يوسف الفاضلي بارك الله فيك
ونفع الله بك وأسال الله لك التوفيق
نتحدث اليوم عن عالم آخر من علمائنا... وتابعي جليل... ورجل عظيم من رجالات التاريخ الإسلامي... عالم اليمن طاووس بنكيسان...
فتح الله عليه فبرع في العلوم الشرعية جميعاً... فله باع كبير في تفسيرالقرآن... وله قدم راسخة في رواية الحديث... حتى إنه ليقول لأحدهم: إذا حدثتك الحديث فأثبته لك فلا تسألن عنه أحداً...
وفي الفقه كانوا يقولون ما من أحد أعلم بالحلال والحرام منطاووس...
أدرك خمسين صحابياً، ثم صحب عبد الله بن العباس رضي الله عنه حبر الأمةوترجمان القرآن، فنال عنده حظوة ومكانة عالية...حتى كان يدخل على عبد الله بنالعباس رضي الله عنه مع خواص الناس... وعالم آخر جليل مثل عطاء يدخل عليه معالعوام!!
وكان يقول فيه عبد الله بن العباس كلمة عظيمة... كان يقول: إني لأظن طاووساً من أهل الجنة!!!...
كان مولىفارسياً، يظن أنه ولد في خلافة عثمان رضي الله عنه، كان جميل الطلعة تاماً، بينعينيه أثر السجود يخضب بحناء شديد الحمرة... مرهف الحس، إذا مر في السوق لا يتحملأن يرى تلك الرؤوس المشوية، كان يغشى عليه ويظل تلك الليلة أرقاًً!!!...
سلكمسالك الصالحين، وزكّى نفسه حتى ظهر ذلك وبان للناس... ويكفيك كلمة بن عباس لتعلمالمقدار الذي وصل إليه...
قال عنه الزهري العالم الجليل: لو رأيت طاووساً علمت أنه لا يكذب...
قال ابن حبان: كان من عباد أهل اليمن ومن سادات التابعين... مستجابالدعوة
عن عمرو بن دينار قال: حدثنا طاووس ولاتحسبن فينا أحداً أصدق لهجةً من طاووس...
إن تزكية النفس تتم – بعد تركالمنهيات – هي بالإكثار من النوافل والمداومة على الذكر والدعاء... ولقد أخذ عالمناطاووس بهما... ووصلنا عنه بعض الصور عن عبادته...
كان يجلس بعد صلاة العصر لايكلم أحداً وابتهل في الدعاء...
وكان لا يترك قيام الليل... ولا ينام في السَحَرحتى ولو كان متعباً... بل كان يتعجب من رجل ينام في هذا الوقت المبارك... أتى طاووسرجلاً في السَحَر فقالوا: هو نائم، قال: ما كنت أرى أنأحداً ينام في السَحَر...
أوجّه هذا التوجيه المبارك – أيها الأخوةوالأخوات – إلى نفسي أولاً... ثم إلى قارئ هذه الأسطر، لعلنا نسلك سلوك هذا العابدالعالم فلا نترك هذا الوقت المبارك يفلت من أيدينا... وأسأل الله لي ولكم أن يمدنابمدد من عنده، وقوة من لدنه، حتى نستيقظ في السحر ونخلو بربنا ونكون ممن قال اللهتعالى عنهم: (( كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون))...
لقد أخذ طاووس بصيب وافرمن العبادة حتى أثمرت تلك العبادة شخصية مسلمة متميزة...
حلف إبراهيم بن ميسرةوهو مستقبل الكعبة: ورب هذه البنية ما رأيت أحداً الشريفوالوضيع عنده بمنزلة إلا طاووساً...
وهناك قصة قد تكون مصداقاً لهذاالكلام:
حج سليمان بن عبد الملك، فخرج حاجبه ذات يوم فقال: إن أمير المؤمنينقال: ابعثوا إلي فقيهاً اسأله عن بعض المناسك... قال: فمرَّ طاووس فقالوا: هذاطاووس اليماني... فأخذه الحاجب فقال: أجب أمير المؤمنين، فقال: اعفني، فأبى... قال: فأدخله عليه... فقال طاووس: فلما وقفت بين يديه قُلتُ: إنهذا المجلس يسألني الله عنه... فقلتُ: يا أمير المؤمنين إن صخرةً كانت على شفيرجُبٍّ في جهنم هوت فيها سبعين خريفاً حتى استقرت قرارها... أتدري لمن أعدهاالله؟... قال: لا... ثم قال: ويلك لمن أعدها الله؟؟... قلتُ: لِمَن أشرَكَهُ اللهفي حُكمِهِ فجار... قال: فبكا لها سليمان...
وإليك بعض كلماته التي بثها بينأصحابه وتلامذته، التي إذا أردنا أن نشرح كل واحدة منها لأخذت منا صفحات وصفحات،ولكني أترك للقارئ المجال أن يتفكر في كلامه ويتخلص منه الفوائد والحكم:
قالطاووس: ما من شيء يتكلم به ابن آدم إلا أحصي عليه... حتىأنينه في مرضه...
البخل أن يبخل الإنسان بما في يديه... والشح أن يحب الإنسانأن يكون له ما في أيدي الناس بالحرام لا يقنع...
ألا رجلٌ يقومُ بعشرِ آياتٍ منالليل فيصبح قد كُتِبَ له مائة حسنة أو أكثر من ذلك...
إن أكيس الكيِّسالتقيُّ... وأعجز العجز الفجور... وإذا تزوج أحدكم فليتزوج في معدنٍ صالحٍ... وإذااطلعتم من رجل على عملِ فَجَرَة فاحذروهُ، فإن لها أخوات...
قال طاووس: حلو الدنيا مُرُّ الآخرة... ومُرُّ الدنيا حلوُالآخرة...
عن عبد الله بن طاووس قال: قال لي أبي: يا بُني صاحب العقلاءَ تُنسَب إليهم وإن لم تكن منهم... ولاتصاحب الجهال فتنسب إليهم وإن لم تكن منهم... وأعلم أن لكل شيء غاية... وغاية المرءحُسنُ خُلُقِهِ...
قال عطاء: جاءني طاووس، فقال لي: يا عطاء... إياك أن ترفَعَ حوائِجَك إلى مَن أغلقَ دونَكَبابَهُ، وجعلَ دونَكَ حجاباً... وعليك بطلبِ حوائجِكَ إلى مَن بابُهُ مفتوحٌ لك إلىيومِ القيامة... طلبَ منكَ أن تدعوه، ووعدَكََ الإجابة...
قال أبو عبدالله الشامي: قال أتيت طاووساً فخرج إليَّ ابنُهُ شيخٌ كبيرٌ فقلتُ: أنت طاووس؟فقال: أنا ابنه... قلتُ: فإن كنتَ ابنَهُ فإنّ الشيخ قد خرف!! فقال: إن العالِمَ لايخرف... فدخلتُ عليه، فقال لي طاووس: سل وأوجز، قلت: إن أوجزت أوجزت لك، قال: تريدأن أجمع لك في مجلسي هذا التوراة والإنجيل والزبور والفرقان؟؟ قلت: نعم..
قال: خف الله تعالى مخافةً لا يكون عندك شئٌ أخوفَ منه... وأرجِه رجاءً هو أشدُ من خوفِك إياه... وأحبَّ للناسِ ما تحبُلنفسك...
ولقد حج طاووس بن كيسان أربعين حجة في حياته!!!... حتى أنه توفيوهو يؤدي هذه الفريضة في منى أو مزدلفة!!! ولكنه في مرة قام على صديق له مريض،يرعاه ويخدمه حتى فاته موسم الحج...
هنا نقطة ينبهنا إليها علماؤنا... وهي: هلقيامنا بالحج والعمرة مرات ومرات أمر ممدوح في عصرنا هذا؟؟
علماؤنا يقولون: لا... بل أن تقوم بالحج والعمرة المفروضتين ثم أن تلتفت إلى أمور أخرى ترعاها فيمجتمعك وتنفق هذا المال الذي تضعه في حجاتك وعمراتك في إغناء فقير أو تكفل يتيم أورعاية أرملة أو قضاء دين عن مديون أو دعماً للدعوة الإسلامية أو إنشاء مشروع فيهفائدة لمجتمعك هو أعظم أجراً عند الله... قرر ذلك شيخنا يوسف القرضاوي وأيد ذلكشيخنا محمد سعيد رمضان البوطي...
قد يكون هذا الأمر ممدوح لعالمنا وفقيهنا طاووسلأنه ربما رأى أن هذا أفضل عمل يقوم به، وأنه ليس عليه أي واجب آخر أهم منه، أوربما لحاجة الناس أن يتعلموا المناسك في الحج... ولكننا نرى أن طاووس قد خدم مريضاًوقام على شؤونه ووضع الحج جانباً، لأن ما قام به هو أهم من حج النافلة... نسأل اللهأن يفقهنا في ديننا...
قال أحدهم: مات طاووس بمكة فلم يصلوا عليه حتى بعث ابنهشام بالحرس قال فلقد رأيت عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب واضعاً السرير علىكاهله... قال: فلقد سقطت قلنسوة كانت عليه ومزق رداؤه من خلفه – من الزحام- توفيطاووس بالمزدلفة أو بمنى... فلما حُمِلَ أخذ عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالببقائمة السرير فما زايله حتى بلغ القبر... رحمه الله وجزاه عنا خير الجزاء.
اخي يوسف الفاضلي
بارك الله فيك
على هذا الموضوع الجميل عن هذا التابعي الجليل
بارك الله فيك على الموضوع الممتاز جدااا
ولك التحية
اخواني الافاضل :
بارك الله لي ولكم واشكركم على المرور
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات