بارك الله فيك على طرحك
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين وعلى آله وصحبه الأطهار الطيبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد
فلا زلنا ونحن في عصر العلم وتوافر العلماء وسهولة الوصول إليهم والأخذ عنهم نسمع بين وقت وآخر من يعارض رؤية الخاطب لمخطوبته ، وهذا وللأسف الشديد تحجرٌ في الفكرِ والعقلِ بل ورفض لسنة نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام ، إضافة إلى المفاسد الاجتماعية الأخرى المترتبة على ذلك والتي من أعظمها عدم الاستقرار الأسري ، بل في كثير من الأحيان الطلاق لأن كِلاَ الزوجين لم يجد في الآخر بُغيته ،حيثُ مُنع من مشاهدة مخطوبته فبني قرار الموافقة والزواج على استحسان الأهل ، وهذا هو السَفَهُ بعينه ، فأذواق الناس ومعايير القُبح والجَمَال تختلف من شخص لآخر ، وفي حقيقة الأمر الرؤية الشرعية في الخطبة ليست حقاً للرجل فقط بل هي كذلك للمخطوبة فهي لديها مواصفات وشروط في شريك حياتها ولن تتحقق من وجودها في الخاطب إلا بالرؤية الشرعية ، ولذلك أردت بهذا البحث المتواضع أن أنقل شيئاً مما جاء عن نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام وما نُقِلَ كذلك عن سلف وعلماء الأمة من ذلك :
1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أخرجه مسلم في صحيحه قال :كنت عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً من الْأَنْصَارِ فقال له رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا قال لَا قال فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فإن في أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شيئا ). صحيح مسلم ج2/040، حديث 1424.
2- حديث جابر رضي الله عنه ِ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا خَطَبَ أحدكم الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إلى ما يَدْعُوهُ إلى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ) قال : فَخَطَبْتُ جَارِيَةً فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لها حتى رأيت منها ما دَعَانِي إلى نِكَاحِهَا وَتَزَوُّجِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا . سنن أبي داود ج2/ص228، حديث 2082.
3- حديث أنس رضي الله عنه أن المغيرة بن شعبة خطب امرأة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أنظرت إليها؟ قلت: لا ، قال فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما )أخرجه الإمام أحمد والبزار والطبراني والدارقطني وابن حبان . ينظر الدراية في تخريج أحاديث الهداية ج2/ص226.
4- حديث محمد بن مسلمة رضي الله أخرجه ابن ماجة وأحمد وإسحاق والطيالسي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق وابن حبان والحاكم من طريق محمد بن سليمان بن أبي حثمة عن محمد بلفظ (إذا ألقى الله تعالى في قلب امرئ منكم خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها ). ينظر : الدراية في تخريج أحاديث الهداية ج2/ص226.
5- حديث أبي حميد أخرجه إسحاق والطبراني بلفظ (إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها للخطبة). ينظر :الدراية في تخريج أحاديث الهداية ج2/ص226.
فهذه الأحاديث بمجملها تدل على قوة الدليل في مشروعية نظر الخاطب لمخطوبته وأنه هو الذي أمر به عليه الصلاة والسلام وعلل عليه الصلاة والسلام أن ذلك سببٌ لوجود الألفة بين الخاطب و مخطوبته وهو مطلب شرعي تسعي الشريعة الإسلامية إلى تحقيقه.
ولذلك السلف الصالح رحمهم الله الذين لا نشك في صلاحهم وتقواهم وبُعدهم عن الحرام طبقوا ذلك في أنفسهم ، فعن سهل بن أبي حثمة قال رأيت محمد بن مسلمة يطارد امرأة ببصره على إِجَارٍ _و الإجارُ هو السطح الذي ليس حواليه سترةٌ ترد الساقط عنه _ يقال لها ثُبيتة بنت الضحاك أخت أبي جبيرة ، فقلت : أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : نعم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا ألقى الله في قلب رجل خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها) .سنن البيهقي الكبرى ج7/ص85.
قال الترمذي : وقد ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلى هذا الحديث وَقَالُوا : لَا بَأْسَ أن يَنْظُرَ إِلَيْهَا ما لم يَـرَ منها مُحَرَّمًا ، وهو قَوْلُ أَحْمَدَ وإسحاق ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ : أَحْرَى أن يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا أن تَدُومَ الْمَوَدَّةُ بَيْنَكُمَا.سنن الترمذي ج3/ص397.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ج9/ص210 تحت حديث أبي هريرة : فيه استحباب النظر إلى من يريد أن يتزوجها وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وجماهير العلماء ، و حكى القاضي عن قوم كراهته ، وهذا مخالف لصريح هذا الحديث ومخالف لإجماع الأمة على جواز النظر ، ولأنه يستدل بالوجه على الجمال وبالكفين على خصوبة البدن أو عدمها.
قال العيني في عمدة القاري ج20/19: النظر فيها لغير الخطبة فذلك حرام، وأما إذا كان للخطبة فلا يمنع منه لأنه للحاجة .
والذي أراه أن نظر الخَـاطِّـبين كلُ واحدٍ منهما للآخر مستحبٌ وليس مباحاً فقط ،قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ج29/ص354:والشارع قد أباح بل أحب له النظر إلى المخطوبة وقال (إذا القى الله في قلب أحدكم خطبة امرأة فلينظر إليها فانه أحرى أن يؤدم بينهما) وقال لمن خطب امرأة من الأنصار (انظر إليها فان في أعين الأنصار شيئا) وقوله ( أحرى أن يؤدم بينهما) يدل على أنه إذا عرفها قبل النكاح دام الود .
بل قد يــَحْرُم على وليِّ أمر المخطوبة منع الخاطب من الرؤية إذ طلب أحدهما أو كلاهما الرؤية الشرعية لأمور :
1- أن ذلك ردٌ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ورغبته.
2- أنه مالا يتم الواجب إلا به فهو اجب ، والشريعة تسعى لتحقيق الألفة بين الزوجين ، وقد رتب النبي صلى الله عليه وسلم المودة والألفة على الرؤية.
3- أن الوسائل لها أحكام الغايات فإذا كانت الغاية واجبة فالوسيلة واجبة وإذا كانت الغاية محرمة فالوسيلة كذلك محرمة ، وعدم الاستقرار الأسري وإلحاق الضرر بالزوجين محرم ، وإذا كان السبب في هذا الضرر منع الرؤية فيكون منعها محرما .
قال العلامة الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع ج5/22:فإنه (أَحْرَى أَنْ يؤدم بَيْنَكُمَا) دَعَاهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى النَّظَرِ مُطْلَقًا وَعَلَّلَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى الْأُلْفَةِ وَالْمُوَافَقَةِ.
قال تقي الدين الحصيني الشافعي في كفاية الأخيار /ص354 :ويجوز تكرير النظر ليتبين له وسواء نظر بإذنها أو بغير إذنها.
وقال محمد بن أحمد الغرناطي المالكي في القوانين الفقهية /30:ويجوز النظر إلى المخطوبة قبل نكاحها وفاقا لهم .
وإني لأرجو أن نكون أكثر وعياً بواقعنا وواقع شبابنا وفتياتنا ، وألا نُحَمِّل شريعة ربنا ما هي منه براء من العادات والتقاليد ، وأن تكون الشريعة هي المهيمنة على تصرفاتنا في الفعل والترك ، فالفلاح والنجاح والاستقرار في الأخذ بها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتبه
الدكتور محمد بن مطر السهلي
المحاضر بجامعة أم القرى بالمعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإمام وخطيب جامع الأميرة شيخة بمكة
تعليق بسيط بارك الله في شيخنا الحبيب الصديق محمد ونفعنا بعلمه
الشيخ محمد من زوار منتدى بلي الرسمي وسبق وان اخذ له لقاء حصري لمنتدى بلي0
بارك الله فيك على طرحك
جزاك الله خيراً
فزاع طار وطيرنه هبايب ،،،يادقة الساعه ويادقة الباب
ساعه عجيبه ياعجب ياعجايب ،،، يادمعة الشايب وياضحكة الشاب
جزاكم الله خيرا.
جزاكم الله خيراً
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات