|
وسابدا بذو القرنين ومن عنده معلومات اكثر فليفدنا:
ذو القرنين
هو علم قرآني بارز ... خلد الله ذكره في كتابه الخالد ، فاستحق أن ينال لقب القرآني وكفى .
إنه الرجل الطواف في الأرض ، الصالح العادل الخاشع لربه ، والمنفذ لأمره ، والقائم بين الناس بالإصلاح ، والذي ملك أقاصي الدنيا وأطرافها ، فلم يغره مال ولا منصب ، ولا جاه ولا قوة ولا سلطان ، بل إنه بقي ذاكراً لفضل ربه ورحمته ، متأهباً لليوم الآخر ، ليلقى جزاءه العادل عند ربه .
اهتم القرآن بإخراج القيم الصحيحة في سيرة ذي القرنين وأعماله وأقواله مثل :
1- الحكم والسلطان والتمكين في الأرض ينبغي أن يسخر لتنفيذ شرع الله في الأرض وإقامة العدل بين العباد ، وتيسير الأمر على المحسنين المؤمنين ، وتضييق الخناق على الظالمين المعتدين ومنع الفساد والظلم وحماية الضعفاء من بطش المفسدين .
2- الرجال الأشداء ذوو الخبرات الفنية العالية في النواحي العسكرية والعمرانية والاقتصادية الذين كانوا طوع بنان ذي القرنين ، وكذلك خضوع الأقاليم له وفتح الخزائن أمامه ، وتقديم خراج الشعوب له طواعية ، كل ذلك لم يدخل في نفسه الغرور والبطش والغواية ، بل بقي مثال الرجل المؤمن العفيف المترفع عن زينة الحياة الدنيا .
3- الاهتمام باتخاذ الأسباب لبلوغ الأهداف والغايات التي سعى إليها حيث آتاه الله من كل شيء سبباً فأتبع سبباً .
إن القرآن الكريم في قصة ذي القرنين وفي كل قصصه ركز على الدروس والعبر والحكم والسنن ولم يهتم بكثير من القضايا التي لا تنفع الإنسان ؛ لذلك تجد في قصة ذي القرنين كثيراً من المبهمات التي لا تفيد القارئ مثل : من هو ذو القرنين ؟ وما هي شخصيته ؟ وما هي حياته ؟ وما هو الزمن الذي عاش فيه ؟ ...
معالم التمكين عند ذي القرآن :
1- دستوره العادل : " قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً " [ الكهف – 87/88 ] .
وهذا المنهج الرباني الذي سار عليه يدل على إيمانه وتقواه ، وعلى فطنته وذكائه ، وعلى عدله ورحمته .
2- منهجه التربوي في الشعوب :
إن التربية العملية للقيادة الراشدة هي التي تجعل الحوافز المشجعات هدية للمحسن ليزداد في إحسانه وتفجر طاقة الخير العاملة على زيادة الإحسان وتشعره بالاحترام والتقدير وتأخذ على يد المسيء لتضرب على يده ، حتى يترك الإساءة وتعمل على توسيع دوائر الخير والإحسان في أوساط المجتمع وتضييق حلقات الشر إلى أبعد حد وفق قانون الثواب والعقاب المستمد من الواحد الديان .
3- اهتمامه بالعلوم المادية وتوظيفها للخير :
نلاحظ من الآيات القرآنية أن ذا القرنين وظف علوماً عدة في دولته القوية ،
ومن أهم هذه العلوم :
- علم الجغرافيا حيث نجد أن ذا القرنين كان على علم بتقسيمات الأرض ، وفجاجها وسبلها ، ووديانها وجبالها وسهولها ؛ لذلك استطاع أن يوظف هذا العلم في حركته مع جيوشه شرقاً وغرباً ، وشمالاً وجنوباً ، ولا يخلو الأمر أن يكون في جيشه متخصص في هذا المجال .
- كان صاحب خبرة ودراية بمختلف العلوم المتاحة في عصره ، يدل على ذلك حسن اختياره للخامات ، ومعرفته بخواصها ، وإجادته لاستعمالها والاستفادة منها ، فقد استعمل المعادن على أحسن ما خلقت له ، ووظف الإمكانات على خير ما أُتيح له : " آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال آتوني أفرغ عليه قطراً " [ الكهف – 96 ] . أمرهم أن يأتوه بقطع الحديد الضخمة ، فآتوه إياها ، فأخذ يبني شيئاً فشيئاً حتى جعل ما بين جانبي الجبلين من البنيان مساوياً لهما في العلو ثم قال للعمال : " انفخوا بالكير في القطع الحديدة الموضوعة بين الصدفين " . فلما تم ذلك وصارت النار عظيمة ، قال للذين يتولون أمر النحاس من الإذابة وغيرها : آتوني نحاساً مذاباً أفرغ عليه فيصير مضاعف القوة والصلابة ، وهي طريقة استخدمت حديثاً في تقوية الحديد ، فوجد أن إضافة نسبة من النحاس إليه تضاعف مقاومته وصلابته .
- كان واقعياً في قياسه للأمور وتدبيره لها ، فقد قدّر حجم الخطر ، وقدّر ما يحتاج إليه من علاج ، فلم يجعل السور من الحجارة ، فضلاً عن الطين واللبن ، حتى لا يعود منهاراً لأدنى عارض ، أو في أول هجوم ، ولهذا باءت محاولات القوم المفسدين بالفشل عندما حاولوا التغلب على ما قهرهم به ذو القرنين : " فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً " [ الكهف – 97 ] . أي لم يتمكنوا من اعتلائه لارتفاعه وملاسته ، وما استطاعوا أن يثقبوه لصلابته وثخانته .
لقد كان ذو القرنين على علم بأخبار الغيب التي جاءت بها الشرائع ؛ ومع ذلك لم يتخذ من الأقدار تكئة لتبرير القعود والهوان ، فقد بنى السد وبذل فيه الجهد ، مع علمه بأن له أجلاً سوف ينهدم فيه لا يعلمه إلا الله .
- أخلاق ذي القرنين القيادية وفقهه في إحياء الشعوب :
* أخلاقه القيادية :
إن شخصية ذي القرنين تميزت بأخلاق رفيعة ساعدته على تحقيق رسالته الدعوية ، والجهادية في الحياة ومن أهم هذه الأخلاق :
أ- الصبر
ب- كانت له مهابة ونجابة يستشعرها من يراه لأول مرة .
ت- الشجاعة .
ث- التوازن في شخصيته : فلم تعكر شجاعته على حكمته ، ولم ينقص حزمه من رحمته ، ولا حسمه من رفقه وعدالته ، ولم تكن الدنيا كلها – وقد سخرت له – كافية لإثنائه عن تواضعه وطهارته وعفته .
ج- كثير الشكر : لأنه صاحب قلبي حي موصول بالله ، فلم تسكره نشوة النصر وحلاوة الغلبة بعدما أذل كبرياء المفسدين ، بل نسب الفضل إلى به سبحانه وتعالى : " قال هذا رحمة من ربي " .
ح- كان عفيفاً مترفعاً عن مال لا يحتاجه .
قصته من القران
لا نعلم قطعا من هو ذو القرنين. كل ما يخبرنا القرآن عنه أنه ملك صالح، آمن بالله وبالبعث وبالحساب، فمكّن الله له في الأرض، وقوّى ملكه، ويسر له فتوحاته.
بدأ ذو القرنين التجوال بجيشه في الأرض، داعيا إلى الله. فاتجه غربا، حتى وصل للمكان الذي تبدو فيه الشمس كأنها تغيب من وراءه. وربما يكون هذا المكان هو شاطئ المحيط الأطلسي، حيث كان يظن الناس ألا يابسة وراءه. فألهمه الله – أو أوحى إليه- أنه مالك أمر القوم الذين يسكنون هذه الديار، فإما أن يعذهم أو أن يحسن إليهم.
فما كان من الملك الصالح، إلا أن وضّح منهجه في الحكم. فأعلن أنه سيعاقب المعتدين الظالمين في الدنيا، ثم حسابهم على الله يوم القيامة. أما من آمن، فسيكرمه ويحسن إليه.
بعد أن انتهى ذو القرنين من أمر الغرب، توجه للشرق. فوصل لأول منطقة تطلع عليها الشمس. وكانت أرضا مكشوفة لا أشجار فيها ولا مرتفات تحجب الشمس عن أهلها. فحكم ذو القرنين في المشرق بنفس حكمه في المغرب، ثم انطلق.
وصل ذو القرنين في رحلته، لقوم يعيشون بين جبلين أو سدّين بينهما فجوة. وكانوا يتحدثون بلغتهم التي يصعب فهمها. وعندما وجدوه ملكا قويا طلبوا منه أن يساعدهم في صد يأجوج ومأجوج بأن يبني لهم سدا لهذه الفجوة، مقابل خراج من المال يدفعونه له.
فوافق الملك الصالح على بناء السد، لكنه زهد في مالهم، واكتفى بطلب مساعدتهم في العمل على بناء السد وردم الفجوة بين الجبلين.
استخدم ذو القرنين وسيلة هندسية مميزة لبناء السّد. فقام أولا بجمع قطع الحديد ووضعها في الفتحة حتى تساوى الركام مع قمتي الجبلين. ثم أوقد النار على الحديد، وسكب عليه نحاسا مذابا ليلتحم وتشتد صلابته. فسدّت الفجوة، وانقطع الطريق على يأجوج ومأجوج، فلم يتمكنوا من هدم السّد ولا تسوّره. وأمن القوم الضعفاء من شرّهم.
بعد أن انتهى ذو القرنين من هذا العمل الجبار، نظر للسّد، وحمد الله على نعمته، وردّ الفضل والتوفيق في هذا العمل لله سبحانه وتعالى، فلم تأخذه العزة، ولم يسكن الغرور قلبه.
يقول سيّد قطب رحمه الله: "وبذلك تنتهي هذه الحلقة من سيرة ذي القرنين. النموذج الطيب للحاكم الصالح. يمكنه الله في الأرض, وييسر له الأسباب; فيجتاح الأرض شرقا وغربا; ولكنه لا يتجبر ولا يتكبر, ولا يطغى ولا يتبطر, ولا يتخذ من الفتوح وسيلة للغنم المادي، واستغلال الأفراد والجماعات والأوطان, ولا يعامل البلاد المفتوحة معاملة الرقيق; ولا يسخر أهلها في أغراضه وأطماعه.. إنما ينشر العدل في كل مكان يحل به, ويساعد المتخلفين, ويدرأ عنهم العدوان دون مقابل; ويستخدم القوة التي يسرها الله له في التعمير والإصلاح, ودفع العدوان وإحقاق الحق. ثم يرجع كل خير يحققه الله على يديه إلى رحمة الله وفضل الله, ولا ينسى وهو في إبان سطوته قدرة الله وجبروته, وأنه راجع إلى الله." (في ظلال القرآن).
... يتبع ...
|
|
المفضلات