شرح حديث ( هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان)
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( عَنْ اِبْن عَوْن ) هُوَ عَبْد اللَّه ( عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : ذَكَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا الْحَدِيثَ ) كَذَا أَوْرَدَهُ عَنْ عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه عَنْ أَزْهَر السَّمَّان وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ بِشْر بْن آدَم بْن بِنْت أَزْهَر حَدَّثَنِي جَدِّي أَزْهَر بِهَذَا السَّنَد " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وَمِثْله لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَة أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيِّ عَنْ أَزْهَر , وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عَوْن عَنْ أَبِيهِ كَذَلِكَ , وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ اِبْن عَوْن فِي الِاسْتِسْقَاء مَوْقُوفًا وَذَكَرْت هُنَاكَ الِاخْتِلَاف فِيهِ.
قَوْله ( قَالُوا يَا رَسُول اللَّه : وَفِي نَجْدِنَا , فَأَظُنُّهُ قَالَ فِي الثَّالِثَة : هُنَاكَ الزَّلَازِل وَالْفِتَن , وَبِهَا يَطْلُع قَرْن الشَّيْطَان ) وَقَعَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَالدَّوْرَقِيّ بَعْدَ قَوْله وَفِي نَجْدنَا " قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا قَالَ وَفِي نَجْدِنَا ؟ قَالَ : هُنَاكَ " فَذَكَرَهُ لَكِنْ شَكَّ هَلْ قَالَ بِهَا أَوْ مِنْهَا , وَقَالَ يَخْرُج بَدَلَ يَطْلُع , وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة الْحُسَيْن بْن الْحَسَن فِي الِاسْتِسْقَاء مِثْله فِي الْإِعَادَة مَرَّتَيْنِ , وَفِي رِوَايَة وَلَد اِبْن عَوْن " فَلَمَّا كَانَ الثَّالِثَة أَوْ الرَّابِعَة قَالُوا يَا رَسُول اللَّه وَفِي نَجْدنَا ؟ قَالَ بِهَا الزَّلَازِل وَالْفِتَن وَمِنْهَا يَطْلُع قَرْن الشَّيْطَان " قَالَ الْمُهَلَّب : إِنَّمَا تَرَكَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّعَاء لِأَهْلِ الْمَشْرِق لِيَضْعُفُوا عَنْ الشَّرّ الَّذِي هُوَ مَوْضُوع فِي جِهَتهمْ لِاسْتِيلَاءِ الشَّيْطَان بِالْفِتَنِ وَأَمَّا قَوْله " قَرْن الشَّمْس " فَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : لِلشَّمْسِ قَرْن حَقِيقَة وَيَحْتَمِل أَنْ يُرِيد بِالْقَرْنِ قُوَّة الشَّيْطَان وَمَا يَسْتَعِين بِهِ عَلَى الْإِضْلَال , وَهَذَا أَوْجَه , وَقِيلَ إِنَّ الشَّيْطَان يَقْرِن رَأْسه بِالشَّمْسِ عِنْدَ طُلُوعهَا لِيَقَع سُجُود عَبَدَتِهَا لَهُ قِيلَ وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون لِلشَّمْسِ شَيْطَان تَطْلُع الشَّمْس بَيْنَ قَرْنَيْهِ , وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْقَرْن الْأُمَّة مِنْ النَّاس يَحْدُثُونَ بَعْدَ فِنَاء آخَرِينَ , وَقَرْن الْحَيَّة أَنْ يُضْرَب الْمَثَل فِيمَا لَا يُحْمَد مِنْ الْأُمُور , وَقَالَ غَيْره كَانَ أَهْل الْمَشْرِق يَوْمَئِذٍ أَهْل كُفْر فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْفِتْنَة تَكُون مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَة فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ , وَأَوَّل الْفِتَن كَانَ مِنْ قِبَل الْمَشْرِق فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ مِمَّا يُحِبّهُ الشَّيْطَان وَيَفْرَح بِهِ , وَكَذَلِكَ الْبِدَع نَشَأَتْ مِنْ تِلْكَ الْجِهَة , وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : نَجِد مِنْ جِهَة الْمَشْرِق وَمَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ كَانَ نَجْده بَادِيَة الْعِرَاق وَنَوَاحِيهَا وَهِيَ مَشْرِق أَهْل الْمَدِينَة , وَأَصْل النَّجْد مَا اِرْتَفَعَ مِنْ الْأَرْض , وَهُوَ خِلَاف الْغَوْر فَإِنَّهُ مَا اِنْخَفَضَ مِنْهَا وَتِهَامَة كُلُّهَا مِنْ الْغَوْر وَمَكَّة مِنْ تِهَامَة اِنْتَهَى وَعُرِفَ بِهَذَا وَهَاء مَا قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ إِنَّ نَجْدًا مِنْ نَاحِيَة الْعِرَاق فَإِنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ نَجْدًا مَوْضِع مَخْصُوص , وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلّ شَيْء اِرْتَفَعَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَلِيه يُسَمَّى الْمُرْتَفِع نَجْدًا وَالْمُنْخَفِض غَوْرًا.
المفضلات