من بين إصدارات وزارة السياحة اللبنانية طالعت خريطة تفصيلية للبلد وهو بالمناسبة بلد صغير بالكاد ينتشر على ورقة كبيرة، لكنه والحق غني بجماله ورجاله. تقرأ هذه الخريطة على وجهيها باللغتين العربية في جانب والإنجليزية في الوجه الآخر. تطالع النص "الإنجليزي" لتقرأ فيه أماكن الآثار والمعالم والمساجد والمعابد القديمة، يأخذك إلى تفاصيل الطبيعة الجغرافية وكأنه يحلق بك إلى آفاق من التاريخ الطويل لهذا البلد. تستهدف هذه الخريطة الإنجليزية بالتأكيد السياح القادمين من الجغرافيات البعيدة الذين يستيقظون مبكرا في تباشير الصباح لالتهام هذه الخريطة على الوجه الآخر، تنقلك الخريطة العربية إلى أماكن المقاهي والكازينوهات والملاهي الليلية. تعطيك بالتفاصيل متنزهات الروشة والحمراء والسوليدير وهي كلها تسبح في كيلو متر مربع هو أقصى حدود الخريطة للسائح العربي وهو بالتأكيد، السائح الخليجي، وهو بالمؤكد أيضا لا يقرأ حتى الخريطة حين يظل رهنا لمراهنات سائقي الأجرة الذين ينقلونه إلى الأماكن التي يقرؤونها في عينيه عندما يستيقظ مع تباشير المساء.
بعض الخليجيين والسعوديين تحديدا وبلا مواربة يمارسون في الخارج سياحة هي أشبه بعرض للأجساد والأزياء في الشوارع الليلية الملتهبة. شعب قليل السكان بالمقارنة مع الغير لكنه واسع البركة. في السوليدير تقابل أرتال الشباب يتسكعون على رصيف وأفواج الشابات على الرصيف الآخر. هنا لا اختلاط حتى تحمى "السمرة". تبدأ الأرصفة تتقابل في آخر المساء تتشابك على طريقة الدبكة اللبنانية وهي نصيبهم الذي خرجوا به من ثقافة البلد المضيف. تتمايل الأجساد وتشتغل أجهزة الهاتف الجوال. بعضهم وبعضهن يحملون أكثر من هاتف واحد. يتزاحمون على الكراسي المزدحمة في المقاهي الواسعة. يطلبون ما لا يأكلون ويشربون بانتظار الفواتير التي يدفعونها حتى دون أن يقرؤوها أيضا. هؤلاء السياح لا يقرؤون كما يقول لي اللبناني صاحب المقهى الذي يضيف: شعب كله بركة، الله يكثر منكن. هنا كما في الحمراء والروشة لا وجود للعباءة. مسكينة هذه الرمز الطاهر الجميل حين تظل حبيسة الفنادق والغرف والأدراج المقفلة. تأتي إلى بيروت فلا تراها، تشم الهواء للمرة الأخيرة على مدرج مطار بيروت، ثم تعاود "التنفس" بصورة طبيعية على مدارج المطار السعودي في رحلة العودة. تدخل صالة مطارنا الجميل وقد انتهت رحلة الأرصفة. يعود الناس إلى الوضع الطبيعي وتبدأ رحلة الطهر والعفاف والعباءة السوداء من جديد وكأن الجميع للأسف الشديد كانوا في رحلة من "التدين". تتحول الصالة إلى منبر. كل يتحدث هنا عن الدين، بل عن النفاق الاجتماعي وعن وجوهنا المتعددة التي نلبس منها ما شئنا بحسب جنسية المطار الذي ننزل فيه. كنت جارحا لكنها الحقيقة


*منقول*