قرأت مقال في جريدة الرياض لمحلل مالي واحببت ان انقله اليكم طبعا المقال في عام 1426هـ

وركز في اللون الازرق مانبي زيادة الراتب نبي بدل سكن .
جريدة الرياض اليومية

الخميس 25 ربيع الآخر 1426هـ - 2 يونيو 2005م - العدد 13492
[ الأولـــى | متابعات | شؤون دولية | محليات | لـــقـــاء | مقالات اليوم | عيادة الرياض | ثقافة اليوم | الرأي للجميع | الرياض الاقتصادي | تقنية المعلومات | دنيا الرياضة | الكاريكاتير | محطات متحركة | الأخــيــرة | ]

هل بإمكان الحكومة السعودية زيادة رواتب موظفيها؟

صالح السلطان ٭

مع ارتفاع أسعار النفط وتحقيق فائض في الميزانية العامة سمعت وقرأت مناقشات كثيرة فحواها المطالبة بزيادة رواتب موظفي الحكومة (السعودية)، لمواجهة ارتفاع الأسعار وتحسين مستوى المعيشة، وعزز هؤلاء مطالباتهم بالاستشهاد بما فعلته دول خليجية حين زادت أجور موظفيها. فما التعليق الاقتصادي على هذه المطالبات؟
هناك ما هو أولى من زيادة الرواتب، بل إن هذه الزيادة في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة هي أقرب إلى أن تكون غير ممكنة، وما فعلته بعض الدول الخليجية لا يصلح للتطبيق لدينا في المملكة. وإليك عزيزي القارئ البيان.
أولاً: تشير بعض المواقع الاقتصادية ومصادر المعلومات عن الدول على الشبكة العنكبوتية تشير إلى أن بند الرواتب والأجور يلتهم نحو نصف نفقات الحكومة السعودية، وهذه نسبة عالية جدا، والمفروض أن تكون في حدود الربع، لتحقيق توازن في توزيع الموارد المالية العامة على الاحتياجات.
على سبيل المثال هناك دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي عن سوق العمل في مجلس التعاون، ويمكن الحصول عليها من موقع الصندوق تحت العنوان التالي:
http://www.imf.org/external/pubs/ft/...abor%02Markets
هذه الدراسة تبين أن حصة الرواتب والأجور الحكومية من الانفاق الحكومي في المملكة تبلغ نحو 50 ٪ للفترة 1997- 2001، بينما تبلغ هذه النسبة في الإمارات نحو 22٪ ؟ من الانفاق الحكومي.
من المتوقع أن عوامل مساحة المملكة وكثافة وتوزيع السكان فيها ونسبة المواطنين إلى مجموع السكان - مزيد ايضاح يظهر لاحقا - هذه العوامل تجعل نسبة موظفي الحكومة إلى مجموع السكان وخاصة المواطنين أعلى بكثير في المملكة مقارنة بأكثر دول الخليج وخاصة الإمارات. تلك العوامل تعتبر مؤشرات على ارتفاع فاتورة الأجور في القطاع الحكومي السعودي مقارنة بأكثر دول الخليج.
رجوعا إلى المقارنة بدول خليجية، وتحديدا الإمارات والكويت، لنفترض أن السعودية بربع مساحتها الحالية، وسكانها نحو نصف السكان الحاليين، ففي هذه الحالة من المحتمل جدا أن تتقارب أوضاع الرواتب بين المملكة والإمارات أو الكويت، طبعا على أساس أن بنية الإيرادات بين هذه الدول متشابهة.
تفسير ما قلته في الفقرة السابقة جزئيا إن كبر مساحة دولة دون أن ينعكس ذلك على مزيد انتاج، هذا الكبر قد يشكل عبئا، على مستويات المعيشة. ويمكن القول بأن مساحة المملكة وتوزع السكان على هذه المساحة لم يؤثرا إيجابيا وبشكل ملموس على مزيد انتاجية، بل أثرت سلبيا على فاتورة الأجور في الحكومة، بحيث أصبحت نسبة الأجور إلى الانفاق العام أعلى من النسبة الموجودة في الإمارات أو الكويت - يرجى الرجوع إلى الجداول في نهاية هذه المقالة.

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


ومن الطريف أن نعرف أن نسبة تحويلات العمال الأجانب إلى الناتج المحلي الاجمالي، وكذلك مبلغ التحويل السنوي للعامل الواحد يبلغ في السعودية ضعف نظيرته في الأمارات (أو الكويت)، رغم أن نسبة العمال الأجانب إلى القوى العاملة تبلغ نحو النصف في المملكة، ولكنها تبلغ 90٪ تقريبا في الإمارات، حسب المصدر السابق.
ثانياً: نقرأ بين حين وآخر عن تعيين الآلاف من المعلمين والمعلمات على مراتب ورواتب أقل مما تسمح لهم قوانين الخدمة المدنية بالحصول عليه، وتعديل أوضاع هؤلاء له أولوية على زيادة الرواتب، ولكن تعديل الأوضاع يعني زيادات في الانفاق الحكومي تبلغ مليارات الريالات سنويا.
ثالثاً: هناك نقص كبير في أعداد المعلمين (والمعلمات) في المدارس، وهناك ازدحام طلابي في الفصول، وإن بناء فصول ومدارس تكفي وتتناسب مع تزايد السكان، يعني حاجة إلى استحداث آلاف الوظائف التعليمية (الإضافية) سنويا، وهذا بحد ذاته يتطلب نفقات (إضافية) تبلغ مليارات الريالات سنويا.
والنقص السابق في قطاع التعليم يمكن أن يعمم على قطاع الصحة.
رابعاً: تعاني المملكة وخاصة في القرى والمدن الصغيرة من نقص كبير في المرافق والخدمات الأساسية من طرق وشوارع جيدة مرصوفة، ومياه ومبانٍ مدرسية ملائمة، ومستوصفات ومستشفيات، وخدمات بلدية، ...الخ، كما تعاني المملكة من مشكلات عويصة في تجهيز وصيانة المنشآت القائمة، وهناك حاجة إلى تجهيزات مستمرة وصيانة دائمة للمباني والمنشآت القائمة. إن حل هذه المشكلات أو تخفيفها يتطلب نفقات تبلغ عشرات المليارات الإضافية سنويا.
خامساً: أشار بيان وزارة المالية للميزانية الحالية إلى وجود دين عام يقدر ب 660 مليار ريال، وهذا مبلغ كبير جدا، وتخفيضه مهم.
سادساً: لو زادت الحكومة الرواتب فإن من الصعب جدا عليها الاستمرار في دفعها في ظل الظروف الاقتصادية القائمة، وأخذا بعين الاعتبار أن سكان المملكة يتضاعفون كل 20 سنة تقريبا. فالأجور تزيد كل سنة مقابل منح العلاوات السنوية، وزيادة عدد الموظفين (في قطاعات التعليم والصحة والعسكرية).
بل حتى ولو لم تزد الرواتب، فإن الحكومة ستقع في معضلة العجز بعد سنين، إذا بقيت الإيرادات الحكومية في مستوياتها الحالية.
لو عدلت أوضاع من عينوا على أجور أقل مما يستحقونه، وزيدت رواتب عامة الموظفين لنقل بنسبة 20٪، فإن تكلفة التعديل والزيادة لن تقل عن ربع فاتورة الأجور الحالية، والتي تبلغ نحو نصف الانفاق العام حسب المصدر الذكورة آنفا، أي أن حصة الأجور لن تقل عن 60٪ من الانفاق العام، وستزيد عدة مليارات سنويا، مقابل العلاوات السنوية، وتعيين موظفين جدد.
لو افترضنا حصول التعديل والزيادة كما ذكر في الفقرة السابقة، فإن فاتورة الأجور بعد نحو 10 إلى 15 سنة، ستصبح في حدود 250 مليار ريال. لن تستطيع الحكومة سداد هذه الفاتورة، والالتزام بتوفير الخدمات الأخرى (بالوتيرة القائمة)، مثل دفع نفقات الصيانة والتشغيل وبناء مشاريع جديدة، وتبديل أو تجديد ما انتهى عمره من مشاريع، إلا إذا ارتفع سعر البرميل إلى ما لا يقل عن 80 دولارا للبرميل، وبقي مستوى الطلب والتصدير دون انخفاض، ولكن من البعيد أن يحدث هذا، فسعر في حدود 100 دولار للبرميل يعتبر عاليا جدا، وسيتسبب في اتجاه الدول المستوردة إلى احلال وسائل طاقة بديلة بشكل أقوى جدا من الجهود القائمة، ومن ثم فستنهار أسعار البترول.
هل هذا يعني أنه لا مجال لتحسين الحال؟
تحسين الحال ممكن طبعا، ولكنه يتطلب جهودا مضنية، يتطلب تغييرات في السلوك. من سلوكيات استهلاك وتوابعه من ولع بالألقاب والمظاهر والرتابة والجمود وتحكم أنماط من تقاليد سيئة من منظار انتاجي، إلى سلوكيات تهتم بالمخبر وتقدر الانتاجية. مطلوب مزيد من محاربة الفساد المالي والإداري، وترشيد انفاق غير مبرر، ومزيد من الإصلاحات في الاقتصاد، بهدف تحويله من دائرة اقتصادات دول العالم الثالث إلى اقتصاد قريب في تركيبه وتطوره من اقتصادات الدول الصناعية، اقتصاد يتمتع بمستويات نمو اقتصادي مرتفعة قليلة الاعتماد على ارتفاع أسعار النفط، هذا وبالله التوفيق.

٭ باحث ومحلل في الاقتصاد الكلي والسياسات العامة، م. دكتوراه، الرياض.
Email : sasultan@yahoo.com


ونقول ان شاء الله .