنه أن رجلاً سعى إليه برجل فقال له علي رضي الله عنه : ( يا هذا ، نحن نسأل عما قلت ، فإن كنت صادقاً مقتناك ، وإن كنت كاذباً عاقبناك ، وإن شئت أن نقيلك أقلناك ، فقال الرجل : أقلني يا أمير المؤمنين ) ، وروي عن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى ، أنه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئاً ، فقال له عمر : ( إن شئت نظرنا في أمرك ، فإن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية : [ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ] ، وإن كنت صادقاً فأنت من أهل هذه الآية : [ هماز مشاء بنميم ] ، وإن شئت عفونا عنك ، فقال : العفو يا أمير المؤمنين ، لا أعود إليه أبداً ) ، وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى : ( من نم إليك نم عليك ) ، ورفع إنسان رقعة إلى الصاحب بن عباد يحثه فيها على أخذ مال يتيم وكان مالاً كثيراً ، فكتب على ظهرها : النميمة قبيحة ، وإن كانت صحيحة ، والميت يرحمه الله ، واليتيم جبره الله ، والمال نماه الله ، والساعي (النمام) لعنه الله .
أخي الحبيب : لكي ينصفك الناس افتح لهم قلبك، ولكي تنصف الناس افتح لهم عقلك، ولكي تسلم من الناس تنازل عن بعض حقك.
قال طاووس لابنه : يا بني صاحب العقلاء تنسب إليهم وإن لم تكن منهم، ولا تصاحب الجهال فتنسب إليهم وإن لمن تكن منهم، واعلم أن لكل شي غاية وغاية المرء حسن عقله.
وقال ابن الجوزي ينصح ابنه : اعلم يا بني أن الأيام تبسط ساعات، والساعات تبسط أنفاساً، وكل نفس خزانة، فاحذر أن يذهب نفس بغير شيء، فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم، وانظر كل ساعة من ساعات حياتك بماذا تذهب؟ فلا تودعها إلا إلى أشرف ما يمكن، وعود نفسك أشرف ما يكون من العمل وأحسنه، وابعث إلى صندوق القبر ما يسرك يوم الوصول إليه. انتهى كلامه رحمه الله.
وروي عن يزيد بن مرثد أنه كانت دموع عينيه لا تنقطع فسئل عن ذلك فقال : لو أن الله أوعدني بأني لو أذنبت لحبسني في الحمام أبداً لكان حقاً علي ألا تنقطع دموعي ، فكيف وقد أوعدني أن يحبسني في نار قد أوقد عليها ثلاثة آلاف سنة.
وروي عن محمد بن السماك أنه نظر إلى مقبرة فقال : لا يغرنك سكوت هذه القبور فما أكثر المغمومين فيها ولا يغرنكم استواء القبور فما أشد تفاوتهم فيها .
أخي الحبيب : من هو السعيد الذي إذا دنت الشمس من رؤوس الخلائق واشتد لهيبها وذل كل عزيز وأخرس كل ناطق أظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
أخي الحبيب : أوصيك ونفسي بكثرة الاستغفار عما مضى من الذنوب والإكثار من التسبيح والتهليل والتكبير فإن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين.
قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا وتهيئوا للعرض الأكبر على الله).
فأوصيكم بكثرة الأعمال الصالحة ومن ذلك صلة الأرحام والصدقات والنوافل والحج والعمرة ولزوم جماعة المسلمين والحرص على الحضور للصلاة مبكراً لنيل الأجور العظيمة من الله تبارك وتعالى فوالذي لا إله إلا هو أننا سنقف في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حفاة عراة والشمس تدنو من رؤوس الخلائق ليس بينها وبينهم إلا ميل واحد ، ولكنها على المؤمن الصادق ما بين العصر والمغرب كما قال ذلك بعض العلماء.
قال ابن الجوزي – رحمه الله تعالى - متى رأيت في نفسك عجزاً فسل المنعم، أو كسلاً فالجأ إلى الموفق فلن تنال خيراً إلا بطاعته ولا يفوتك خير إلا بمعصيته). اهـ
فاستعدوا رحمني الله وإياكم ليوم التناد يوم هم بارزون لا تخفى منهم خافية، وخلصوا أنفسكم من عذاب الله واعلموا أن لن تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به.
واسمع يا من يخرج من المنزل ولا يأمر أولاده بالصلاة إلى قول الله تبارك وتعالى:"يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون". وقوله صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) الحديث.
واعلموا أن أمامنا سفراً طويلاً ولا بد له من زاد كثير فتزودوا لهذا السفر فإن خير الزاد التقوى وتحللوا من المظالم فوالذي لا إله إلا هو لن ينظر في عمل العبد ما لم يحلله من ظلمه ، فلنحاسب أنفسنا محاسبةً شديدةً قبل أن نقف أمام من بيده ملكوت السماوات والأرض وقبل أن نحاسب ممن لا يظلم الناس شيئاً ، ولنعرف لله قدره
ولنخشاه حق خشيته فهو الذي قال عن نفسه:"وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون".
فلنستعد ليوم حره شديد وكربه أليم ويومه طويل وفيه من الحسرات والويلات والندمات ما الله به عليم.
أخيراً : أخي الحبيب : اعلم أنك مخلوق لعبادة الله عزوجل قال تعالى:"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون". وقال تعالى:"أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون". وقوله تبارك وتعالى:"واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" أي الموت.
وقال عز من قائل سبحانه:"أيحسب الإنسان أن يترك سدى".
وقال تعالى:"وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى".
وقال عليه الصلاة والسلام : "من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات ، ومن أشفق من النار لهى عن الشهوات ، ومن راقب الموت ترك اللذات ، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب".
فلا تشغلك الدنيا بزينتها ومفاتنها عن طاعة الرب تبارك وتعالى وتذكر قوله سبحانه:"وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك".
أخي الحبيب : إياك والحسد فإن الحسد يبعد صاحبه عن التقوى ويركبه الأهواء فيضل ويغوى ، يضيق صدر الحسود ويتألم ويتفطر إذا رأى نعمة أنعمها الله على أخيه المسلم ، فيعاني من شدة البؤس والغيظ ، فلا يشكو ما أصابه من حزن وقلق إلا إلى الشيطان أو إلى نفسه الأمارة بالسوء أو إلى من هو مثله في الحسد ، فالحسود لا يفعل الخير ولا يحبه لإخوانه المسلمين ، وغاية ما يتمناه هو زوال نعمة الله على عباده ، إنه بهذا العمل قد سلك طريق الشيطان عليه لعنة الله ، فما منع الشيطان من السجود لأبينا آدم إلا الكبر والحسد ـ نعوذ بالله من ذلك ـ وما حمل قابيل على قتل هابيل إلا الحسد ، والحسد من الأمور المحرمة والمنهي عنها في هذا الدين العظيم ، إلا ما كان من قول النبي : [ لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ( أي أنفقه في القربات والطاعات ) ورجل أتاه الله حكمه فهو يقضي بها ويعلمها ] ( متفق عليه ) ، والحسد هنا بمعنى الغبطة أي أنه لا يغبط أحد إلا على إحدى هاتين الخصلتين .
والحسد هو تمني زوال النعمة عن صاحبها سواءً كانت نعمة دين أو دنيا ، والحسد من صفات أهل الشر والزيغ والفساد والإلحاد ، والحسد بضاعة من بضائع الشيطان ، وبئست البضاعة بضاعة الشيطان ، ويا حسرة المشترين ويا ندامتهم ، قال تعالى : { ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله } ، وقال تعالى : { أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله }، وقال تعالى : { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق }
فعلى كل مسلم أن يتقي ربه سبحانه وتعالى ويغسل قلبه من أدران الحقد والحسد ليسلم في تصوره ويستقيم في سلوكه ، ويحسن التعامل مع الآخرين ، وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول : { المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً }
( البخاري ومسلم ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} ، فعلى صاحب كل شر من حاقد وحاسد وغيرهما أن يعلموا بأن هذه أمراض فتاكة وخطير على الفرد والمجتمع.
فالحاسد لا يضر إلا نفسه بحزنه وقلقه عندما يرى نعم الله على عباده . فعلى المسلم تجنب الحسد لأنه من خلق الأدنياء وصفة الجهلاء ، فإذا رأى المسلم نعمة أنعم الله بها على عباده فعليه أن يسعى لأن يحصل على مثلها ولا يتمنى زوالها عنهم ، فينبغي للمسلم أن يطهر قلبه من هذا الداء العضال ، ويصلح سريرته ، ويحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه ، ويفرح لفرحه ، ويحزن لحزنه . قال تعالى : [ أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سُخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون ]
أخي الحبيب : تذكر وقوفك حافي القدمين عاري الجسم منتكس الرأس تنتظر النداء باسمك لحسابك في يوم اجتمعت فيه الأمة بأكملها مقداره خمسين ألف سنة إنه لموقف رهيب حره شديد ويومه طويل وفيه من الكربات والحسرات ماالله به عليم ، فاستعدوا رحمني الله وإياكم لهذا اليوم الذي تشيب فيه الرؤوس ، وليحاسب كل منا نفسه فيما يقول ويفعل ، فقد قال عزوجل : "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً" .
فاحفظ لسانك واحفظ بصرك واحفظ جوارحك عن كل ما يغضب الله تعالى ولا تجعلها تشهد عليك بسوء فإن الله سوف ينطقها لتشهد عليك بما فعلت والله أعلم بما يفعلون ، واعمل لآخرتك يا ابن آدم :
قال الله تعالى : {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير} .
" وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله" جاء في الحديث (أن العبد إذا مات قال الناس ما خلف وقالت الملائكة ما قدم). وخرج البخاري والنسائي عن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله). قالوا: يا رسول الله، ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منكم من أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله. مالك ما قدمت ومال وارثك ما أخرت)، لفظ النسائي. ولفظ البخاري: قال عبدالله قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله) قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: (فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر). وجاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه مر ببقيع الغرقد فقال: السلام عليكم أهل القبور، أخبار ما عندنا أن نساءكم قد تزوجن، ودوركم قد سكنت، وأموالكم قد قسمت. فأجابه هاتف: يا ابن الخطاب أخبار ما عندنا أن ما قدمناه وجدناه، وما أنفقناه فقد ربحناه، وما خلفناه فقد خسرناه. ولقد أحسن القائل:
قدم لنفسك قبل موتك صالحا واعمل فليس إلى الخلود سبيل
قيل لإبراهيم بن الأدهم : كيف زهدت في الدنيا؟
قال : تذكرت وحشة القبر وليس لي به أنيس ، وتذكرت أن أمامي يوماً طويلاً وليس معي زاد ، وعرفت أني سأقف أمام الجبار للقضاء وليس معي حجة ، فزهدت في الدنيا.
وهذه أمثلة لبعض ما قاله بعض الصالحين وغيرهم عند الموت
1 – ما قاله معاوية رضي الله عنه :
قال معاوية عند ما حضرته الوفاة أقعدوني: فأُقعد، فجعل يُسبح الله تعالى ويذكره، ثم بكى وقال: تذكر ربك يا معاوية بعد الهرم والانحطاط، ألا كان هذا وغصن الشباب نَضِـرٌ رَياَّنِ ! وبكى حتى علا بكاؤه، وقال: يارب ارحم الشيخ العاصي ، ذا القلب القاسي 0 اللهم أقل العثرة واغفر الزلة ، وعد بحلمك على من لم يرج غيرك ، ولم يثق بأحد سواك 0
وفرش المأمون رمادا واضطجع عليه وكان يقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه.
وقال إبراهيم النخعي لما حضرته الوفاة ، وقد بكى فقيل له لم تبكي : قال : انتظر من الله رسولا يبشرني بالجنة أو النار .
2 - ولما جاءت عامر بن عبد القيس الوفاة بكى، فقيل له ما يبكيك؟ قال ما أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا ، لكن أبكي على ما يفوتني من ظمأ الهواجر، وعلى قيام الليل في الشتاء.
3 – وقال أبو عمرو بن العلاء جلست إلى جرير وهو يملي على كاتبه شعراً ، فاطلعت جنازة فأمسك وقال شيبتني والله هذه الجنائز ، وأنشأ يقول :
تروعنا الجنائز مقبلات ونلهو حين تذهب مدبرات
كروعة ثلة لمغار ذئب فلما غاب عادت راتعات
4 - قال عمر بن عبدالعزيز وقد زار القبور : يا ميمون هذه قبور آبائي بني أمية، كأنهم لم يشاركوا أهل الأرض في لذاتهم وعيشهم، أما تراهم صرعى قد حلت بهم المثلات واستحكم فيهم البلى، وأصابت الهوام مقيلا في أبدانهم ثم بكى وقال: والله ما أعلم أحد أنعم ممن صار إلى القبور وقد أمن من عذاب الله ..
وفي الختام: أبشركم ببشارة عظيمة من الحبيب المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى حيث يقول ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده). وقوله صلوات الله وسلامه عليه ما جلس قوم يذكرون الله عزوجل إلا ناداهم منادٍ من السماء
قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات).
فأهل العقول الراجحة والقلوب الزاكية يحسنون الاستماع لما ينفعهم ويميزون بين الحسن والأحسن، ويتبعون الأحسن، وهؤلاء هم الذين استحقوا البشرى من ربهم بقوله:"لهم البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب". فما أعظمه من ثناء، وما أشد غفلة الكثير عن تدبر مثل هذه الآيات.
المفضلات