الطبيب القاتل وضحية الشرف..؟؟
كانت السماء ملبدة وتنذر بسقوط المطر ، والرياح تعصف بشدة ،
تكاد أن تقتلع جذور الأشجار وأوراقها تتناثر في كل مكان .
القرية تبدو كأنها مهجورة ، لا تسمع سوى عواء الذئاب ونباح الكلاب ،
معظم السكان يغطون لحظتها في سبات عميق بعد نهار كله كد وشقاء ،
وكان كوخ عمي سليمان الهش ، العتيق والمتهرئ يكاد السيل أن يجرف أوتاده.
والرياح تكاد أن تقتلع سقفه ، تنبعث منه أشعة نور خافتة أنها شمعة.
أشعلتها ابنته إيمان التي كانت تحاول الاستسلام للنوم ،
لكن لم تستطع إغماض جفنيها ، تكتم ألامها وأوجاعها التي ازدادت ،
وشعرت بدوار عنيف وصداع في رأسها وحمى لا تنتهي وآلاما في بطنها.
كأنها ابر توخز جسمها النحيف لا تريد إيقاظ أهلها
من نومهم بعد التعب والعمل الشاق في النهار.
بين لحظة وأخرى تسمع أنين وآهات في الكوخ ، فاستيقظت الأم فزعة ،
مسرعة فوجدت إيمان تتألم في صمت هذا الليل الرهيب ،
فأحضرت الأم منديلا تغمسه في الماء البارد وتضعه على جبين إيمان.
لعله يخفف من ألامها ويخفض درجة حرارتها ، لكن هذا آل دون جدوى .
ايقضت الأم ابنها مسعود الذي يكبر إيمان بسبع سنوات وقالت له :
أختك مريضة يلزمك أن ترافقها إلى المستشفى بالمدينة.
_ في هذا الليل الحالك !
_ نعم حالتها لا تبشر بالخير.
فارتدى مسعود ملابسه التي تبدو بالية وملامح الوقار والثقة بالنفس
والهدوء تبدو على وجهه ، عيناه توحيان بعمق التأمل والشجاعة .
خرج مسعود وإيمان من الكوخ والشمعة في يد الأم التي كانت توصي مسعود على أخته ،
فسارا سويا ، وهو يفكر في هذه الرحلة التي لا يعرف مصيرها بين أشجار القرية الموحشة .
والظلام الدامس ، والكلاب الضالة التي تثير الرعب والخوف في قلبيهما ،
مازلت إيمان تتألم ، الحمى والصداع وآلام في البطن ،
لكن صبرها فاق آلامها حتى وصلا إلى محطة القطار.
ركبا القطار، ومسعود صامت لا يتكلم عيناه تحدق في أخته إيمان.
وهي تكتم آلامها في صدرها...ثم قال لها :
لا تقلقي تحملي قليلا ... لم يبق إلا مسافة قصيرة لنصل إلى المدينة ثم المستشفى.
ماهي إلا لحظات حث أعلن صفير القطار عن الوصول ،
فكانت قاعة الانتظار مملوءة بالناس ينتظرون أهاليهم،
فنزل مسعود وإيمان ليركبا سريعا سيارة أجرة.
_إلى أين تذهبان ؟
_إلى المستشفى .
دخلا إلى المستشفى بخطى متسارعة نحو قاعة الانتظار ،
وانتظر قليلا ثم نادي الممرض هي يا آنسة دورك ،
فدخلت إلى قاعة الفحص ، ومسعود ينتظر بقلق واستغراب.
حتى خرجت إيمان مع الطبيب والوصفة بيدها فقال الطبيب لمسعود :
_ألف مبروك زوجتك حامل، فنزل الخبر كالصاعقة على مسعود،
زادت نبضات قلبه واحمرار وجهه وبرزت عيناه من شدة الدهشة
كاد أن يغمى عليه لم يفهم شيئا ثم قال:
_لا باس يا دكتور ، شكرا على الجميل ،
فنادي على أخته إيمان التي لم تعلم بما قاله الطبيب لمسعود ،
هيا لنعد إلى القرية، قال لي الطبيب انك لست مريضة وإنما هو بعض الإرهاق.
وتحتاجين إلى بعض الراحة والهدوء فقط ، وصف لك بعض الأدوية المهدئة .
أوقف سيارة الأجرة.
_إلى أين تذهبان ؟
إلى محطة الحافلات...لكن إيمان قاطعته لم لنعود في القطار ؟ !
مسعود: الحافلة أحسن ومريحة أكثر من القطار، لا باس قالت إيمان !
ركبا في الحافلة متجهين نحو القرية ،
والشر يتغلغل بداخله ويشعره بروح القتل ومسح العار ،
مازالت تراكمات الهم والغم في نفسه ،
وبدت ريح الغضب والقتل تهب في كيانه وبدا يحاور الذات :
أنا ابن الريف من عائلة ريفية محترمة ذات تقاليد قروية راسخة يا للعار ..؟؟
ماذا يقول عنا أهل القرية عند سماع الخبر ،
إيمان حولت حياتنا إلى قهر وخيال مرعب وجحيم اسود سأقتلها وادفن العار .
ثم أمر سائق الحافلة بالتوقف لأنه لا يستطيع تحمل رائحة البنزين فنزل مع أخته .
سنكمل الطريق مشيا حتى القرية، إنها ليست بعيدة من هنا ،
وهي لا تدري أن الموت يحوم حولها ، وهذا اليوم ستزهق روحها البريئة ،
وتختفي ابتسامتها اللؤلؤية وستودع هذه الزهرة الحياة تحت تراب هذه الطبيعة الحزينة .
بين الأشجار الكثيفة حيث ترى ولا يراك احد ،
اخذ حجرا من الأرض وضرب بها رأس إيمان عدة مرات فسقطت مغمى عليها ،
والدماء تجري على جسمها النحيف ،
فهرب مسعود ويداه مخضبتان بالدماء وهو لا يدري أين يذهب ،
بقيت إيمان ممدة على الأرض مغمى عليها بضع دقائق ثم استيقظت ،
تشعر أنها انتهت ، تريد النجدة فلم تستطع حتى الصراخ ،
استجمعت شجاعتها ونهضت تسير بخطى ثقيلة الهمة نحو النجاة لعلها تجد من ينقضها ،
سقطت مرة أخرى فكان اجلها قد وصل في ذلك المكان ضاع زمانها وبسمتها ..
لحظة غضب وتسرع من طرف أخيها مسعود .
بقع الدم على وجهها الطاهر يابسة ، امتزج الدم بشعرها الطويل ،
و ثيابها تمزقت ، عيناها مفتوحتان كأنها تتأمل في تلك الأشجار و العصافير ،
وجهها كان صافيا مثل صفائها ، جثثها ينبعث منها النور و رائحة الياسمين ،
و فوقها تغرد العصافير كأنها في جنة النعيم ..
ماتت و انطفأ نور القمر الذي كان يضيء القرية ،
ماتت و رحلت معها الابتسامة اللؤلؤية ....ماتت
و بعد أن عثرت الشرطة على الجثة و تحديد هويتها ،
ابلغوا أهلها التي أثرت فيهم الصدمة ،
و بعد التحريات القوا القبض على الجاني.
الذي كان في حالة يرثى لها و هستيريا و..
بعد تشريح الجثة من طرف ا لطبيب الشرعي..
تبين أن إيمان كانت أنظف و اشرف فتاة في القرية.
فلم تكن حاملا و إنما هو" ورم سرطاني " ؟؟
في المحكمة بدا مسعود يصرخ كألمجنون أنا لست القاتل ..
أنا لست القاتل..؟
الطبيب هو القاتل..؟
الطبيب هو القاتل..؟
وهكذا أزهقت روح بريئة بإسم الشرف..؟؟
لكم تحيات
ماجد البلوي
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات