في ذكرى جريمة الحرب في مخيم جنين
في أوائل إبريل من العام الماضي، اجتاحت القوات الإسرائيلية مدينة ومخيم جنين، بعد حوالي أسبوع من اجتياح رام الله وعدد من المدن الفلسطينية الأخرى في إطار «السور الواقي» كما أسموها.جادل الاستراتيجيون الإسرائيليون، بأن دخول واجتياح مخيم جنين، كان يجب أن يكون البداية،
والأيام القليلة التي فصلت بين رام الله وجنين، كانت أياماً ثمينة للشباب المقاتلين في المخيم استعدوا خلالها لمواجهة الغزو. أرسل رئيس الأركان موفاز كتائب من قوات الاحتياط، في خطوة استخفاف، بما كان ينتظره في المخيم، وحين تجابه بالمقاومة العنيدة، استبدل القوات وقادتهم ثلاث مرات.في هذه العجالة الصحفية، أود الإشارة لعدد من النقاط وعدد من الدروس المستفادة.
النقطة الأولى: أن عنوان هذه المقالة «مقصود»، فقد أشرتُ إلى جريمة الحرب، ولم أقل مجزرة، لأننا جررنا العالم لنقاش حول الفرق بين جريمة الحرب وبين المجزرة. العالم كله «دون استثناء إطلاقاً» رأى فيما حدث من هدم وذبح وتقتيل في المخيم، جريمة حرب، وكان يكفي أن نقبل هذا الوصف، ونحشد حوله الرأي العام في العالم. المجزرة شيء آخر مختلف. إنها مرتبطة (في أذهان الأوروبيين) بما فعله النازيون في الحرب العالمية الثانية، حين كانوا يقومون بتصفية الآلاف بعد تجميعهم في ساحات عامة.
ذلك الأمر حدث في مخيم جنين، بشكل إفرادي ومحدد. لم نستطع أن نثبت للعالم خلاف ذلك، قلنا إنهم قتلوا المئات، ولم نقدم إثباتاً بالأسماء والشواهد على ذلك أيضاً. لقد ارتكبت إسرائيل مجازر في خانيونس عام 1957، حين طلبت من مئات الشباب الوقوف في محاذاة حائط طويل، وقاموا بقتلهم جميعاً بدم بارد، وحين لم يكونوا مسلحين، لقد فشلنا في توثيق مثل تلك الجريمة، وجرائم أخرى مماثلة. المجزرة إذن في أذهان العالم، ترتبط بما هو أوسع مما حدث في مخيم جنين. جرائم الحرب، هي مجازر، بشكل أو بآخر، في نهاية الأمر.
النقطة الثانية: ان سقوط أكثر من عشرين قتيلاً من الجنود الصهاينة، كان يجب أن يكون القاعدة، وليس الاستثناء. لو تواجهوا في كل مدينة من مدن الضفة الغربية، بنفس الدرجة من البسالة، وفقدوا عدداً مماثلاً في ساحات وشوارع كل مدينة، لتغيرت الصورة، ولربما سقط شارون فعلياً، لأنه لا يستطيع أن يحتمل سقوط مئات من جنوده في تلك المعركة. بنيامين نتانياهو تراجع عن دخول مدينة نابلس بعد احتلال مجموعات من الأمن الفلسطيني، مقام النبي يوسف في ضواحي المدينة، وكان تراجعه بسبب تقرير الأجهزة الأمنية، أن إسرائيل قد تخسر مئة قتيل في المدينة. لا يستطيع أن يتحمل ذلك، ولهذا ألغى خطط اجتياح المدينة آنذاك.
في الوقت، الذي نحيى فيه ذكرى شهداء جرائم الحرب في مخيم جنين، والذين حموا بدمائهم ولحومهم، عورات الإنسحاب المذل في باقي المدن والبلدات، يجب أن ينشغل الوطن الفلسطيني كُله، عبر ورشات عمل مفتوحة وعلمية وموضوعية، للإجابة عن السؤال الكبير: لماذا دخل عشرون ألف جندي إلى رام الله، المزدحمة بكل أنواع السلاح، ومع ذلك لم يخسروا أحداً. من المسئول عن ذلك، ولماذا حدث ما حدث في غالبية المدن الأخرى؟ وأين ذهبت صيحات القادة العظام من على منصّات الفضائيات العربية: وهم يصرخون «لن يكون دخول جيش شارون إلى مدننا نزهة بالدبابات».
وحين تحولت إلى نزهة، لم يغادروا مواقعهم، ولم يعتذروا لأحد، ولم يتواروا عن الأنظار. هذه فضيحة حقيقية. كانوا يراهنون بأن جر الجيش الإسرائيلي للمدن الفلسطينية سيؤدي لواحد من أمرين: أمّا أن يخسروا كثيراً وينسحبوا يجرون أذيال الفشل والعار وتسقط حكومتهم، أو يرتكبوا مجزرة كبرى تؤدي لتدخل دولي وربما لإنهيار إقليمي، ولم يحدث شيء من ذلك. من يضع خططاً وتفشل بشكل مريع، يقدم استقالته. هذه هي طبائع الأمور. إن هذا التحليل، لا يغير من موقفي المعارض أساساً لعسكرة الإنتفاضة ولكن، إذا كان ما حدث قد حدث، فلماذا كانت النتائج مرعبة إلى هذا الحد، وذلك أيضاً، لا يقّلل، للحظة واحدة، من ضرورة انحنائنا إجلالاً واحتراماً لشهداء جنين: المخيم الذي كانت فيه بداياتي السياسية والعملية.
لقد سبق أن كتبت: مخيم جنين لي، وأردد ذلك في الذكرى الأولى لاجتياحه بقوة أكبر وعزيمة أشد.
المصدر : بقلم: توفيق أبو بكر , ملف الاربعاء صحيفة البيان
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات