جزاك الله خير
["]قيام النبي صلى الله عليه وسلم ليالي رمضان
كان صلى الله عليه وسلم إذا أجنه الليل في ليالي رمضان قام متبتلاً لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وما أعظم قيام الليل! وخاصة في رمضان، وما أحسن السجدات! وبالخصوص في رمضان، وما أحسن الوضوء والتبتل والدعاء والبكاء! وبالخصوص في ليالي رمضان.
وقيام الليل لما تركته الأمة الإسلامية -إلا من رحم الله- ذبل في صدورها غصن الإيمان، وضعف اليقين، وعاش الجيل، لكنه لم يعش بمثل ذاك الجيل الذي عاش مع الرسول صلى الله عليه وسلم، جيلٌ فيه برود، وتهاون وتكاسل إلا من رحم ربك( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ:13] فلما علم ذلك كان يمضي صلى الله عليه وسلم ليالي رمضان متهجداً لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً )[الإسراء:79].
فكما قمت في الليل فسوف تقوم يوم القيامة، وموقفك وقيامك في الليل أشبه شيء بموقفك عند الله يوم تقوم شافعاً مشفعاً بإذن الله، يوم يتخلى الأنبياء عن الشفاعة، وتأتي أنت تشفع
فمقامك يوم قمت في الدنيا بالقرآن، أن تقوم يوم القيامة على ملأ بين يدي الرحمن سُبحَانَهُ وَتَعَالَى (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً )[الإسراء:79].
وعجيب الليل وخاصة في رمضان، والذي ينبغي للمسلم الذي يريد أن ينصح نفسه أن يكثر من تلاوة القرآن ويكثر من صلاة الليل، فإن هذا الشهر شهر تجديد للروح، وفرصة ثمينة لا تتعوض أبد الدهر، وشهر توبة وعتق من النار، وخيبة وندامة وهلاك وبوار لمن أدركه رمضان ولم يتب من المعاصي والخسران، ولم يعتقه الله من النيران.
وكان عليه الصلاة والسلام كما جاء عند مسلم عن عائشة {لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة } ولكن الركعة الواحدة تساوي آلاف الركعات من ركعات كثير من الناس، يقف في الركعة الواحدة أمداً طويلاً، فيناجي ربه، ويتدبر كلام مولاه، ويحيي روحه بتدبر القرآن، يبكي ويتباكى ويناجي ويسجد ويركع طويلاً، فتصبح الركعة حسنة جداً ما أحسن منها، والله يقول: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الملك:2] ولم يقل أكثر عملاً.
لذلك كان التجويد في التراويح والقيام أحسن من التكثير بلا جودة، وكان الكيف أحسن من الكمِّ حتى بالتلاوة، فلا يهذرم القرآن، ولا يهذُّ هذَّا، ولا يحدر حدراً شديداً فتضيع معانيه وحروفه على حساب الختم، فإن المقصود هو التدبر والمعايشة للمعاني، فإن من الناس من يختم القرآن في رمضان مرة، ولكن يا لها من ختمة ما أحسنها وأجودها! وما أجلها وأعظمها! شافا أمراض نفسه بكلام الله، وداوى جراحات قلبه بكلام مولاه، فكان للقرآن أثر في قراءته.
وأناس يقرءون فيختمون كثيراً، لكن مقصودهم الأجر فهم مأجورون، لكن غذاء الروح، ومدد اليقين وماء الإيمان لا يحصل إلا بالتدبر ومعايشة القرآن.
تأمل كيف كان قيامه صلى الله عليه وسلم في رمضان :-
يقول أبو ذر : " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر ، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ، ثم لم يقم بنا في السادسة وقام بنا في الخامسة حتى ذهب بنا شطر الليل أي نصفه . تأمل .. ثم لم يقم بنا في الرابعة ، وقام بنا في الثالثة حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح ( يعني السحور ) .رواه أهل السنن
وهذا حذيفة يقول : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة في رمضان قال : فقرأ بالبقرة ثم بالنساء ثم آل عمران ، لا يمر بآية تخويف إلا وقف وسأل ، قال : فما صلى الركعتين حتى جاءه بلال فآذنه بالصلاة ، أي صلاة الفجر " أخرجه الإمام أحمد .
فكيف حالنا مع صلاة القيام والتراويح نمن على الله بركعات لا اطمئنان فيها ولا خشوع ، ولا تبتل ولا خضوع ، فصار أحدنا لا هو الذي صلى ففاز بالثواب ، ولا هو الذي ترك فاعترف بتقصيره وسَلم من الإعجاب .
أين نحن من حال السلف الذين كانوا يعظمون هذه العبادة ، كانوا يصلون ويقومون حتى يعتمدون على العصي من طول القيام .
كان علي بن عبدالله بن عباس يسجد كل يوم ألف سجدة ، فسمي السجاد .
وسعيد بن جبر يختم القرآن في ركعةٍ في جوف الكعبة .
وكان عروة بن الزبير ـ رحمه الله ـ يقرأ كل يوم ربع القرآن في المصحف .
قال المعتمر بن سليمان : مكث أبي سليمان التميمي ـ رحمه الله ـ أربعين سنة يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وكان يصلي صلاة الفجر بوضوء العشاء الآخرة .
قال معمر : " صلى على جانبي سليمان التميمي ـ رحمه الله ـ بعد العشاء الآخرة فسمعته يقرأ في صلاته : " تبارك الذي بيده الملك " حتى أتى على هذه الآية : " فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا " فجعل يرددها حتى خف أهل المسجد وانصرفوا ، ثم خرجت إلى بيتي ، فلما رجعت إلى المسجد لأوذن الفجر فإذا سليمان التميمي في مكانه كما تركته البارحة !! وهو واقف يردد هذه الآية لم يجاوزها .
قال أبو إسحاق السباعي ـ رحمه الله ـ ذهبت الصلاة مني !! ( أي لما ضعفت وكبر سني ) وضعفت ورق عظمي ، إني اليوم أقوم في الصلاة فما اقرأ إلا البقرة وآل عمران !! ، وكان رحمه الله قد ضعف على القيام ، فكان لا يقدر أن يقوم إلى الصلاة حتى يقام ، فإذا أقاموه فاستتم قائماً قرأ ألف آية وهو قائم .
وهل كانت صلاتهم صلاة الغافلين اللاهين كحالنا اليوم .. اسمع طرفاً من أخبارهم .
ـ قال يعمر بن بشر : أتيت باب عبدالله بن المبارك ـ رحمه الله ذات ليلة بعد العشاء فوجدته يصلي وهو يقرأ قوله تعالى : ( إذا السماء انفطرت ) حتى بلغ ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) فوقف عندها يرددها إلى أن ذهب وقت من الليل فانصرفت ثم رجعت غليه لما طلع الفجر فإذا هو لا يزال يرددها ، فلما رأى الفجر قد طلع قال : حلمك وجهلي !! حلمك وجهلي !! فانصرفت وتركته .
ـ قام العبد الصالح : سعيد بن جبير ـ رحمه الله ـ ذات ليلة يصلي من الليل فقرأ ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) ، فأخذ يرددها حتى أصبح .
ـ قام العبد الصالح : سعيد بن جبير ـ رحمه الله ـ ذات ليلة يصلي من الليل فمر بهذه الآية ( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ) فرددها بضعاً وعشرين مرة ، وكان يبكي بالليل حتى عمش .
ـ كان العبد الصالح علي بن الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ يصلي من الليل حتى ما يقدر أن يأوي إلى فراشه إلا حبوا !! ثم يلتفت إلى أبيه ويقول : يا أبت سبقني المتعبدون !!
ـ قيل للعبد الصالح : يزيد بن هارون ـ رحمه الله ـ وكان ذو عينين جميلتين فعمي من كثرة بكائه من الليل ، يا أبا خالد ما فعلت العينان الجميلتان ؟!! فقال : ذهب بهما بكاء الأسحار !! ، ولما سئل عن حزبه ( أي ورده بالليل ) قال : وأنام من الليل شيئاً ؟!! إذا لا أنام الله عيني .
ـ عن عبدا لرحمن بن عجلان قال : بت عند الربيع بن خيثم ـ رحمه الله ـ ذات ليلة فقام يصلي ، فمر بهذه الآية : {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجتر حوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ }الجاثية21 ، فمكث ليلته حتى اصبح ما يجاوز هذه الآية إلى غيرها ببكاء شديد .
ـ كان الربيع بن خيثم ـ رحمه الله ـ إذا قام بالليل يصلي تناديه أمه مشقة عليه وتقول له : يا بني ألا تنام ؟ فيقول لها : يا أماه من جن عليه الليل وهو يخاف البيات حق له ألا ينام .
ـ قال عطاء الخراساني ـ رحمه الله ـ تبعت مالك بن دينار ـ رحمه الله ذات ليلة فرأيته لما دخل بيته استقبل القبلة وقام في محرابه وأخذ يصلي ما شاء الله أن يصلي ، ثم أخذ بلحيته وجعل يقول : يا رب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة مالك على النار ، فما زال يرددها حتى طلع الفجر .
هكذا كانوا يعيشون بالطاعات ، يتلذذون بالقربات .
فلله درهم ، من خلق ، أصبحوا حججاً على من جاء بعدهم .
هذا حالهم مع القيام في غير رمضان ، فكيف تظن حالهم في ليالي رمضان ، لقد كانوا يقومون الليالي في رمضان حتى يعتمدون على العصي من طول القيام .
كانوا إذا قرأ القارئ البقرة في ثمان ركعات عدوا ذلك تخفيفاً ، فليت شعري كيف لو رأوا قيامنا وصلاتنا .
كانوا يعظمون رمضان لا يكاد أحدهم يخرج من المسجد يحفظ صيامه ، ولك أن تتخيل زمانهم وزماننا .
كيف كانت شوارعهم وبيوتهم وقت ذاك ، إذ يخشون فساد صيامهم ، فكيف حال شوارعنا وبيوتنا اليوم ؟
ولك أن تتخيل كيف كان حال أهل زمانهم وهم قد وصفوا بالصلاح والتقوى وقارن بينهم وبين أهل زمانهم .
لا تعرضن بذكرهم في ذكرهم *** ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
عن أم سعيد بن علقمه " قالت " كان داود الطائي ـ رحمه الله ـ جاراً لنا ، فكنت اسمع بكاؤه عامة الليل لا يهدأ ، ولربما ترنم في السحر بشيء من القرآن ، فأرى أن جميع نعيم الدنيا قد جمع في ترنيمه تلك الساعة .
كان العبد الصالح داود الطائي ـ رحمه الله ـ يحي الليل بالصلاة والبكاء والمناجاة ، ثم يقعد بحذاء القبلة فيقول : يا سواد لليلة لا تضيء ؟!! ويا بعد سفر لا ينقضي ، ويا خلوتك بي تقول : داود ألم تستح؟!!
قال أبو سلمان الداراني ـ رحمه الله ـ ربما أقوم خمس ليال متوالية بآية واحدة ، أرددها وأطالب نفسي بالعمل فيها ، ولولا أن الله تعالى يمن علي بالغفلة لما تعديت تلك الآية طول عمري ، لأن لي في كل تدبر علماً جديدا والقرآن لا تنقضي عجائبه !!
كان السري السبطي ـ رحمه الله ـ إذا جن عليه الليل وقام يصلي دافع البكاء أول الليل ، ثم دافع ، ثم دافع ، فإذا غلبه الأمر أخذ في البكاء والنحيب .
لقد كان السلف يعظمون كلام الله ، ولا يقدمون عليه كلام ، هذا على الدوام ، أما في رمضان فلهم فيه شأن آخر ، كانوا يتركون كتب العلم " أقول كتب العلم " لا جرائد عصرنا وصحف وقتنا ، كم مرة ختمت أخي القرآن في رمضان الماضي ؟
كيف كان حال سلفنا الصالح ، كان للشافعي في كل يوم وليلة من رمضان ختمتين .
وقد تقول لي .. ذاك زمان سلف ، وأقول هذه حجة الباطلين الكسالى ، إن في زماننا أيها الأخوة من يختمون القرآن في كل يوم وليلة مرة .
وأعرف رجلاً في جماعة مسجدي يختم في رمضان كل ثلاث ، وقال لي .. لو أن بصري يساعدني لختمت كل يوم ختمه وله تجارته وأعماله
الشيخ عادل بن عبدالعزيز المحلاوي
من اعداد منتديات العريفي
لآ تنسونا من دعوه في ظهر الغيب
Back
جزاك الله خير
شاكر مرورك مقرن
Back
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات