3203- (ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم، تقذرهم نفس الله، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير).
قال الالباني في السلسلة الصحيحة :
أخرجه أ بو داود(1/388- جهاد)، وا لحا كم (4/ 486- 487)، وعبد الرزاق
(11/376/20790)،وأحمد(2/84 و 198- 199و209)،وأبو نعيم في "الحلية" (6/54 و 66)،وابن عساكر في"تاريخ دمشق "(1/149 و150- طبع دمشق) من طريق شهر بن حوشب عن عبدالله بن عمرو بن العاص مرفوعاً... وفيه قصة.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، سكت عنه الحاكم والذهبي، وعلته شهر هذا؛
فإنه ضعيف لسوء حفظه. ومع ذلك؛ فقد قال الحافظ في "الفتح " (11/380): "أخرجه أحمد، وسنده لا بأس به "!
ثم وجدت للحديث طريقاً أخرى، وشاهداً، يتقوى الحديث بهما ولا بد.
أما الطريق الأخرى؛ فقال الحاكم (4/ 510): أخبرني أحمد بن محمد بن
سلمة العنزي (!): ثنا عثمان بن سعيد الدارمي: ثنا عبدالله بن صالح: ثنا موسى ابن علي بن رباح قال: سمعت أبي يقول:
خرجت حاجّاً، فقال لي سليمان بن عنز- قاضي مصر-: أبلغ أبا هريرة مني السلام، وأعلمه أني قد استغفرت الغداة له ولأمه، فلقيته؛ فأبلغته، قال: وأنا قد استغفرت له، ثم قال: كيف تركتم أم حنو؟ يعني مصر، قال: فذكرت له من رفاهيتها وعيشها، قال: أما إنها أول الأرض خراباً، ثم أرمينية؛ قلت: سمعت ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا، ولكن حدثني عبدالله بن عمرو بن العاص
- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"إنها تكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض .. " الحديث.
وقال الحاكم:
"حديث صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي!
وأقول: عبدالله بن صالح- وهو أبو صالح كاتب الليث- ليس من رجال
مسلم، ثم إن فيه كلاما من قبل حفظه، وقد توسط فيه الحافظ في "مقدمة
الفتح "، فقال بعد أن ساق أقوال أئمة الجرح فيه:
"قلت: ظاهر كلام هؤلاء الأئمة أن حديثه في الأول كان مستقيماً، ثم طرأ عليه فيه تخليط، فمقتضى ذلك أن ما يجيء من روايته عن أهل الحذق، كيحيى ابن معين والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم؛ فهو من صحيح حديثه، وما يجيء من رواية الشيوخ عنه فيتوقف فيه... ".
قلت: ولعل من هؤلاء الحذاق عثمان بن سعيد الدارمي؛ فقد ذكر الذهبي
في ترجمته من "السير" (13/ 320) أنه أخذ علم الحديث وعلله عن علي ويحيى وأحمد، وفاق أهل زمانه، ووصفه في مطلع ترجمته بـ: "الإمام العلامة الحافظ الناقد... ".
لكن يبقى النظر في حال شيخ الحاكم أحمد بن محمد بن سلمة العنزي؛ فإني لم أجد له ترجمة ، لكن يظهر من تصحيح الحاكم لحديثه هذا أنه ثقة عنده.
وقد ذكره الذهبي في الرواة عن الدارمي، لكنه لم يسم جده، وقال في نسبته (العنبري ) مكان (العنزي)، فهو ممن يستشهد به على الأقل. والله أعلم.
وأما الشاهد؛ فيرويه يحيى بن حمزة: ثنا الأوزاعي عن نافع- وقال أبو
النضر: عمن حدثه عن نافع- عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"سيهاجر أهل الأرض هجرة بعد هجرة... " الحديث.
أخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات " (ص 464) وابن عساكر (1/ 151)
من طريق أبي النضر إسحاق بن إبراهيم بن يزيد وهشام بن عمار الدمشقيين قالا: ثنا يحيى بن حمزة به.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال البخاري، فهو صحيح؛ لولا الواسطة
بين الأوزاعي ونافع؛ فإنه لم يسم، مع أن رواية الأوزاعي عن نافع ثابتة في "صحيح البخاري ".
وعلى كل حال؛ فهو شاهد صالح، وبه يرتقي الحديث إلى مرتبة الصحة إن
شاء الله تعالى.
وهنا بعض التنبيهات التي لا بد منها:
أولاً: كنت ذكرت الحديث في "الضعيفة" برقم (3697) من الطريق الأولى، فلما وقفت على الطريق الأخرى والشاهد؛ لم استجز إبقاءه هناك، فنقلته إلى
هنا، سائلاً المولى سبحانه وتعالى مزيداً من التوفيق والهداية.
ثانياً: وبناء على ذلك نقلته أيضاً من "ضعيف الجامع " (3258) إلى "صحيح الجامع "، فالرجاء من مقتنيهما، أن يفعل هذا.
ثالثاً : لقد جاء الحديث في "الفتح الكبير" الذي هو أصل كتابي "صحيح
الجامع"و"ضعيف الجامع"غير مرموز له بحرف(ز)إشارة إلى أنه من"الزيادة على الجامع الصغير" كما جرى عليه مؤلف "الفتح "، وبناء عليه؛ جاء في "ضعيف الجامع وزيادته"غير مقرون برقمه الخاص الذي كنت اصطلحت عليه مكان حرف(ز)؛والآن تبين لي أنه ليس في"الجامع الصغير" وإنما في"الزيادة عليه" فاقتضى التنبيه.
رابعاً :أشار المنذري إلى تقوية الحديث بمجموع الطريقين عن ابن عمرو؛ بتصديره إياه بلفظ: "عن "، ولكنه في الوقت نفسه أشار إلى تخطئة الحاكم في تصحيحه إسناده، بقوله (3/62):
"رواه أبو داود عن شهر عنه، والحاكم عن أبي هريرة عنه، وقال: "صحيح
على شرط الشيخين " كذا قال! ".
وقد عرفت علة إسناده، وأنه محل للاستشهاد به، ولعله لذلك جزم شيخ الإسلام ابن تيمية بنسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير ما موضع من "فتاويه "، فانظر (ص 41 و 44و509) من المجلد (27) من "مجموع الفتاوى"، وقال في الصفحة الأخيرة من المذكورات؛ في فصل كان عقده في فضل الشام وأهله:
"وفي هذا الحديث بشرى لأصحابنا الذين هاجروا من (حران) وغيرها إلى مهاجر إبراهيم، واتبعوا ملة إبراهيم، ودين نبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبيان أن هذه الهجرة التي لهم بعد (كذا، ولعل الصواب: تعدل) هجرة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، لأن الهجرة إلى حيث يكون الرسول وآثاره، وقد جعل مهاجر إبراهيم يعدل لنا مهاجر نبينا - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن الهجرة انقطعت بفتح مكة".
وبهذه المناسبة يحق لي أن أقول بيانأ للتاريخ، وشكرأ لوالدي- رحمه الله تعالى-:
وكذلك في الحديث بشرى لنا: آل الوالد الذي هاجر بأهله من بلده
(أشقودرة)عاصمة (ألبانيا) يومئذ ؛ فراراً بالدين من ثورة (أحمد زوغو) أزاغ الله قلبه، الذي بدأ يسير في المسلمين الألبان مسيرة سلفه (أتاتورك) في الأتراك، فجنيت- بفضل الله ورحمته - بسبب هجرته هذه إلى ( دمشق الشام ) ما لا أستطيع أن أقوم لربي بواجب شكره،ولو عشت عمر نوح عليه الصلاة والسلام؛ فقد تعلمت فيها اللغة العربية السورية أولاً، ثم اللغة العربية الفصحى ثانياً، الأمر الذي مكنني أن أعرف التوحيد الصحيح الذي يجهله أكثر العرب الذين كانوا من
حولي- فضلاً عن أهلي وقومي-؛ إلا قليلاً منهم، ثم وفقني الله- بفضله وكرمه
دون توجيه من أحد منهم- إلى دراسة الحديث والسنة أصولاً وفقهاً، بعد أن درست على والدي وغيره من المشايخ شيئاً من الفقه الحنفي وما يعرف بعلوم الآلة، كالنحو والصرف والبلاغة، بعد التخرج من مدرسة (الإسعاف الخيري) الابتدائية، وبدأت أدعو من حولي من إخوتي وأصحابي إلى تصحيح العقيدة، وترك التعصب المذهبي، وأحذرهم من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وأرغبهم في إحياء السنن الصحيحة التي أماتها حتى الخاصة منهم، وكان من ذلك إقامة صلاة العيدين في المصلى في دمشق، ثم أحياها إخواننا في حلب، ثم في بلاد أخرى في سوريا، واستمرت هذه السنة تنتشر حتى أحياها بعض إخواننا في (عمان/ الأردن)؛ كما حذرت الناس من بناء المساجد على القبور والصلاة، وألفت في ذلك كتابي "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد"، وفاجأت قومي وبني وطني الجديد بما لم يسمعوا من قبل، وتركت الصلاة في المسجد الأموي، في الوقت الذي كان يقصده بعض أقاربي؛ لأن قبر يحيى فيه كما يزعمون! ولقيت في سبيل ذلك- من الأقارب والأباعد- ما يلقاه كل داعية للحق لا تأخذه في الله
لومة لائم، وألفت بعض الرسائل في بعض المتعصبين الجهلة، وسُجِنْتُ مرتين بسبب وشاياتهم إلى الحكام الوطنيين والبعثيين، وبتصريحي لبعضهم حين
سئلت: لا أؤيد الحكم القائم؛ لأنه مخالف للإسلام، وكان ذلك خيراً لي وسبباً
لانتشار دعوتي.
ولقد يسر الله لي الخروج للدعوة إلى التوحيد والسنة إلى كثير من البلاد السورية والعربية، ثم إلى بعض البلاد الأوروبية، مع التركيز على أنه لا نجاة للمسلمين مما أصابهم من الاستعمار والذل والهوان، ولا فائدة للتكتلات
الإسلامية، والأحزاب السياسية إلا بالتزام السنة الصحيحة وعلى منهج السلف الصالح- رضي الله عنهم- ؛ وليس على ما عليه الخلف اليوم- عقيدة وفقهاً وسلوكاً-؛ فنفع الله ما شاء ومن شاء من عباده الصالحين، وظهر ذلك جليّاً
في عقيدتهم وعبادتهم، وفي بنائهم لمساجدهم، وفي هيئاتهم وألبستهم، مما يشهد به كل عالم منصف، ولا يجحده إلا كل حاقد أو مخرف، مما أرجو أن يغفر الله لي بذلك ذنوبي، وأن يكتب أجر ذلك لأبي وأمي، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحاتربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين )، ربِّ (.. وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين ).
خامساً: كنت علَّقت على الفصل المشار إليه آنفاً، حين قام بطبعه صاحب المكتب الإسلامي بتعليقي عليه، ألحقه بكتابي "تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق للربعي "، وفيه هذا الحديث كما تقدم، وكنت علقت عليه بما خلاصته أنه حديث حسن، ثم خرجته من الطريقين عن ابن عمرو مبيِّنآً علتهما باختصار، وختمته بقولي:
"ولكن الحديث قوي بمجموع الطريقين إن شاء الله تعالى".
ولما قام بطبع مشروعي "صحيح السنن الأربعة" و"ضعيفها" بتكليف من "مكتب التربية العربي "دون علمي؛ أخذ يتصرف بها ويعلق عليها كما يوحي إليه جهله وغروره بما لا يتسع المجال الآن لبيانه، ولا سيما وقد بينت شيئاًً من ذلك في غير ما موضع.
والمقصود الآن أن هذا الحديث، كنت أوردته في "ضعيف أبي داود" لضعف
إسناده كما تقدم بيانه، وبناءً على الاتفاق القائم بيني وبين مكتب التربية- كما
هو منصوص عليه في مقدمة "ضعيف أبي داود" (ص 8- 9) وغيره-؛ فقلت فيه تحت الحديث:
"ضعيف".
أي: ضعيف إسناده، فأضاف الصاحب من عنده معتدياً:
" [ضعيف الجامع الصغير] ".
وزاد في الاعتداء فعلق عليه بما لا يخرج عن الخلاصة التي ذكرتها آنفاً،
ولكن بأسلوب ماكر يفهم القارئ منه أنني متناقض، تماماً كما يفعل ذاك السقاف الجاهل الحاقد مدعي "التناقضات " بجهله المتراكم، فسار على وتيرته الصاحب القديم! بالتعليق المشار إليه، وكان حقه- لو اتقى الله وأنصف- أن يبين أنه لا تناقض بين التضعيف؛ فهو بالنظر لسند أبي داود، والتحسين؛فهو بالنظر لمجموع الطريقين كما هو صريح في تخريجي على الفصل المشار إليه آنفاً.
ولم يكتف بهذا الاعتداء؛ بل جاء بثالثة الأثافي!فأخذ يوهم القراء
التناقض في اسم صحابي الحديث؛ إذ وقع في التعليق المذكور "ابن عمر" خطأ مطبعيّاً أو قلمياً، قال:
"وذكر في "صحيح (كذا) الجامع " أنه عن ابن عمرو"!
هكذا وقع في تعليقه هذا: "صحيح الجامع "! وهو خطأ أيضاً قلمي أو مطبعي، فكأن الله أراد أن يخزيه فوقع فيما رمى به غيره؛ مصداقاً للحكمة القائلة:"من حفر بئراً لأخيه؛وقع فيه " ! فاعتبروا يا أولي الأبصار!والله المستعان، ولا حول ولا قوة
إلا بالله،نسأل الله تعالى أن يحفظنا من فتن هذا الزمان وشرور أهله.
ثم رأيت الحافظ إبراهيم الناجي قد نبه في"عجالة الإملاء"(ق 5 20/ 1) أن
قول المنذري- فيما تقدم- أن الحاكم رواه عن أبي هريرة عن ابن عمرو وهم؛ إذ ليس في إسناد الحاكم ذكر لأبي هريرة مطلقاً! ومن الواضح جداً أنه يعني الطريق الأولى التي فيها شهر، وأنه لم يقف على الطريق الأخرى، فإنها من رواية أبي هريرة عن ابن عمرو- رضي الله عنهما-.
وإن من غفلة المعلقين الثلاثة على "الترغيب " وجهلهم وتقليدهم؛ أنهم مع عزوهم (3/642) الحديث للحاكم برقم الصفحة التي فيها الطريق الأخرى ؛ فإنهم مع ذلك ضعفوا الحديث وأعلُّوه بـ (شهر بن حوشب)!!*
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات