العثور على بقايا جالية معينية (نسبة إلى معين من الجنوب مقيمة في منطقة "العلا"
مايزال موضوع تاريخ ظهور الكتابات العربية مدار بحث ودراسة لدى علماء اللغة والمستشرقين على السواء· كان الاعتقاد السائد في بداية القرن الماضي هو أن كتابات جنوب الجزيرة العربية انتقلت شمالاً مع التجار خاصة بعد العثور على بقايا جالية معينية (نسبة إلى معين من الجنوب مقيمة في منطقة "العلا" في الشمال)، إلا أن الباحث اللغوي الألماني (جريم) رفض هذا التفسير وقال: إن ظهور الكتابات في شمال نجد والحجاز لم يأت عن طريق ممالك اليمن، إذ أكد أن كتابات الثموديين لها جذور تمتد مئات السنين، وقد تطورت عن كتابات الفينيقيين وعرب شبه جزيرة سيناء، وقسم (جريم) الكتابات الثمودية إلى مرحلتين مختلفتين، وبيّن أن المرحلة الأولى بدأت مع بداية الألف الأولى قبل الميلاد·
ثم تمكن الباحث البريطاني "وينيت" من تقسيم تطور الثمودية إلى أشكال مختلفة تمثل مراحل عدّة، كما بيّن أن أولى مراحل الكتابة الثمودية تشبه إلى حد كبير الكتابة الدادائية أو الديدانية نسبة لديدان أو دادان، مما جعل الدادانية أسبق منها في الظهور·
وفي (العلا) أيضاً تم العثور على النصوص الدادانية التي تبين أنها أقدم كتابات شبه الجزيرة التي أرجعها الأثري الأمريكي (أولبرايت) إلى الفترة نفسها التي ظهرت فيها السبئية في جنوب الجزيرة· أما اللحيانيون الذين يعتقد أنهم كانوا من بقايا ثمود البائدة الذين حلوا مكان دادان في (العلا)· وكونوا مملكتهم التي استمرت قرون عدة·
وتحتوي الكتابات اللحيانية التي عثر على غالبيتها في منطقة وادي العلا ـ جنوب الحجر (مدائن صالح) على أسماء بعض ملوكهم· ويلاحظ أن الكتابات اللحيانية تبدو مختلفة في مراحلها الأخيرة في القرن الميلادي الرابع عنها في مراحلها الأولى قبل ذلك بنحو تسعة قرون· وتعد النصوص اللحيانية كتابات عربية· وإن كان هناك بعض الخلافات بينها وبين اللغة الفصحى، فعلى سبيل المثال كانت أداة التعريف هي (ها) أو (هن)· ولم تكن الواو والياء تستخدم كثيراً في هذه الكتابات للدلالة على الحركة الممدودة، وإن كانت الألف استخدمت أحياناً لهذا الغرض·
وهكذا فإن كتابات الشمال هي: الدادانية والثمودية واللحيانية· وكذلك الصفائية التي تأتي غالبيتها من منطقة الصفا (جنوب شرق دمشق) وترجع إلى القرنين الأول والثاني بعد الميلاد· وقد تمثلت كتابات الجنوب في: المعينية والسبئية والخضرمية والحميرية· التي تفرعت عنها اللغات الحبشية· وبقي الخلاف بين اللغويين في تحديد أصل اللغات العربية الجنوبية، فبينما تتفق الأغلبية على أن الأبجدية السبئية هي أم اللغات الجنوبية كلها، وساد الاعتقاد أنها تفرعت عن أبجدية الشمال·
الكتابة في بلاد الشام
عندما أسس الفرس إمبراطوريتهم التي امتدت من الهند في الشرق إلى وادي النيل في الغرب·
أصبحت اللغة الآرامية السورية ـ التي حلّت محل الآكادية ـ هي اللغة الرسمية للإمبراطورية الفارسية بأكملها· وبدأت الكتابات الآرامية تتخذ أشكالاً مختلفة في البلدان التي استعملتها· من بداية القرن الأول السابق على المسيحية مثل الكتابات النبطية والتدمرية والسريانية·
أما الكتابة النبطية فقد استمرت 051 سنة خاصة في شبه جزيرة سيناء، على الرغم من سقوط دولة الأنباط على يد الرومان في بداية القرن الميلادي الثاني· وكان الأنباط يتحدثون اللغة العربية، وقد استخدموا الأبجدية الآرامية في كتابة لغتهم من القرن الثالث قبل الميلاد ·
واكتشفت نصوص نبطية عدة في شمال الجزيرة وفي فلسطين وسيناء· إلا أن الكتابة النبطية في سيناء سرعان مابدأت تختفي تدريجياً وحل محلها نوع آخر من الكتابة الرقعية أطلق عليها اسم (نيوسينياتيك) من النصف الثاني من القرن الثالث، وعثر على نماذج عدة من هذه الكتابة خاصة في وادي منطقة (المكتب)، وتعد كتابة سيناء الجديدة هذه بمنزلة حلقة الاتصال بين الكتابة النبطية والكتابة العربية· إذ بدأت الأبجدية العربية تأخذ شكلها النهائي بعد ذلك بفترة وجيزة·
وظهرت الكتابة العربية بشكلها الجديد من نهاية القرن الثالث للميلاد· وأقدم ماعثر عليه من كتابات عربية في شمال الجزيرة ثلاثة نصوص وجدت منقوشة على جدار معبد (إرم) عند العقبة، وكتابات أخرى في (أم الجمال) شمال الأردن، كما وجدت كتابات عربية كذلك فوق قبر امرئ القيس الذي مات عام 823م· وغالبية النصوص العربية القديمة عبارة عن بضع كلمات أو جمل قصيرة· إلا أن الأبجدية الجديدة بدأت تستخدم بعد ذلك في كتابة النصوص الأدبية الطويلة·
ومن أقدم هذه الكتابات نص وجد في جنوب شرق مدينة حلب مكتوب بثلاث لغات سريانية ويونانية وعربية، ويرجع إلى عام 315 ميلادية، وكتابات كنسية في الحيرة ترجع إلى عام 065 م · وأخرى يونانية وعربية في حران (جنوب دمشق) ترجع إلى 865م·
لقد كانت اللغات التي تفرعت عن الآرامية بعد سقوط دولة الفرس مثل السريانية التي استخدمها المسيحيون في سورية وبلاد الرافدين، والنبطية التي استخدمتها الأقوام العربية في البتراء منتشرة في الشمال عند بداية التاريخ الميلادي، كما سادت اللغة السبئية في جنوب الجزيرة العربية والكتابة الثمودية في شمالها، واكتشفت في بداية القرن العشرين مجموعة من النصوص المكتوبة في وقت كانت الأبجدية السبئية هي السائدة في أنحاء الجزيرة العربية كلها، وتبين بعد ذلك وجود أعداد كبيرة من هذه الكتابات موزعة في أنحاء الجزيرة، مما يدل على وجود خليط من اللهجات العربية المتقاربة، وإنه كان لشعراء الجاهلية باع طويل في ظهور العربية الفصحى في هذه المنطقة·
المفضلات