الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم:
(إن الله احتجز التوبة على صاحب البدعة)
قال المصَنِّفُ: هذا[1]مروي من حديث أنس[2] ومن مراسيل الحسن[3].
مراد المصنف: من إيراده لهذا الباب:قال العلامة ابن باز: المقصود بهذا الباب بيان خطر البدعة، وأن من أخطار البدعة: أن صاحبها لا يوفق للتوبة، يرى أنه مصيب ويستمر على الباطل، هذا من أخطارها وبلائها.فالواجب الحذر من البدع؛ لأنها شر عظيم، كما ذكر ق في الحديث الصحيح: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا؛ فهو رد».وقال: «كل بدعة ضلالة»، لا حول ولا قوة إلا بالله؛ اهـ.حكم العلامة ابن باز: على حديث: (إن الله احتجز التوبة...).سئل سماحة الشيخ ابن باز - أثناء شرحه - عن صحة حديث: (إن الله احتجز التوبة...)،فأجاب سماحته: الحديث يحتاج إلى تأمل، ونظر في سنده، يراجع.ثم أجاب مرة أخرى في أحد الدروس عن الحديث ومعناه قائلًا: وهذا هو الحق: أن الله احتجب التوبة عن صاحب البدعة؛ اهـ.قلت: قد تقدم في التخريج أن الحديث حسن، والله أعلم.معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله احتجز التوبة ـ أو حجب التوبة ـ عن المبتدع):قال الشيخ ابن باز ـ عقب كلامه السابق ـ: ومعناه: أنه يستحسنها ويرى أنه مصيب، ولهذا فالغالب أنه يموت عليها والعياذ بالله؛ لأنه يرى أنه مصيب، بخلاف صاحب المعصية الذي يعرف أنه عاص، وأنه مجرم، وأنه مخطئ؛ فيتوب، وقد يتوب الله عليه.لكن صاحب البدعة على خطر؛ لأنه يستحسنها ويتبع هواه، ولهذا فهو على خطر، فيحجب عن التوبة لاستحسانه للبدعة، وظنه أنه على هذى واعتقاد أنه على حق.أما إذا هداه الله وتبصَّر وتاب، تاب الله عليه، وجميع الذنوب إذا تاب منها العبد؛ تاب الله عليه حتى الشرك الذي هو أكبر من البدعة.فالكفر بالله إذا تابَ منه العبدُ تاب اللهُ عليه، والكفار من قريش وغيرهم لما تابوا تاب الله عليهم، وهكذا سحرة فرعون لما تابوا تاب الله عليهم.وهكذا صاحب البدعة إذا بصَّره الله وتاب منها، تاب الله عليه، فهو من باب الوعيد، مثل الحديث الصحيح: «مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ الله مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا»، فهو من باب الوعيد؛ اهـ.وقال في موضع آخر: لكن إنما يخشى عليهم، وذلك أن الغالب عليهم أنهم يستحسنون آرائهم ويبقون عليها، نسأل الله العافية.
وإلا فإن كثيرًا من أهل البدع تابوا وتاب الله عليهم، وإن صح الحديث فهو من باب الوعيد والتحذير ـ نسأل الله العافية ـ مثل ما قال صلى الله عليه وسلم في المدينة: «مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ الله مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا».
هذا من باب الوعيد، وإلا من تاب، تاب الله عليه؛ اهـ.
[1] الضمير يعود على ما بوب به المؤلف وهو لفظ حديث مرفوع؛ كما في التخريج، والله أعلم.
[2] أخرجه الطبراني في "الأوسط" (10 /129)، وابن أبي عاصم في "السنة" (37) وغيرهما، والحديث رجاله ثقات إلا هارون بن موسى القزويني، قال في "التقريب" ترجمة (7244): لا بأس به؛ اهـ.
[3] أخرجه ابن وضاح في "البدع" (ص27)، والآجري في "الشريعة" (ص62)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (1 /128)، كلهم من طريق هشام بن حسان، عن الحسن. ورواية هشام عن الحسن أعلها بعضهم بالانقطاع، كما في "شرح علل الترمذي" لابن رجب (ص257)، والله أعلم. وروي مرفوعًا عن حذيفة، من طريق محمد بن محصن، كذَّبه ابن معين؛ انظر: "تاريخ الإسلام" (4 /966). وجاء بنحوه عن أيوب السختياني، ولفظه: ما ازداد صاحب بدعة اجتهادًا، إلا ازداد من الله بعدًا، أخرجه ابن وضاح في "البدع" (0)، وفيه مجاهيل، وهم الرواة عن أيوب السختياني. والحسن: هو بن أبي الحسن البصري، واسم أبيه يسار الأنصاري مولاهم، ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرًا ويدلس. قال البزار: كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم، فيتجوز ويقول: حدثنا وخطبنا؛ يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة، هو رأس أهل الطبقة الثالثة، مات سنة عشر ومائة، وقد قارب التسعين؛ ع.اهـ من "التقريب" (60).
منقول
المفضلات