وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله في كتابه جواباً لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا .
فنقول : جواب أهل الباطل من طريقين ، مجمل و ومفصل .
أما المجمل :
فهو الأمر العظيم والفائدة الكبيرة لمن عقلها ، وذلك قوله تعالى : (( وهو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب ، وأخر متشابهات ، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتعاء تأويله )) سورة آل عمران آية : 7 .
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأؤلئك الذين سمى الله فاحذروهم )) .
مثال ذلك إذا قال بعض المشركين :
(( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) سورة يونس آية : 62 وأن الشفاعة حق .
وأن الأنبياء لهم جاه عند الله .
أو ذكر كلاماً للنبي صلى الله عليه وسلم يستدل به على شيء من باطله وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره فجاوبه بقولك : إن الله ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه . وما ذكرته لك من أن الله ذكر أن المشركين يقرون بالربوبية وأن كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء مع قولهم : (( هؤلاء شفعاؤنا عند الله )) سورة يونس آية : 18 .
هذا أمر محكم بيّن لا يقدر أحد أن يغيّر معناه .
وما ذكرت لي أيها المشرك من القرآن أو كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا أعرف معناه ، ولكن اقطع أن كلام الله لا يتناقض ، وأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله )) .
وهذا جواب جيد سديد ، ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله فلا تستهن به فإنه كما قال تعالى : (( وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم )) سورة فصلت آية رقم 35 .
فإن أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل يصدون بها الناس عنه ، منها قولهم : نحن لا نشرك بالله ، بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا فضلاً عن عبدالقادر أو غيره ، ولكن أنا مذنب ، والصالحون لهم جاه عند الله وأطلب من الله بهم.
فجاوبه بما تقدم : وهو أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرون بما ذكرت ، ومقرون أن أوثانهم لا تدبّر شيئاً ، وإنما أرادوا الجاه والشفاعة ، واقرأ عليه ما ذكره الله في كتابه ووضحه :
فإن قال : هؤلاء الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام ! كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام ؟ أم كيف تجعلون الأنبياء أصناماً فجاوبه بما تقدم ، فإنه إذا أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها ، وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة – ولكن أراد أن يفرق بين فعله وفعلهم بما ذكر – فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الأصنام .
ومنهم من يدعو الأولياء الذين قال الله فيهم :
(( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب )) سورة الإسراء آية : 57 ، ويدعون عيسى ابن مريم وأمه ، وقد قال تعالى :
(( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنّى يؤفكون ، قال أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً والله هو السميع العليم )) سورة المائدة آية : 75 .
واذكر له قوله تعالى : (( ويوم يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون . قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون )) سورة سبأ آية 41 .
وقوله تعالى : (( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب )) . سورة المائدة آية : 116 .
وكفر أيضاً من قصد الصالحين ، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فإن قال الكفار يريدون منهم ، وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر ، لا أريد إلا منه والصالحون ليس لهم من الأمر شيء ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم .
فالجواب أن هذا قول الكفار سواء بسواء وأقرأ عليه قوله تعالى :
(( والذين اتخذوا من دونه أولياء ، ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )) سورة الزمر آية : 3 .
وقوله تعالى : (( ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله )) سورة يونس آية رقم 18 .
واعلم أن هذه الشبه الثلاث هي أكبر ما عندهم .
فإذا عرفت أن الله وضحها لنا في كتابه وفهمتها فهماً جيداً فما بعدها أيسر منها .
فإن قال أنا لا أعبد إلا الله ، وهذا الإلتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس بعبادة .
فقل له أنت تقر أن الله فرض عليك إخلاص العبادة لله وهو حقه عليك فإذا قال نعم :
فقل له : بين لي هذا الذي فرض عليك وهو إخلاص العبادة لله وحده ، وهو حقه عليك ، فإن كان لا يعرف العبادة ولا أنواعها فبينها له بقولك ، قال الله تعالى : (( ادعوا ربكم تضرعاً وخفية )) . سورة الأعراف آية : 55 .
فإذا أعلمته بهذا ، فقل له هل علمت هذا عبادة لله فلا بد أن يقول نعم : والدعاء مخ العبادة .
فقل له : إذا أقرَرْت أنها عبادة ودعوت الله ليلاً ونهاراً خوفاً وطمعاً ثم دعوت في تلك الحاجة نبياً أو غيره هل أشركت في عبادة الله غيره فلا بد أنه يقول : نعم .
فقل له فإذا عملت بقول الله تعالى : (( فصل لربك وانحر ) وأطعت الله ونحرت له قل هذا عبادة ؟ فلا بد أن يقول نعم.
فقل له : إذا نحرت لمخلوق : نبي أو جنّي أو غيرهما هل أشركت في هذه العبادة غير الله ؟ فلا بد أن يقر ويقول نعم .
وقل له أيضاً : المشركون الذين نزل فيهم القرآن ، هل كانوا يعبدون الملائكة والصالحين واللات وغير ذلك ؟
فلا بد أن يقول نعم .
فقل له : وهل كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح ، والإلتجاء ونحو ذلك ، وإلا فهم مقرون أنهم عبيده وتحت قهره ، وأن الله هو الذي يدبّر الأمر ولكن دعوهم والتجأوا إليهم للجاه والشفاعة وهذا ظاهر جداً .
فإن قال أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها ؟
فقل لا أنكرها ، ولا أتبرأ منها بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع وأرجو شفاعته .
ولكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى : (( قل لله الشفاعة جميعاً )) سورة الزمر آية : 44 .
ولا تكون إلا من بعد إذن الله ، كما قال عز وجل : (( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه )) سورة البقرة آية:255 .
ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال عز وجل :
(( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى)) سورة الأنبياء آية رقم : 28
وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال عز وجل : (( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه )) سورة آل عمران آية : 85 .
فإذا كانت الشفاعة كلها لله ، ولا تكون إلا من بعد إذنه ، ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه ، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد .
تبين لك أن الشفاعة كلها لله فاطلبها منه فأقول اللهم لا تحرمني شفاعته ، اللهم شفعه في ، وأمثال هذا .
فإن قال النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله .
فالجواب أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا ، فقال : ( فلا تدعوا مع الله أحداً )) سورة الجن آية : 18
فإذا كنت تدعو الله أن يشفع نبيه فيك فأطعه في قوله ( فلا تدعوا مع الله أحداً )) .
وأيضاً فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم ، فصحّ أن الملائكة يشفعون ، والأولياء يشفعون والأفراط يشفعون ، أتقول : أن الله أعطاهم الشفاعة فاطلبها منهم ، فإن قلت هذا : رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه ، وإن قلت : لا – بطل قولك : أعطاه الله الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله .
فإن قال : أنا لا أشرك بالله شيئاً حاشى وكلا ، ولكن الإلتجاء إلى الصالحين ليس بشرك .
فقل له : إذا كنت تقر أن الله حرم الشرك أعظم من تحريم الزنا وتقر أن الله لا يغفره فما هذا الأمر الذي حرمه الله وذكر أنه لا يغفره فإنه لا يدري .
فقل له : كيف تبريء نفسك من الشرك وأنت لا تعرفه ؟
أم كيف يحرم الله عليك هذا ويذكر أنه لا يغفره ولا تسأل عنه ولا تعرفه ، أتظن أن الله يحرمه ولا يبينه لنا .
فإن قال الشرك عبادة الأصنام ، ونحن لا نعبد الأصنام .
فقل له : ما معنى عبادة الأصنام ، أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها ، فهذا يكذبه القرآن .
وإن قال : هو من قصد خشبة أو حجراً أو بنية على قبر أو غيره يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون أنه يقربنا إلى الله زلفى ويدفع الله عنا ببركته أو يعطينا ببركته .
المفضلات