هكذا حارب الإسلام الغلو!!
بقلم فضيلة الدكتور/ إبراهيم بن ناصر الحمود*
الغلو: مجاوزة الحد في كل شيء .. ومنه: الغلو في الدين..
وهو يعني: الميل والانحراف عن الطريق المستقيم..
فمن زاد في الدين ما ليس منه أو تشدد في العبادة حتى خرج بها عن الصفة المشروعة فقد تعبد الله بغير ما شرع.
ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك بقوله:
(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)
وكل بدعة في الدين تُعد مظهرا من مظاهر الغلو..
والإسلام دين التوسط والاعتدال، فهو يحارب الغلو بشتى وسائله جنسا وقدرا وصفة.
فالإسلام يأمر المسلم بالعدل والاستقامة والأمر بالشيء نهي عن ضده، فالأمر بالعدل نهي عن الظلم والجور، والأمر بالاستقامة نهي عن الميل والانحراف. وهذا من أشد مظاهر الغلو في الدين،
قال تعالى:
{إِنَّ الله يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإِيتاءِ ذِي القُربى وَيَنْهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنْكَر وَالبَغيِ} [النحل: 90].
وقال سبحانه: {اِعدِلُوا هُو أَقرَبُ لِلتَّقوَى} [المائدة: 8]
كما أن الإسلام يحذر المسلمين من التعدي على حدود الله في أوامره ونواهيه كما جاء في قوله تعالى:
{تِلكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعتَدُوها وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229].
فالواجب على كل مسلم أن يكون وقافا عند حدود الله بلا زيادة ولا نقصان.. والإسلام وسط بين الجافي عنه والغالي فيه.
وجاء التصريح بالنهي عن الغلو في قوله تعالى:
{يا أَهلَ الكِتابِ لا تَغلُوا فِي دِينِكُم وَلا تَقُولُوا عَلى الله إِلاَّ الحَق} [النساء: 171].
وفي هذا موعظة لهذه الأمة لتجنب الغلو وأسبابه، ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم "أمته بقوله:
(إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم).
كما أن الإسلام بين مصير الغلاة في الدنيا والآخرة وهو الهلاك والدمار كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم :
(هلك المُتَنَطِّعُونَ)
فالإسلام دين السماحة واليسر والسهولة، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول
(إنما بعثت بالحنيفية السمحة)
ومن قواعد الشريعة: (المشقة تجلب التيسير)، (وكلما ضاق الأمر اتسع)، (الضرورات تبيح المحظورات)
فالله قد رفع الحرج عن هذه الأمة :
{لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفسْا إِِلاَّ وُسْعَها} [البقرة286]
وقال جل شأنه:
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُم في الدِّين ِمِن حرجٍ} [الحج 78]
وقد قال صلى الله عليه وسلم :
(إن هذا الدين يسر ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه)
وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما..
كما أن الإسلام يدعو إلى الرفق واللين، فالرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه..
وفي جانب الدعوة إلى الله يتجلى مبدأ اليسر والسماحة كما قال تعالى:
{اِدعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم باِلتي هِيَ أَحْسَن} [النح25]
والغلو في الدين نوعان:
1-غلو اعتقادي: وهو ما كان متصلا بالعقائد كالغلو في الأئمة وادعاء العصمة لهم، أو البراءة من العصاة وتكفيرهم واعتزالهم، وهذا من أشد أنواع الغلو لما يترتب عليه من التفرق والتحزب والشقاق والنزاع والله تعالى يقول:
{وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جمَِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
2-غلو عملي: ومنه التعسف في أداء العبادة والتكليف بما لا يطاق، أو من يحرم على نفسه المباحات من باب الزهد والورع، فكل ذلك من التعدي على حدود الله والله تعالى يقول:
{وَلا تَعتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يحِبُّ المُعتَدِينَ} [البقرة: 190].
ومن الغلو العملي: الخروج على الولاة ومعاداتهم ونشر الفوضى والاضطراب وهتك الحرمات تحت رعاية الجهاد المزعوم..
وترك العلم والعمل لشبه باطلة وحجج واهية من باب التشرد والتزمت..
كل ذلك سببه الجهل بالنصوص الشرعية، وعدم العلم بمقاصد الشريعة، فمن الناس من يعتقد أن العمل بالمشاق والتشديد على النفس يضاعف الأجر، وهذا فهم خاطئ وخلاف مبادئ الإسلام وتشريعاته السمحة مما يؤكد ضرورة تصحيح هذه المفاهيم الخاطئة لدى تلك الطائفة من الناس.. وهذا جانب من جوانب مكافحة الغلو..
فواجب الدعاة وطلاب العلم أن يبينوا للناس ما نُزل إليهم من الأحكام فلا إفراط ولا تفريط..
وإنما القصد والعدل.. كما يجب الأخذ على يد السفيه وأطره على الحق أطرا لئلا يكون مدعاة للغلو، فإن أهل الباطل حريصون على بث سمومهم وأفكارهم بين الناس من أجل الإضلال والتعتيم على الحق، وتشكيك المسلم في دينه.. كل ذلك يسبب غياب الوسطية التي جاء بها الإسلام..
كما أن إهمال هذا الجانب يعين أعداء الإسلام على ذم الإسلام ووصفه بالتشرد والتعسف والاستهزاء والسخرية بأحكامه وتشريعاته..
ومن أبرز صور علاج هذا الغلو:
1- العودة الصحيحة إلى فهم نصوص الكتاب والسُنة..
ففيهما الشفاء من هذا الداء.. حتى يتبين للغلاة ما هم عليه من الباطل بالحجة الدامغة والبرهان القاطع..
2- ضرب الأمثلة لحال بعض الغلاة ومآلهم الذي صاروا إليه حتى يتعظ بهم غيرهم..
3- الاستشهاد بما كان عليه سلف الأمة من التمسك بالسُنة من غير إفراط ولا تفريط..
4- بيان الآثار الناتجة عن الغلو وخطرها على الفرد والمجتمع من باب الترهيب منه والتحذير من أسبابه..
وأخيرا:
الإسلام دين رباني.. مُنَزَّه عن النقص والعيب.. مستمد من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.. إن هو إلا وحي يوحى.. فما من خير إلا دل الأمة عليه، وما من شر إلا حذرها منه..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد..
* الأستاذ المشارك في المعهد العالي للقضاء
موقع الدعوة
بقلم فضيلة الدكتور/ إبراهيم بن ناصر الحمود*
الغلو: مجاوزة الحد في كل شيء .. ومنه: الغلو في الدين..
وهو يعني: الميل والانحراف عن الطريق المستقيم..
فمن زاد في الدين ما ليس منه أو تشدد في العبادة حتى خرج بها عن الصفة المشروعة فقد تعبد الله بغير ما شرع.
ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك بقوله:
(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)
وكل بدعة في الدين تُعد مظهرا من مظاهر الغلو..
والإسلام دين التوسط والاعتدال، فهو يحارب الغلو بشتى وسائله جنسا وقدرا وصفة.
فالإسلام يأمر المسلم بالعدل والاستقامة والأمر بالشيء نهي عن ضده، فالأمر بالعدل نهي عن الظلم والجور، والأمر بالاستقامة نهي عن الميل والانحراف. وهذا من أشد مظاهر الغلو في الدين،
قال تعالى:
{إِنَّ الله يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإِيتاءِ ذِي القُربى وَيَنْهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنْكَر وَالبَغيِ} [النحل: 90].
وقال سبحانه: {اِعدِلُوا هُو أَقرَبُ لِلتَّقوَى} [المائدة: 8]
كما أن الإسلام يحذر المسلمين من التعدي على حدود الله في أوامره ونواهيه كما جاء في قوله تعالى:
{تِلكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعتَدُوها وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229].
فالواجب على كل مسلم أن يكون وقافا عند حدود الله بلا زيادة ولا نقصان.. والإسلام وسط بين الجافي عنه والغالي فيه.
وجاء التصريح بالنهي عن الغلو في قوله تعالى:
{يا أَهلَ الكِتابِ لا تَغلُوا فِي دِينِكُم وَلا تَقُولُوا عَلى الله إِلاَّ الحَق} [النساء: 171].
وفي هذا موعظة لهذه الأمة لتجنب الغلو وأسبابه، ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم "أمته بقوله:
(إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم).
كما أن الإسلام بين مصير الغلاة في الدنيا والآخرة وهو الهلاك والدمار كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم :
(هلك المُتَنَطِّعُونَ)
فالإسلام دين السماحة واليسر والسهولة، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول
(إنما بعثت بالحنيفية السمحة)
ومن قواعد الشريعة: (المشقة تجلب التيسير)، (وكلما ضاق الأمر اتسع)، (الضرورات تبيح المحظورات)
فالله قد رفع الحرج عن هذه الأمة :
{لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفسْا إِِلاَّ وُسْعَها} [البقرة286]
وقال جل شأنه:
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُم في الدِّين ِمِن حرجٍ} [الحج 78]
وقد قال صلى الله عليه وسلم :
(إن هذا الدين يسر ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه)
وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما..
كما أن الإسلام يدعو إلى الرفق واللين، فالرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه..
وفي جانب الدعوة إلى الله يتجلى مبدأ اليسر والسماحة كما قال تعالى:
{اِدعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم باِلتي هِيَ أَحْسَن} [النح25]
والغلو في الدين نوعان:
1-غلو اعتقادي: وهو ما كان متصلا بالعقائد كالغلو في الأئمة وادعاء العصمة لهم، أو البراءة من العصاة وتكفيرهم واعتزالهم، وهذا من أشد أنواع الغلو لما يترتب عليه من التفرق والتحزب والشقاق والنزاع والله تعالى يقول:
{وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جمَِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
2-غلو عملي: ومنه التعسف في أداء العبادة والتكليف بما لا يطاق، أو من يحرم على نفسه المباحات من باب الزهد والورع، فكل ذلك من التعدي على حدود الله والله تعالى يقول:
{وَلا تَعتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يحِبُّ المُعتَدِينَ} [البقرة: 190].
ومن الغلو العملي: الخروج على الولاة ومعاداتهم ونشر الفوضى والاضطراب وهتك الحرمات تحت رعاية الجهاد المزعوم..
وترك العلم والعمل لشبه باطلة وحجج واهية من باب التشرد والتزمت..
كل ذلك سببه الجهل بالنصوص الشرعية، وعدم العلم بمقاصد الشريعة، فمن الناس من يعتقد أن العمل بالمشاق والتشديد على النفس يضاعف الأجر، وهذا فهم خاطئ وخلاف مبادئ الإسلام وتشريعاته السمحة مما يؤكد ضرورة تصحيح هذه المفاهيم الخاطئة لدى تلك الطائفة من الناس.. وهذا جانب من جوانب مكافحة الغلو..
فواجب الدعاة وطلاب العلم أن يبينوا للناس ما نُزل إليهم من الأحكام فلا إفراط ولا تفريط..
وإنما القصد والعدل.. كما يجب الأخذ على يد السفيه وأطره على الحق أطرا لئلا يكون مدعاة للغلو، فإن أهل الباطل حريصون على بث سمومهم وأفكارهم بين الناس من أجل الإضلال والتعتيم على الحق، وتشكيك المسلم في دينه.. كل ذلك يسبب غياب الوسطية التي جاء بها الإسلام..
كما أن إهمال هذا الجانب يعين أعداء الإسلام على ذم الإسلام ووصفه بالتشرد والتعسف والاستهزاء والسخرية بأحكامه وتشريعاته..
ومن أبرز صور علاج هذا الغلو:
1- العودة الصحيحة إلى فهم نصوص الكتاب والسُنة..
ففيهما الشفاء من هذا الداء.. حتى يتبين للغلاة ما هم عليه من الباطل بالحجة الدامغة والبرهان القاطع..
2- ضرب الأمثلة لحال بعض الغلاة ومآلهم الذي صاروا إليه حتى يتعظ بهم غيرهم..
3- الاستشهاد بما كان عليه سلف الأمة من التمسك بالسُنة من غير إفراط ولا تفريط..
4- بيان الآثار الناتجة عن الغلو وخطرها على الفرد والمجتمع من باب الترهيب منه والتحذير من أسبابه..
وأخيرا:
الإسلام دين رباني.. مُنَزَّه عن النقص والعيب.. مستمد من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.. إن هو إلا وحي يوحى.. فما من خير إلا دل الأمة عليه، وما من شر إلا حذرها منه..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد..
* الأستاذ المشارك في المعهد العالي للقضاء
موقع الدعوة
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات