جزاك الله خير
[align=center:3695ba22e1]شرح حديث ( دعوني ما تركتكم .. ) لابن سعدي . [/align:3695ba22e1]
الحديث الحادي والثمانون
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( دعوني ما تركتكم ؛ فإنما أهلك من كان قبلكم كثرةُ سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ) . متفق عليه .
هذه الأسئلة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها : هي التي نهى الله عنها في قوله : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ )) سورة المائدة 101 .
وهي الأسئلة عن أشياء من أمور الغيب ، أو من الأمور التي عفا الله عنها ، فلم يحرمها ولم يوجبها ، فيسأل السائل عنها وقت نزول الوحي والتشريع ، فربما وجبت بسبب السؤال ، وربما حرمت كذلك ، فيدخل السائل في قوله صلى الله عليه وسلم : ( أعظم المسلمين جرماً : من سَأل عن شيء لم يحرَّم فحرِّم من أجل مسألته ) .
وكذلك ينهى العبد عن سؤال التعنت والأغلوطات ، وينهى أيضاً عن أن يسأل عن الأمور الطفيفه غير المهمة ، ويدع السؤال عن الأمور
المهمة ، فهذه الأسئلة وما أشبهها هي التي نهى الشارع عنها .
وأما السؤال على وجه الاسترشاد عن المسائل الدينية من أصول وفروع ، عبادات أو معاملات ، فهي مما أمر الله بها ورسوله ، ومما حث عليها ، وهي الوسيلة لتعلم العلوم ، وإدراك الحقائق ، قال تعالى : ((فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {7})) سورة الأنبياء .
وقال : ((وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ {45})) سورة الزخرف .
إلى غيرها من الآيات . وقال صلى الله عليه وسلم : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) وذلك بسلوك طريق التفقه في الدين دراسة وتعلماً وسؤالاً . وقال : ( ألا سألوا إذ لم يعلموا ؟ فإنما شفاء العِيِّ السؤال ).
وقد أمر الله بالرفق بالسائل ، وإعطائه مطلوبه ، وعدم التضجر منه . وقال في سورة الضحى : ((وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ {10})) .
فهذا يشمل السائل عن العلوم النافعة والسائل لما يحتاجه من أمور الدنيا ، ومن مال وغيره .
ومما يدخل في هذا الحديث : السؤال عن كيفيه صفات الباري ؛ فإن الأمر في الصفات كلها كما قال الإمام مالك لمن سأله عن كيفية الاستواء على العرش ؟ فقال : ( الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ) .
فمن سأل عن كيفية علم الله ، أو كيفية خلقه وتدبيره ، قيل له : فكما أن ذات الله تعالى لا تشبهها الذوات ، فصفاته لا تشبهها الصفات ، فالخلق يعرفون الله ، ويعرفون ما تَعَرَّفَ لهم به من صفاته وأفعاله ، وأما كيفية ذلك ، فلا يعلم تأويله إلا الله .
ثم ذكر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أصلين عظيمين :
أحدهما : قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا نهيتكم عنه فاجتنبوه ) فكل ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال ، الظاهرة والباطنة ، وجب تركه ، والكف عنه ، امتثالاً وطاعة لله ورسوله .
ولم يقل في النهي : هو كف النفس ، وهو مقدور لكل أحد ، فكل أحد يقدر على ترك جميع ما نهى الله عنه ورسوله . ولم يضطر العباد إلى شيء من المحرمات المطلقة ؛ فإن الحلال واسع ، يسع الجميع الخلق في عباداتهم ومعاملاتهم ، وجميع تصرفاتهم .
وأما إباحة الميتة والدم ولحم الخنزير للمضطر ، فإنه في هذه الحالة الملجئة إليه قد صار من جنس الحلال ، فإن الضرورات تبيح المحظورات ، فتصيرها الضرورة مباحة ؛ لأنه تعالى إنما حرم المحرمات حفظاً لعباده ، وصيانةً لهم عن الشرور والمفاسد ، ومصلحة لهم ، فإذا قاوم ذلك مصلحة أعظم – وهو بقاء النفس – قدِّمت هذه على تلك رحمة من الله وإحساناً .
وليست الأدوية من هذا الباب ، فإن الدواء لا يدخل في باب الضرورات ، فإن الله تعالى يشفي المبتلى بأسباب متنوعة ، لا تتعين في الدواء . وإن كان الدواء يغلب على الظن الشفاء به ، فإنه لا يحل التداوي بالمحرمات ، كالخمر وألبان الحمر الأهلية ، وأصناف المحرمات، بخلاف المضطر إلى أكل الميتة ، فإنه يتيقن أنه إذا لم يأكل منها يموت .
الأصل الثاني : قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ) وهذا أصل كبير ، دل عليه أيضاً قوله تعالى : ((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) سورة التغابن 16 .
فأوامر الشريعة كلها معلقة بقدرة العبد واستطاعته . فإذا لم يقدر على واجب من الواجبات بالكلية ، سقط عنه وجوبه . وإذا قدر على بعضه – وذلك البعض عبادة – وجب ما يقدر عليه منه ، وسقط عنه ما يعجز عنه .
ويدخل في هذا من مسائل الفقه والأحكام ما لا يعد ولا يحصى . فيصلي المريض قائماً ، فإن لم يستطع صلى قاعداً ، فإن لم يستطع صلى على جنبه ، فإن لم يستطع الإيماء برأسه ، أومأ بطرفه . ويصوم العبد ما دام قادراًً عليه . فإن أعجزه مرض لا يرجى زواله ، أطعم عنه كل يوم مسكيناً ، وإن كان مرضاً يرجى زواله ، أفطر ، وقضى عدته من أيام أُخر .
ومن ذلك من عجز عن سترة الصلاة الواجبة ، أو عن الاستقبال أو توقي النجاسة : سقط عنه ما عجز عنه . وكذلك بقية شروط الصلاة وأركانها ، وشروط الطهارة .
ومن تعذرت عليه الطهارة بالماء للعدم ، أو للضرر في جميع الطهارة ، أو بعضها ، عدل إلى طهارة التيمم .
والمعضوب في الحج ، عليه أن يستنيب من يحج عنه ، إذا كان قادراً على ذلك بماله .
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يجب على من قدر عليه باليد ، ثم باللسان ثم بالقلب .
وليس على الأعمى والأعرج والمريض حرج في ترك العبادات التي يعجزون عنها ، أو تشق عليهم مشقة غير محتملة .
ومن عليه نفقة واجبة ، وعجز عن جميعها ، بدأ بزوجته ، فرقيقه ، فالولد ، فالوالدين ، فالأقرب ثم الأقرب . وكذلك الفطرة .
وهكذا جميع ما أمر به العبد أمر إيجاب أو استحباب ، إذا قدر على بعضه ، وعجز عن باقيه ، وجب عليه ما يقدر عليه ، وسقط عنه ما عجز عنه . وكلها داخلة في هذا الحديث .
ومسائل القرعة لها دخول في هذا الأصل ؛ لأن الأمور إذا اشتبهت : لمن هي ، ومن أحق بها ؟ رجعنا إلى المرجحات . فإن تعذر الترجيح من كل وجه ، سقط هذا الواجب للعجز عنه ، وعدل إلى القرعة التي هي غاية ما يمكن . وهي مسائل كثيرة معروفة في كتب الفقه .
والولايات كلها – صغارها وكبارها – تدخل تحت هذا الأصل ؛ فإن كل ولاية بجب فيها تولية المتصف بالأوصاف متى يحصل بها مقصود الولاية . فإن تعذرت كلها ، وجب فيها تولية الأمثل فالأمثل .
وكما يستدل على هذا الأصل بتلك الآية وذلك الحديث ، فإنه يستدل عليها بالآيات والأحاديث التي نفى الله ورسوله فيها الحرج عن الأمة ، كقوله تعالى :
(( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا )) سورة البقرة 186 .
(( لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا)) سورة الطلاق 7 .
(( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)) سورة الحج 78.
(( مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ )) سورة المائدة 6 .
(( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )) سورة البقرة 185 .
(( يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ )) سورة النساء 28 .
فالتخفيفات الشرعية في العبادات وغيرها بجميع أنواعها داخلة في هذا الأصل ، مع ما يستدل على هذا بما لله تعالى من الأسماء والصفات المقتضية لذلك ، كالحمد والحكمة ، والرحمة الواسعة ، واللطف والكرم والامتنان . فإن آثار هذه الأسماء الجليلة الجميلة كما هي سابغة وافرة واسعة في المخلوقات والتدبيرات ، فهي كذلك في الشرائع ، بل أعظم لأنها هي الغاية في الخلق . وهي الوسيلة العظمى للسعادة الأبدية .
فالله تعالى خلق المكلفين ليقوموا بعبوديته . وجعل عبوديته والقيام بشرعه طريقاً إلى نيل رضاه وكرامته . كما قال تعالى – بعد ما شرع الطهارة بأنواعها – (( مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {6} )) سورة المائدة 6 .
فظهرت آثار رحمته ونعمته في الشرعيات والمباحات ، كما ظهرت في الموجودات . فله تعالى أتم الحمد وأعلاه ، وأوفر الشكر والثناء وأغلاه ، وغاية الحب والتعظيم ومنتهاه . وبالله التوفيق .
( من ص 151 – 156 من المجموعة الكاملة لمؤلفات عبد الرحمن بن ناصر السعدي الجزء الثاني – الحديث – المسمى بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخبار في شرح جوامع الأخبار )
قال الامام مالك رحمه الله تعالى: من ابتدع في الاسلام بدعة يراها حسنة ، فقد زعم ان محمداصلى الله عليه وسلم خان الرسالة، لان الله يقول( اليوم اكملت لكم دينكم ) فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم دينا.
جزاك الله خير
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات