موازنة بين الخوارج والشيعة
قد لا يدرك البعض أن الخوارج والشيعة كانت نشأتهما في وقت واحد ، ومن منبت واحد ، لكن كثيرا من أصولهما وغاياتهما تختلف . لذلك اتفقت الفرقتان في أمور ، وتباينتا في أمور أخرى .
فقد اتفقت ( الخوارج والشيعة ) فيما يلي :
1- الغلو :
فقد اتفقتا في أصل الغلو ، واختلفتا في صوره ، فكان غلو الخوارج في تشددهم في الدين والأحكام ، والبراء وشدة الموقف من المخالفين ، وما استلزمه ذلك من التكفير والخروج والقتال ، وكان غلو الشيعة في الأشخاص ؛ حيث غلوا في علي – رضي الله عنه - وآل البيت ، وغيرهم .
2- الجهل والحمق وقصر النظر :
فكل من الخوارج والشيعة فيهم جهل وحمق وقصر نظر غالباً ، ولا أدل على جهل الخوارج من مواقفهم من الصحابة ، وخروجهم على الإمام والجماعة ، ولا على جهل الشيعة من غلوهم في علي – رضي الله عنه - مع براءته من فعلهم ، وتأديبه لطوائف منهم .
3- قلة العلم الشرعي وضعف الفقه في الدين :
أما الخوارج فكانت السمة الغالبة فيهم الاغترار بالعلم القليل ، وليس لهم جلد على طلب العلم والرسوخ فيه .
وأما الشيعة فلا يطلبون العلم عن أهله ، ولا يأخذونه عن أئمة السنة ، وأغلب مصادر علمهم من أهل الكذب والوضع ، وكلا الفرقتين لا يهتم غالباً بالحديث والسنن إلا ما يوافق أهواءهم .
4- مجانبة السنة والخروج على جماعة المسلمين وأئمتهم :
أما الخوارج فإنها فارقت الجماعة في الاعتقاد والعمل ، وخرجت على أئمة المسلمين بالسيف .
وأما الشيعة فإنها فارقت الجماعة في الاعتقاد والعمل ، وترى الخروج بالسيف ، لكنه مشروط عندهم بخروج مهديهم الموهوم ، ومع ذلك كانوا يسارعون في الإسهام في كل فتنة تضر بالمسلمين .
5- ترك العمل بالحديث وآثار السلف :
كل من الخوارج والشيعة لا يعتمدون على السنة الصحيحة أو أكثرها إلا فيما يرون أنه يعضد أهواءهم ، ويجانبون آثار السلف .
6- فساد الاعتقاد في الصحابة :
أما الخوارج فيكفرون بعض الصحابة ؛ كعلي ، وعثمان ، ومعاوية ، وأبي موسى ، وعمرو بن العاص – رضي الله عنهم - وأصحاب الجمل وصفين أو أكثرهم ، ويسبون بعض السلف ويلمزونهم .
وأما الشيعة ( الرافضة ) فيكفرون سائر الصحابة ولا يستثنون إلا نفراً قليلاً ، ويسبون كل السلف أئمة الدين فضلاً عن سائر أهل السنة .
7- تكفير المخالف لهم من المسلمين :
الخوارج والشيعة كلهم يكفرون المسلمين الذين يخالفونهم ، وإن اختلفت أصول التكفير وأسبابها عند كل فرقة .
فالخوارج كفروا بعض الصحابة بسبب التحكيم ؛ عمله أو إقراره . وكفروا مرتكب الكبيرة من المسلمين ، وكفروا كل من خالفهم ولم ينضم لمعسكرهم على اختلاف بينهم في درجة الكفر ( كفر شرك أو كفر نعمة ) .
أما الرافضة فكما كفروا سائر الصحابة وزعموا أنهم مرتدون إلا نفراً قليلاً لا يتجاوز السبعة عند بعضهم ، فقد كفروا سائر أئمة المسلمين وعامتهم .
واختلفت الفرقتان في أمور كثيرة منها :
1- الشيعة غلت في آل البيت وقدستهم ، في حين أن الخوارج الأولين أبغضوهم وناصبوهم العداء لذلك سموا ( ناصبة ) .
2- الشيعة تعتمد على الكذب في الرواية والتلقي لمصادر الدين ، ويكذبون على الخصوم وعلى أنفسهم ، والخوارج لا يكذبون في الدين ، ولا في الرواية ، ولا على خصومهم ؛ لأنهم يرون الكذب من كبائر الذنوب التي توجب التكفير ، لكن جهلهم أودى بهم إلى اتباع أهواءهم
3- الخوارج يعلنون أقوالهم وعقائدهم ومواقفهم ، والشيعة يدينون بالتقية ( النفاق ) ماداموا بين ظهراني المسلمين ، ولم تكن لهم دولة وولاية .
4- الخوارج يلزمون أنفسهم بقتال المخالفين في أكثر الأحوال ، أما الشيعة فإنهم غالباً لا يقاتلون إلا مع إمام من أئمتهم الذين يزعمون أنهم معصومون ، ويصفونهم بما لا يجوز إلا لله – تعالى- مع علم الغيب ، والتصرف في مقاليد الكون ومصائر العباد وقلوبهم ، والتشريع من دون الله ، لكنهم مع ذلك يسارعون في كل فتنة تضر بالمسلمين .
5- أكثر الخوارج من الأعراب وأهل الجفاء والغلظة في الطباع ، وأكثر الشيعة من العجم والهمج والرعاع .
6- من طباع الشيعة الخيانة والغدر والكيد الخفي لخصومهم ( أهل السنة ) ، أما الخوارج فهم بعكس ذلك فإن فيهم صراحة ومعالنة ، ويصدعون بالبراء من خصومهم ، ويعلنون مبادئهم ومواقفهم من الآخرين ، لكن بقسوة وعنف .
7- الخوارج صعب قيادهم ولا يسلمون لأحد ، أما الشيعة فهم أهل طاعة عمياء ، يتبعون كل ناعق ، وكل من رفع شعاراتهم وادعى محبة آل البيت وتقديسهم والانتصار لهم تبعوه ، وقد يكون زنديقاً أو فاجراً ، ولذلك يكثر فيهم الدجالون ومدعو النبوة ، وأهل الفجور والفحش .
8- الخوارج يأخذون بظواهر النصوص دون فقه ، ولا اعتبار لدلالة المفهوم ، ولا قواعد الاستدلال ، ولا الجمع بين الأدلة ، ولا اعتبار عندهم لفهم العلماء ؛ لذا غلبوا نصوص الوعيد والخوف ، وأهملوا نصوص الوعد والرجاء ، والشيعة بعكسهم فهم أهل تأويل وتعطيل للنصوص ، ولا يأخذون بدلالة النصوص اللغوية ولا الشرعية ، ويفسرونها على هواهم ، على النهج الباطني والرمزي والإشاري ، ويتبعون زعماءهم بلا بصيرة ويزعمون لهم العصمة .
9- الخوارج ليس منهم زنادقة وليس فيهم نفاق ، أما الرافضة فيكثر فيهم وبينهم الزنادقة والمنافقون ؛ لذا تفرعت عنهم المذاهب الباطنية والإلحادية ، وكثرت بينهم دعاوى النبوة ، ودعاوى المهدية ، والمتأمل للتاريخ يجد أكثر المذاهب والنحل الخبيثة والهدامة تنتحل الرافض والتشيع .
10- مصادر التلقي عند الخوارج أسلم من مصادر التلقي عند الرافضة ، فالخوارج يتبعون القرآن بمقتضى فهمهم - وإن أخطأوا في ذلك- ، أما الرافضة فيتلقون عما يسمونه المعصوم من أئمتهم ، ويكذبون على الأئمة وغيرهم ، بل وعلى الرسول - صلى الله عليه وسلم- ثم يصدقون كذبهم بعد ذلك .
11- الرافضة تقوم أصولهم على البدع والمحدثات والشركيات ، في الاعتقادات والعبادات وكثير من الحكام . أما الخوارج فالبدع الشركية وبدع العبادات والقبورية والصوفية فيهم قليلة .
12- وبالجملة ، فإن الرافضة كانوا عبر التاريخ أضر على الأمة وأعظم كيداً للمسلمين ، وأكثر محادة لله – تعالى- ودينه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- وعباده المؤمنين ؛ لأنهم كانوا خوارج من حيث اعتقاد الخروج والعمل عليه وتكفير المسلمين ، ويزيدون على الخوارج في ذلك وفي أصولهم الباطلة التي تخصهم ، كالإمامة والعصمة والتقية والرفض والنفاق .
هذا ... وقد عقد شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – موازنة بين الشيعة ( الرافضة ) والخوارج في أكثر من موضع من مصنفاته ، رأيت من المفيد هنا ذكر طائفة منها ، ومن ذلك قوله – رحمه الله تعالى - :
" وحال الجهمية والرافضة شر من حال الخوارج ، فإن الخوارج كانوا يقاتلون المسلمين ، ويَدَعُون قتال الكفار ، وهؤلاء أعانوا الكفار على قتال المسلمين ، وذلوا للكفار ، فصاروا معاونين للكفار أزلاء لهم ، معادين للمؤمنين أعزاء عليهم ، كما قد وُجد مثل ذلك في طوائف القرامطة والرافضة والجهمية النفاة والحلولية ، ومن استقرأ أحوال العالم رأى من ذلك عبراً ، وصار في هؤلاء شبه من الذين قال الله فيهم : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً}( ) .
وقال : " وهؤلاء الرافضة إن لم يكونوا شراً من الخوارج المنصوصين فليسوا دونهم ، فإن أولئك إنما كفروا عثمان وعلياً ، وأتباع عثمان وعلي فقط ، دون من قعد عن القتال ، أو مات قبل ذلك .
والرافضة كفرت أبا بكر وعمر وعثمان ، وعامة المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان – رضي الله عنهم ورضوا عنه - ، وكفروا جماهير أمة محمد - صلى الله عليه وسلم- من المتقدمين والمتأخرين ، فيكفرون كل من اعتقد في أبي بكر وعمر والمهاجرين والأنصار العدالة ، أو ترضى عنهم كما رضي الله عنهم أو يستغفر لهم كما أمر الله بالاستغفار لهم ، ولهذا يكفرون أعلام الملة مثل : سعيد بن المسيب ، وأبي مسلم الخولاني ، وأويس القرني ، وعطاء بن رباح ، وإبراهيم النخعي ، ومثل: مالك ، والأوزاعي ، وأبي حنيفة ، وحماد بن زيد ، وحماد بن سلمة ، والثوري ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، والفضيل بن عياض ، وأبي سليمان الدارني ، ومعروف الكرخي ، والجنيد بن محمد ، وسهل بن عبد الله التستري ، وغير هؤلاء ، ويستحلون دماء من خرج عنهم ، ويسمون مذهبهم مذهب الجمهور ، كما يسميه المتفلسفة ونحوهم بذلك " ( ) .
وقال : " ويرون أن حج هذه المشاهد المكذوبة وغير المكذوبة من أعظم العبادات ، حتى إن من مشايخهم من يفضلها على حج البيت الذي أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم- ، ووصف حالهم يطول .
فبهذا يتبين أنهم شر من عامة أهل الأهواء ، وأحق بالقتال من الخوارج ، وهذا هو السبب فيما شاع في العرف العام من أن أهل البدع هم الرافضة ، فالعامة شاع عندها أن ضد السني هو الرافضي فقط ؛ لأنهم أظهر معاندة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرائع دينه من سائر أهل الأهواء " ( ) .
وقال : " وأيضاً فالخوارج كانوا يتبعون القرآن بمقتضى فهمهم ، وهؤلاء ( أي الرافضة ) إنما يتبعون الإمام المعصوم عندهم الذي لا وجود له ، فمستند الخوارج خير من مستندهم ، وأيضاً الخوارج لم يكن منهم زنديق ولا غال ، وهؤلاء فيهم من الزنادقة والغالية من لا يحصيه إلا الله ، وقد ذكر أهل العلم أن مبدأ الرفض إنما كان من الزنديق عبد الله بن سبأ ، فإنه أظهر الإسلام ، وأبطن اليهودية ، وطلب أن يفسد الإسلام كما فعل بولص النصراني ، الذي كان يهودياً ، في إفساد دين النصارى ) ( ) .
وقال : " وإنما كان هؤلاء شراً من الخوارج الحرورية ، وغيرهم من أهل الأهواء ، لاشتمال مذاهبهم على شر مما اشتملت عليه مذاهب الخوارج ؛ وذلك لأن الخوارج الحرورية كانوا أول أهل الأهواء خروجاً عن السنة والجماعة " ( ) .
وقال : " وأيضاً فإن الخوارج الحرورية كانوا ينتحلون اتباع القرآن بآرائهم ويدعون اتباع السنن التي يزعمون أنها تخالف القرآن ، والرافضة تنتحل اتباع أهل البيت وتزعم أن فيهم المعصوم الذي لا يخفى عليه شيء من العلم ولا يخطئ ؛ لا عمداً ولا سهواً ولا رشداً " ( ) .
وقال : " والرافضة أشد بدعة من الخوارج ، وهم يكفرون من لم تكن الخوارج تكفره كأبي بكر وعمر ، ويكذبون على النبي - صلى الله عليه وسلم- والصحابة كذباً ما كذب أحد مثله ، والخوارج لا يكذبون علياً ، لكن الخوارج كانوا أصدق وأشجع منهم وأوفى بالعهد منهم ، فكانوا أكثر قتالاً منهم ، وهؤلاء أكذب وأجبن وأغدر وأذل " ( ) .
أما بعض الشيعة الأوائل ( المفضلة ) فهم خير من الخوارج :
هناك طائفة نسبت إلى التشيع ، وقد اندثرت ، وليست على نهج الشيعة الرافضة ، ولا الشيعة الزيدية ، وكان تشيعها ينحصر في تفضيل علي – رضي الله عنه - على سائر الصحابة – رضي الله عنهم - وعلى أبي بكر وعمر مع إقرارهما بإماماتهما ، وقد قال شيخ الإسلام في هذه الفئة : " ولهذا كانت الشيعة المتقدمون خيراً من الخوارج الذين قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- .
وأما كثير من متأخري الرافضة ، فقد صاروا شراً من الخوارج بكثير ، بل فيهم من هو أعظم نفاقاً بمنزلة المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أو فوقهم أو دونهم ؛ ولهذا قال البخاري صاحب الصحيح في كتاب ( خلق أفعال العباد ) : لا أبالي أصليت خلف الجهمي أو الرافضي ، أو صليت خلف اليهودي والنصراني ، ولا يسلم عليهم ، ولا يُعادُون ، ولا يناكحون ، ولا يشهدون ، ولا تؤكل ذبائحهم ( ) .
وبعد هذه المقارنة بين الخوارج والشيعة والتي سقتها هنا لاشتراك الفرقتين في النشأة والأسباب ، ولأني كنت سأتحدث عن الفرقتين في فصل واحد لكني عدلت عن ذلك لأسباب ليس هذا محل ذكرها ، فرأيت أنه من المفيد إبقاء هذه الموازنة بين هاتين الفرقتين السبئيتين إتماماً للفائدة .
أقول : وبعد هذه الموازنة أنقل القارئ الكريم إلى الحديث عن الخوارج مستعيناً بالله
المفضلات