اليهود المصريين حياتهم وقوتهم الأقتصادية سابقآ..؟؟
الكنيس اليهودى
يمكن القول باطمئنان أن اليهود المصريين حالة خاصة واستثنائية داخل إسرائيل، فربما كانت الطائفة الوحيدة التي يرتبط أفرادها بحنين جارف لبلدهم الأصلي مصر، وفي المقابل فلازال هناك من يدافع عنهم في مصر ويؤكد أن طردهم، أو التضييق عليهم من قبل حركة الضباط كان خطأ فادحاً، إذ أنهم لم يشكلوا خطورة حقيقية الدولة ولا المجتمع، لأنهم باختصار كانوا جالية أصيلة من نسيج الشعب، فلم يكونوا غرباء أو أجانب مقيمين، وبالطبع لا يجوز هنا ربط مصير جالية كاملة بشخص أو حتى بضعة أشخاص منحرفين اتهموا بأنشطة معادية.
وعاش يهود مصر مناخ تسامح حقيقي عدة قرون، حتى أنهم كانوا من أغنى الطوائف اليهودية في العالم وأكثرها استقراراً والتحاماً بمجتمعهم، ومن ثم فلم تكن لديهم أزمة اضطهاد مثل يهود أوروبا مثلاً، ولهذا أضافوا الكثير إلى ثقافة وفنون واقتصاد البلد، فكان قطاوي باشا منغمسا في النشاط السياسي إلى درجة أنه أصبح وزيرا للمالية ثم النقل والمواصلات بعد ثورة 1919، وكان عضوا في مجلس النواب حتى وفاته، وكانت زوجته آليس سواري الوصيفة الخاصة للملكة نازلي والدة الملك فاروق، ولم يكن قطاوي باشا حالة استثنائية، فقد برزت أسماء فيلكس وهنري موصيري وعائلات هراري وعدس وقطاوي وعاداة وسوارس ومنشة، ورولو وسرسقة وسموحة، وشيكوريل وغيرها من الأسر اليهودية المصرية العريقة .
وترصد الدراسات بالأرقام الهجرة اليهودية من مصر في أعقاب حرب 1948 وحتى عام 1952 وظلت مصر الدولة في عهدها الملكي حريصة صلتها الودية بمواطنيها اليهود، وحتى في بداية حركة يوليو قام الرئيس محمد نجيب خلال "يوم كيبور" الذي حل في 25 تشرين الأول (اكتوبر) 1952 بزيارة اليهود القرائين وهنأهم بالعيد، ومازالت تهنئته محفوظة بسجل المعبد اليهودي بالعباسية حتى يومنا هذا ، لكن بعد تهميش نجيب ووضعه رهن الإقامة الجبرية، وانقضاض عبد الناصر مقاليد السلطة تغير الحال إلى النقيض.
وفي الوقت الذي تسود فيه مشاعر السخط الوطن الأم لدى العديد من الجماعات اليهودية التي هاجرت إلى إسرائيل، لا زال يهود مصر يراودهم الحنين إلى الوطن الأم، فكما أسلفنا لم يكن يهود مصر يوماً مجرد جالية أجنبية أو أقلية عرقية، بل كانوا جزءاً من نسيجها الوطني يتمتعون بما يميز شعبها من خفة دم وروح دعابة وكرم ضيافة وحسن معشر، وقبل قيام إسرائيل كان التسامح التلقائي وعلاقات الود تسود الجميع، مسلمين وأقباطاً ويهوداً، يجاملون بعضهم في الأفراح والأتراح، ويهنئون بعضهم في الأعياد والمناسبات، يسهرون أغاني أم كلثوم ويضحكون مسرحيات الريحاني، ويحرص يهود مصر التأكيد بأنهم مختلفون عن غيرهم من اليهود المهاجرين لإسرائيل، ففي أكثر من مناسبة أعلنت كارمن واينشتاين رئيسة الطائفة اليهودية في مصر أن الطائفة لا تمت لإسرائيل بأية صلة، وهاجمت مراراً سياسة شارون وقالت إنه "رجل شرير وقاتل أطفال"، ورفضت استقبال مبعوث منه.
وأكدت رئيسة الطائفة اليهودية في مصر ،إنها لن تسمح لأحد من اليهود المصريين برفع دعاوى للمطالبة بتعويض عن أملاك اليهود في مصر والتي تمت مصادرتها أثناء حكم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وقالت: "إن من لديه حقوقا ويملك مستندات عن عقارات فليتقدم إلى القضاء المصري" اذي أكدت ثقتها فيه.
وأضافت السيدة واينشتاين في تصريح خاص لـ "إيلاف" قائلة: "نحن طائفة يهودية مصرية وليست إسرائيلية، فاليهودية دين، بينما الإسرائيلية ية وليس لنا أي علاقة بإسرائيل من قريب أو بعيد، وقد رفضنا منذ نصف قرن الهجرة إليها، ومازلنا نرفض حتى زيارتها".
المقبرة اليهودية
ومصادفة اكتشفت الموقع الإلكتروني للجمعية التاريخية ليهود مصر http://www.hsje.org/ حيث يمكن مطالعة مجموعة كبيرة من الرسائل المتبادلة بين اليهود المصريين من شتى أنحاء العالم بعضها يحمل ذكريات جميلة مختزنة في ذاكرة الرعيل الأول من المهاجرين، والبعض الآخر يوجه نداءات للحكومة المصرية بإفراج هيئة الآثار عن ممتلكات العائلات اليهودية وبعضها يسأل عن أخبار أصحاب الدراسة وزملاء العمل ورفاق النادي وجيران الحي والبعض يبعث بسلامه لطوب الأرض وأرصفة الشوارع ونوافذ الحارات وشواهد القبور، وبعد خمسين عاماً رحيلهم مازالوا يفتقدون نسيم النيل وشمس الأصيل وذكريات الزمن الجميل، فيلملمون شتات أرواحهم بالالتفاف حول هذا الموقع الإلكتروني الذي يمثلهم،و يستعيدون من خلاله ذكريات الماضي .
ويلقي موقع الجمعية التاريخية ليهود مصر اللوم حركة الضباط في تموز (يوليو) 1952، بإصدارهم قرار تهجيرهم، فبعد حرب 1956 اعتقلت سلطات الأمن المصرية بعض اليهود واتهمتهم بارتكاب أعمال تخريبية ضد أماكن عامة وأصدرت قرارات إبعاد وترحيل لليهود، وتشير العديد من المصادر التاريخية إلى أنه حتى نهاية عام 1956 كان لا يزال عدد اليهود في مصر نحو 42 ألفا. وفي دراسة أجراها معهد نيمان للدراسات العلمية المتقدمة عينة من اليهود الأميركيين من أصل مصري شملت 501 شخص كانت النتيجة مذهلة فالغالبية العظمى منهم لم تحمّل مصر أو الشعب المصري لائمة خروجهم منها ولم يستخدموا كلمات تعكس مرارة أو ضغينة تجاه المجتمع المصري، فلا زال البعض من يهود مصر بعد عقود من الزمان يتوارثون اللهجة المصرية التي تعلمها حتى ابناؤهم الذين ولدوا خارج مصر، كما ظلوا ومازالوا يرددون الأمثال الشعبية ويمارسون العادات والتقاليد ويتمتعون بروح الدعابة ولم ينسوا أنهم كانوا مصريين لا يقلون حباً لبلدهم عن المسلمين والأقباط مطلقاً.
وترصد دراسة لحركة اليهود المصريين أعدها باحث يهودي أنه في العام 1947 وصل عددهم الي 65641 ألفا، وبهذا أصبح تعداد اليهود 3 في مقابل كل ألف غير يهودي، وحتي القرن التاسع عشر كانوا يعيشون في حارة اليهود الكائنة في المنطقة بين حي الجمالية والموسكي، ومع تزايد عددهم خرجوا إلي احياء الظاهر والدرب الاحمر والعباسية وعابدين والازبكية وباب الشعرية ومصر الجديدة، وفي الاسكندرية عاشوا في حي الجمرك في البداية ثم انتقلوا بعد هذا الي محرم بك والمنشية والعطارين وباب شرق وغيرها، الي جانب دمياط وبورسعيد وطنطا والمنصورة، وحتى في الوجه القبلي بلغ عددهم عام 1917 (1362).
المسرح
عرف المصريون المسرح يد يعقوب صنوع الشهير بلقب "أبو نضارة"، الكاتب الشاعر والمخرج والموسيقي والصحافي اليهودي المصري، وهو من مواليد حي باب الشعرية عام 1839م، وكان يتقن عدة لغات أجنبية، وعمل مدرساً بمدرسة الفنون والصناعات إلى أن اتخذ من مقهى في حديقة الأزبكية مسرحاً لفرقته المسرحية سنة 1870م، وظل يقدم الروايات الكوميدية والتراجيدية، مثل "العليل" و"الصداقة" و"البرجوازي" و"بورصة مصر" و"الأميرة الإسكندرانية"، وقد حظي يعقوب صنوع بتقدير الخديوي إسماعيل، مما جعله يطلق عليه لقب "موليير مصر" ودعاه لتقديم بعض رواياته في مسرحه الخاص بالقصر.
وهناك أيضاً الفنانة نجوى سالم واسمها الحقيقي نينات شالوم، التي لمعت في فرقة نجيب الريحاني، وامتدت موهبتها إلى العديد من الفرق المسرحية، وأسندت إليها بطولة عدة أفلام، واقترنت لفترة بالصحافي عبدالفتاح البارودي، ومنحها الرئيس الراحل أنور السادات شهادة تقدير، ومعاشاً استثنائياً مدى الحياة، حتى توفيت عام 1988.
السينما
يهود مصر
وفي السينما لا يمكن تجاهل اسم توجو مزراحي كواحد من أبرز مؤسسي هذا الفن، وأول من أدخل صناعة السينما في مصر والشرق الأوسط، بعبارته الشهيرة "لا أحد يستطيع أن يدخل السينما مجاناً"، لذا فقد تمكَّن مزراحي بمعاونة شركة "جوزي فيلم" من تملك وإدارة عشر دور للسينما في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد والسويس، وزاول مزراحي كل الفنون السينمائية من التمثيل والإنتاج والإخراج، حيث ظهر كممثل في فيلم "الكوكايين" عام 1930م، وفيلم "خمسة آلاف وواحد" عام 1932م، تحت اسم "أحمد مشرقي"، وكان آخر أفلام "مزراحي" إنتاجاً فيلم "سلامة" عام 1947م لأم كلثوم.
وهناك أيضاً النجمة الشهيرة راقية إبراهيم، واسمها الحقيقي راشيل إبراهام ليفي، وكان أوج شهرتها في الأربعينيات والخمسينيات، حين بزغ نجمها بعد قيامها بدور البطلة لمسرحية توفيق الحكيم "سر المنتحرة" عام 1938، ثم تزوجت المهندس مصطفى والي، إلى أن غادرت مصر عام 1956م إلى الولايات المتحدة التي استقرت بها حتى ماتت.
كما ظهر في العشرينيات الفنان الكوميدي اليهودي إلياس مؤدب الذي شارك في العشرات من الأفلام الكوميدية، بلهجته الشامية التي كانت مدخله لولوج عالم الفكاهة أمام إسماعيل ياسين وآخرين، بحيث رسخ في الأذهان أنه لابد أن يكون من أصل سوري أو لبناني، ولكنه كان مصرياً صميماً، يسكن في شارع "سوق الفراخ" بحارة اليهود.
الغناء
وفي الغناء، سطع نجم ليلى مراد المولودة في الظاهر بالعباسية في فبراير 1917، لأب يهودي مصري هو إبراهيم زكي مردخاي المطرب والملحن الشهير في العشرينيات، وأم يهودية بولندية هي جميلة "سالمون" التي أنجبت مراد وإبراهيم وملك ومنير وسميحة، وكانت ليلى كبرى البنات، وتزوجت ليلى الفنان أنور وجدي عام 1945، ثم انفصلت عنه وعادت إليه ثلاث مرات، ورغم ذلك فقد ظلت الشائعات تلاحقها طوال عمرها بسبب جذورها اليهودية، وكان أخطرها شائعة تبرعها بمبلغ 50 ألف جنيه لإسرائيل عام 1952، حيث نشرت جريدة الأهرام القاهرية حينئذ خبراً "اتضح كذبه" من مراسلها في دمشق في 12 أيلول (سبتمبر) عام 1952، جاء فيه "أن الحكومة السورية قررت منع أغاني ليلى مراد وأفلامها في سوريا، لأنها تبرعت لإسرائيل بملغ 50 ألف جنيه" وأثار الخبر حينها زوبعة واسعة، مما استدعى التحقيق معها قضائيا، وأفضى التحقيق إلى براءتها من هذه التهمة، بل ومنحها شهادة تقدير من القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية في تشرين الأول (أكتوبر) عام 1952.
وتزوجت ليلى بعد ذلك الرائد المصري "محمد وجيه أباظة"، ضابط مجلس قيادة الثورة وسليل الأسرة الأباظية العريقة، والذي كان مكلفاً بالتحقيق معها فيما نُسب إليها، وقد أنجبت منه ابنها أشرف، ثم طُلقت منه وتزوجت من بعده المخرج المعروف فطين عبدالوهاب، حيث أنجبت ابنها المخرج زكي فطين عبدالوهاب، ثم طُلقت منه عام 1969، كما لمع شقيقها منير مراد، ملحناً وممثلاً متميزاً وتزوج الفنانة سهير البابلي، وقد أمضى بقية عمره القصير مغترباً ووحيداً في باريس.
وأخيراً ما زالت مصر تحتفل حتى الآن بذكرى الفنان اليهودي المصري الشهير داود حسني، واسمه الحقيقي "دافيد حاييم ليفي" في العاشر من شهر كانون الأول (ديسمبر) من كل عام، باعتباره أحد أعمدة التلحين والغناء المصري الذين ساهموا في تطويره بشكل يؤكده كل دارس لتاريخ تطور الغناء في مصر..؟
ولكم تحيات
ماجد البلوي
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات