لفترة قصيرة في أوائل عام 1412هـ تولى جمال خاشقجي جريدة المدينة المنورة مؤقتاً أي بالإنابة، وكنت حينها أكتب في ملحق ألوان من التراث الذي أنشأه وكان يشرف عليه الأستاذ الدكتور محمد يعقوب تركستاني حفظه الله. وفيما أتذكر من تلك الفترة أن جمال خاشقجي جاء ليقود الصحيفة إلى الأسلمة كما كنّا نظن ويبعد عنها أي تأثير تغريبي وفكر منحرف بعيد عن منهج الإسلام حتى في ما كان يطلق على الحركات الإسلامية من نعوت وصفها الدكتور سعيد سليمان (من عجمان) أنها حرب النعوت والألقاب. وسارت الجريدة سيراً حسناً.
وفي لقاء مع الأستاذ جمال قال لي أنت تكتب في صفحة التراث فلماذا لا تكتب في صفحة الرأي؟ قلت له لم يوجه أحد إليّ دعوة بذلك فقال يأتيك خطاب مني بهذا الخصوص ولكن انتبه صفحة الرأي تختلف عن ملحق التراث، فعليك أن تبتعد عن الأسلوب الأكاديمي العلمي وتخاطب عامة القراء وتختار موضوعاتك مما يهم الجمهور. فقلت له لا عليك، وبالفعل لم تمض أيام وصلني خطاب الأستاذ جمال يطلب مني كتابة مقالة أسبوعية. وبدأت بأول مقالة بعنوان :" سكة حديد الحجاز هل تعود؟" وكتبت مقالة ثانية بعنوان "فقه الاعتزاز بالإسلام" وتوالت مقالاتي ألتزم بإيصالها بالفاكس إلى مقر الجريدة بجدة حتى بعد أن مضت ثماني سنوات أحالتني الجامعة لأسباب لا أزال لا أعرفها إلى العمل الإداري فكانت فرصة عظيمة للكتابة اليومية وتم الاتفاق مع الصحيفة على ذلك واستمرت مقالتي اليومية تسعة أشهر كاملة لولا من دخل إلى الجريدة وتحكم بها وسيطر على رئيس التحرير.
أما الأستاذ جمال خاشقجي فخرج من صحيفة المدينة المنورة سريعاً، ولكن صلتي استمرت به حتى إنه رشحني لمنتج برامج لقناة راديو وتلفزيون العرب (إي آر تي) ( يا لغرامنا بالأحرف اللاتينية) أن أشارك معهم في بعض الحلقات وكان ذلك البرنامج هو (المنبر الحر: الشباب والحب، والشباب والزواج ، والشباب والتطرف وغيرها) وبالفعل سافرت إلى عمّان وشاركت في البرنامج وهناك التقيت بشخصيات رائعة من أبرزهم الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله، والدكتور محمد عمارة ، والدكتور خالص جلبي وكانت لنا لقاءات في عمّان رتبها جمال خاشقجي ما كنت أتوقع أن أقوم بها.
كان جمال في تلك الأيام محسوباً في التيار الإسلامي أو التيار المتدين الصالح أو التيار المعتز بدينه وقيمه وأمته.
فهل كان جمال خاشقجي يومها أو في تلك الأيام متدين حقاً وملتزم بالإسلام منهجاً وطريقة وفكراً؟ أو هل كان مندساً بين الصفوف يتظاهر أنه من المتدينين أو من الاتجاه الإسلامي وقلبه وهواه في مكان آخر؟
ولقيت جمال بعدها مرات ومرات ومنها لقاءات في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ودارت بيننا أحاديث وأحاديث فكنت أتعجب من التغير الذي طرأ على جمال خاشقجي، ما الذي دهاه وما ذا اعتراه؟ أصبح يقول: أنتم الإسلاميون أنتم المتدينون وربما قال أنتم المتحجرون الجامدون الذين ينقصكم الفهم والإدراك، يجب عليكم أن تؤمنوا بأمريكا وعظمة أمريكا وان أمريكا القوة العظمى التي لا تهزم. وكان الحديث عن سقوط أمريكا فزعم أن الجهلاء هم من يظن أن أمريكا تسقط. فقلت له عجب أمرك يا جمال كأنك لم تقرأ القرآن ولم تقرأ التاريخ ولم تعرف أن لله عز وجل سنناً لا تتغير ولا تتبدل (ولن تجد لسنّة الله تبديلاً) (ولن تجد لسنة الله تحويلا) إن سقوط أمريكا ليس مما يقول به مازن مطبقاني أو أي شخص ينتمي إلى هذه الأمة ويعتز بقيمها وتاريخها وتراثها ولكن ألم تقرأ ما يكتبه الغربيون عن أمريكا وبوادر السقوط؟
لماذا تغير جمال خاشقجي؟ هل أغراه منصب رئيس تحرير صحيفة من الصحف يكفيه أن يرتكب خطأ واحداً ليعود إلى بيته فلا يرجع إليها أبداً؟ هل أغراه المال والمنصب والجاه؟ هل أغراه تهافت القنوات الفضائية على استضافته بصفته خبيراً ومتحدثاً؟ هل أغرته الأموال؟ هل تغير جمال من الداخل أو كان يتظاهر في يوم من الأيام أنه مع الإسلاميين وأنه منهم قلباً وقالباً. إنني أذكر حينما استكتبني في عام 1412هـ وعندما شاركت معه في عام 1420هـ وكان صديقاً محباً لعبد الوهاب المسيري ومحمد عمارة وغيرهم لم أشك لحظة أنه من أصحاب التوجه الإسلامي وانه كان صادقاً.
ولكن نكوص جمال منذ اتخذ عداوة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قضية شخصية يبذل لها كل جهده، فكأنه وكيل عن المنكر وضد المعروف. يبحث عن بعض السلبيات في عمل الهيئة ويضخمها ويجعل منها قضايا تفوق في خطورتها قضية اغتصاب اليهود للأقصى ولا يرى أي حسنة لهم. وكأن مصدر رزقه وحياته أن يعادي الهيئة ويعادي الدين والمتدينين. وهكذا جاءت معركته ومن معه في الصحف المحلية الأخرى ضد الشيخ الشثري استعداءً للملك وللدولة ضد رجل ناصح أمين (نحسبه كذلك والله حسيبنا وحسيبه) غار على أمته فقال كلمات في مقطع شاهدته في قناة المجد ينصح ولي الأمر بأسلوب مهذب وراق كما ينبغي أن يكون العلماء، فجعلها جمال ومن معه قضية يخوفون الشيخ من أنه يطعن في إنجازات الملك والدولة.
إن هذا النكوص أمر خطير وظاهرة ليست جديدة في عالم الفكر والحياة عموماً فهل يتذكر جمال تاريخه ويعود إلى رشده ويثوب إلى عقله وليعلم أن الدنيا فانية وأنه غداً سيقابل مولاه فما ذا أعد لتلك المواجهة؟
مقال الدكتور مازن مطبقاني
**** يمنع المنقول في العامه ****
المفضلات