النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: حتى لا ترتد على عقبيك (للشيخ عبد الله العسكر)

  1. #1
    عضو جديد
    تاريخ التسجيل
    24 - 4 - 2010
    المشاركات
    99
    معدل تقييم المستوى
    533

    افتراضي حتى لا ترتد على عقبيك (للشيخ عبد الله العسكر)

    حتى لا ترتد على عقبيك
    إننا أيها الأحبة في الله في هذه العصر أحوجُ ما نكون إلى معرفة أسباب الثبات والأخذ بها، فالفتن تموج بالشبهات والشهوات، والقلوب ضعيفة، والمعين قليل، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن سرعة تقلُّبِ أهل آخر الزمان؛ لكثرة الفتن، فقال: [بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا]رواه مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ[1].
    ومن الوسائل المعينة على لزوم جادة الهدى والثبات على دين الله :
    أولاً: الإقبال على كتاب الله الكريم قراءة وفهما وتدبرا :
    فالقرآن العظيم وسيلة التثبيت الأولى وهو حبل الله المتين ، والنور المبين ، من تمسك به عصمه الله ومن اتبعه أنجاه الله ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم . والقرآن به تحيا القلوب وتطمئن لمولاها {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد28 ،{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} الزمر23.
    - وبهذا يتبين كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعذب القرآن فيقوم به في ظلام الليل حتى قال حذيفة كما في صحيح مسلم : ": صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ، ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة ، فمضى فقلت يركع بها ، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها ، يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيحٌ سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده ثم قام طويلا قريبا مما ركع ، ثم سجد فقال سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبا من قيامه "[2]
    - ومن هنا نستطيع أن ندرك الفرق بين الذين ربطوا حياتهم بالقرآن وأقبلوا عليه تلاوة وحفظاً وتفسيراً وتدبراً ؛ منه ينطلقون ، وإليه يفيئون ، وبين مَن جعلوا كلام البشر جل همهم وشغلهم الشاغل ، وترى أحدهم يستثقل كلام الله جل وعلا بينما تراه في المقابل يستعذب اللهو والغناء والمجون !! {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} الزمر45.
    ثانياً: من وسائل الثبات :الإيمان بالله والصدق في عبادته
    قال الله تعالى : {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وفِي الآخِرَةِ ويُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ويَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} إبراهيم27.
    قال قتادة : " أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ، وفي الآخرة في القبر "[3]
    وقال سبحانه : {ولَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وأَشَدَّ تَثْبِيتاً} النساء66
    وقد أوصى الله رسوله بالعبادة لأن الفتنة التي سيواجهها عظيمة قال تعالى {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ- قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا - نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا - أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا-إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} المزمل 1-5
    -والثبات له مقدمات من أعظمها العبادة والعمل الصالح ، وأهلها أقوى الناس ثباتا عند الفتن وهذا بيّن ، وإلا فهل نتوقع ثباتاً من الكسالى القاعدين عن الأعمال الصالحة إذا أطلت الفتنة برأسها وادلهمّ الخطب ؟ لكنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم الله إليه صراطاً مستقيماً ويثبتهم بما ثبتوا به أنفسهم في الحياة الدنيا.


    - انظر – مثلا – لثبات الصديق يوم مات النبي - صلى الله عليه وسلم- .
    والسؤال : كيف ثبت أبو بكر هذا الثبات العجيب ؟هل لأن حبَّه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- أقل من غيره ؟ حاشاه ذلك ، وهو صاحبه وأحب الناس إليه ، ولكنها العبادة التي كانت مثبتة لجنانه في هذه الساعة التي طاشت فيها العقول ، وذهلت فيها الأحلام .جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال - صلى الله عليه وسلم- : منْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا . قَالَ : فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا . قَالَ :فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا . قَالَ : فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ :أَنَا .فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ "[4].
    إن الذكر وهو نوع واحد من أنواع العبادة من أقوى الأسباب المثبتة لقلب المسلم ، ولهذا أوصى الله به عباده في كل وقت قال عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا* هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} الأحزاب41-44
    ألم تر أيها الحبيب أن الله – تبارك وتعالى- لما أرسل موسى وهارون إلى فرعون الطاغيةِ الجبار الذي خاف موسى من ملاقاته أوصاه الله وأخاه بالإكثار من ذكره سبحانه، فقال: {وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} طه42 والمراد لا تفترا عن ذكري ولا تنشغلا بغيره ليكون ذلك عوناً لكما على مواجهة هذا الطاغية العنيد .
    وانظر أيضا كيف أن الله أمر المؤمنين عند ملاقاة الكفار بأن يكثروا من ذكره فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} الأنفال45 فكثرة الذكر تقوي القلب والبدن، فيستعان به في مواجهة الفتن والابتلاءات وعند ملاقاة الأعداء.
    ثالثاً: ومن وسائل الثبات: أن يعتني المسلم بتربية نفسه تربية إيمانية علمية واعية متدرجة ، فهذه أربع ركائز لابد منها في تربية المرء لنفسه .وهي من أقوى عوامل الثبات .
    فأما التربية الإيمانية : فهي التي تحيي القلبَ والضميرَ بالخوف من الله والرجاءِ فيما عنده والمحبةِ له تبارك وتعالى . وأي حاجة للنفس أعظم من أن تكون معظِّمة لمولاها ، مجلَّة لأمره، موقنة بما أعده من لأوليائه وأعدائه ؟!
    ولكي ندرك أهمية هذا العنصر من عناصر الثبات ، فلنعد إلى سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولنسائل أنفسنا :ما هو مصدر ثبات صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم- في مكة إبّان فترة الاضطهاد ؟




    كيف ثبت بلالٌ وخبابُ ومصعبُ وآلُ ياسر وغيرُهم من المستضعفين ؟
    -خباب بن الأرت رضي الله عنه ، الذي كانت مولاته تحمي أسياخ الحديد حتى تحمرّ ثم تطرحُه عليها عاري الظهر فلا يطفئها إلا ودك ظهره (أي شحم ظهره) حين يسيل عليها ، ما الذي جعله يصبر على هذا كله ؟.
    -وبلال تحت الصخرةِ في الرمضاء ، وسميَّةُ في الأغلال والسلاسل. ، كيف ثبت هؤلاء جميعا ؟ هل يمكن أن يكون ثباتهم بغير تربية عميقة من مشكاة النبوة ، صقلت شخصياتهم ،وجعلتهم يحتملون هذه العذاب الأليم ويثبتون هذا الثبات العجيب ؟
    -وهكذا من ثبت معه - صلى الله عليه وسلم- في حنين بعد أن فرَّ الناس من حوله وانهزموا، إنها تلك الصفوة المؤمنة التي تلقت قدراً عظيماً من التربية على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- .
    - وأما التربية العلمية: فهي القائمة على الدليل الصحيح ، المنافيةُ للتقليد الأعمى لأقوال الرجال وأفعالهم .
    - وأما التربية الواعية : فهي التي تعرف سبل الشيطان ومداخلَه ، وتدرس خطط أعداء الإسلام ، وما يحيكونه من مؤامرات وخططٍ لإسقاط أبناء المسلمين في مراتع الشهوات ومستنقعات الخطيئة . فإذا كان المسلم على بصيرة من تلك المكائد حَذِرها وابتعد عن فِخاخها التي أسقطت الكثيرين والله المستعان .
    -وأما التربية المتدرجة:فهي التي تسير بالمسلم شيئاً فشيئاً،ترتقي به في مدارج الكمال بتخطيط وتؤدة . وهذه نقطة في غاية الأهمية فكثير ممن استقام اندفع في أول أمره وأرهق نفسه بعبادات كثيرة لم تألفها نفسه، ودافِعُه في ذلك الرغبةُ في تكفير خطاياه ومحوِ سيئاته ، وهذا المنطلق وإن كان حسنا إلا أن الاندفاع غيرَ المنضبط قد يؤدي إلى ردة فعل غير متوقعة . فلا بد من الرفق بالنفس وأخذِها بالتدرج ، وقد جاء في المسند بسند حسنه الألباني قال عليه الصلاة والسلام : "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق "[5] .
    كما أن على من سلك طريق الاستقامة أن لا ينسى حظَّ نفسه من اللهو المباح والمتعة الحلال فإن لذلك أثرا لا يخفى في المداومة على الطاعة وإبعاد الرتابة والملل عن النفوس .
    قال ابن القيم في (بدائع الفوائد) [6] في بيان أهمية التدرج في تربية النفس : " للنفس حظ وعليها حق ، فلا تميلوا كل الميل وزنوا بالقسطاط المستقيم ، وإن رأيتم منها فتورا فاضربوها بسوط الهجر في المضاجع فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ، اُرفُـقوا بمطايا الأبدان فقد ألِفت الترف ولا تضاورهن ، لتضيقوا عليهن ، إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تـَحْملوا على النفوس فوق الطاقة إلى أن تتمكن المحبة فلها حينئذ حُكْمُها " .
    رابعاً: ومن وسائل الثبات لزوم السنة والعضُّ عليها بالنواجذ والبعد عن محدثات الأمور .
    روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ - رضي الله عنه - قال صلى الله عليه وسلم :" إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ "[7].
    وكم من متخبط في ظلمات الشك والحيرة هجر علم الكتاب والسنة وأشغل نفسه بعلوم أرضية مبنية على أقوال الرجال ،عاريةٍ من إشراقات نصوص الوحيين ، فحاد عن الطريق ، والتبس عليه الحق بالباطل ، وضاع عمره على غير هدى من الله وبرهان .
    انظر كيف حُرم أهل علم الكلام الثباتَ عند الممات حتى قال بعض السلف: "أكثر الناس شكاً عند الموت أهل الكلام"[8].
    قال أبو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِيُّ وهو من العلماء المنشغلين بعلم الكلام فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي أَقْسَامِ اللَّذَّاتِ ، وتأمل إلى الشك والاضطراب:

    نِهَايَةُ إِقْدَامِ الْعُقُولِ عِقَالُ ... وَغَايَةُ سَعْيِ الْعَالَمِينَ ضَلَالُ


    وَأَرْوَاحُنَا فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِنَا ... وَحَاصِلُ دُنْيَانَا أَذَى وَوَبَالُ


    وَلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمْرِنَا ... سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ : قِيلَ وَقَالُوا !!


    فَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِنْ رِجَالٍ وَدَوْلَةٍ ... فَبَادُوا جَمِيعًا مُسْرِعِينَ وَزَالُوا


    وَكَمْ مِنْ جِبَالٍ قَدْ عَلَتْ شُرُفَاتِهَا ... رِجَالٌ ، فَزَالُوا وَالْجِبَالُ جِبَالُ

    ثم قال : وقَدْ تَأَمَّلْتُ الطُّرُقَ الْكَلَامِيَّةَ ، وَالْمَنَاهِجَ الْفَلْسَفِيَّةَ ، فَمَا رَأَيْتُهَا تَشْفِي عَلِيلًا ، وَلَا تُرْوِي غَلِيلًا ، وَرَأَيْتُ أَقْرَبَ الطُّرُقِ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ"[9]
    قَالَ شَمْسُ الدِّينِ الْخُسْرَوْشَاهِيُّ ، وَكَانَ مِنْ أَجَلِّ تَلَامِذَةِ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ ، لِبَعْضِ الْفُضَلَاءِ ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ يَوْمًا ، فَقَالَ شَمْسُ الدِّينِ له: مَا تَعْتَقِدُ ؟ قَالَ : مَا يَعْتَقِدُهُ الْمُسْلِمُونَ ، فَقَالَ : وَأَنْتَ مُنْشَرِحُ الصَّدْرِ لِذَلِكَ مُسْتَيْقِنٌ بِهِ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ : أَشْكُرُ اللَّهَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ ، لَكِنِّي وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَعْتَقِدُ ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَعْتَقِدُ ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَعْتَقِدُ ، وَبَكَى حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ [10].

    خامساً: ومن وسائل الثبات :الثقة بالطريق الذي تسير فيه ، وأنه دين الله الحق الذي لا مرية فيه ولا شك . قال سبحانه {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} النمل79 وقال : {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} الروم60 .
    ولا شك أنه كلما ازدادت الثقة بالطريق الذي يسلكه المسلم كان ثباته عليه أكبر ... ولهذا وسائل منها :
    - استشعار أن الصراط المستقيم الذي تسلكه ليس جديداّ ولا وليد قرنك وزمانك ، وإنما هو طريق قديم قِدَم التاريخ ، قد سار فيه من قبل الأنبياء والصديقون والعلماء والشهداء والصالحون ، فإذا علمت ذلك زالت غربتك ، وتبدلت وحشتك أُنساً ، وكآبتُك فرحاً وسروراً ، لأنك تشعر بأن أولئك كلَّهم أخوة لك في الطريق والمنهج .
    - وتذكر دائما أن الغرباء هم خير الناس ، ويكفيهم أنهم أهل طوبى وهي الجنة جعلنا الله جميعا من أهلها ، قال عليه الصلاة والسلام كما في المسند وصححه الألباني من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء"، فقيل : من الغرباء يا رسول الله ؟ قال : "أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثرُ ممن يطيعهم"[11] .
    سادساً: ومن وسائل الثبات المهمة الالتفاف حول الصحبة الصالحة .
    قال الله تعالى {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} الكهف28
    وأولى من يلزمهم المسلم هم العلماء وأهل الصلاح ، وبهم – بعد الله - يثبت المرء عند الفتن ، وقد قال بعض السلف : ثبَّت الله المسلمين برجلين : ( أبي بكر) يومَ الردة ، و " الإمام أحمد " يوم المحنة ".
    - والبعد عن أهل الفتن شرط أساس لمن أراد الثبات على دينه سواء كانت فتنة شبهة أو شهوة ، فالجلوس لأهل الشبهات داء وبيل . وللقنوات والكتب المشككة في ثوابت الدين من هذا نصيب كبير ، فالحذر الحذر .
    قال ميمون بن مهران قال: ثلاث لا تبلون نفسك بهن: لا تدخل على السلطان وإن قلت: آمره بطاعة الله، ولا تصغين بسمعك إلى هوى، فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه، ولا تخلونّ بامرأة ولو قلت: أعلمها كتاب الله[12].
    والجلوس في أماكن إثارة الغرائز مكمن الانحراف وبداية السقوط في هاوية لا يُدرى ما هو قعرها . نجاني الله وإياكم من الفتن وعصمنا من الزيغ والضلالة .
    7- ومن وسائل الثبات :طلب الوصية من الصالحين وأهل الفضل :
    أيها الإخوة في الله : عندما يتعرض المسلم لفتنة ويبتليه ربه ليمحصه ، يكون من عوامل الثبات أن يقيض الله له رجلاً صالحاً يعظه ويثبته ، فتكونُ كلماته من أعظم ما ينفعه الله بها في مواجهة هذه الفتنة التي حلت بساحته .
    ولنقف مع أنموذج واحد لرجل كان للوصية والنصح أثرٌ كبير في ثباته ، ذاكم هو إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد رحمه الله ،الذي دخل المحنة فخرج منها ذهبا أحمر كما يقول بشر بن الحارث رحمه الله[13]
    لقد سيق إلى المأمون مقيداً بالأغلال ، وقد توعده وعيداً شديداً قبل أن يصل إليه ، حتى لقد قال أحد خدام المأمون للإمام أحمد : ( يعز عليّ يا أبا عبد الله ، أن المأمون قد سل سيفاً لم يسله قبل ذلك ، وأنه يقسم بقرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف ).
    وهنا ينتهز الصادقون الناصحون من أهل البصيرة الفرصة ليلقوا إلى إمامهم بكلمات التثبيت ؛ ففي السير للذهبي عن أبي جعفر الأنباري قال : " لما حُمِل أحمد إلى المأمون أُخبِرت ، فعبرت الفرات ، فإذا هو جالس في الخان فسلمت عليه . فقال : يا أبا جعفر تعنّيت . فقلت : يا هذا ، أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك ، فو الله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبن خلق ، وإن لم تُجب ليمتنعن خلق من الناس كثير ، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك ، فإنك تموت ، لابد من الموت ، فاتق الله ولا تجب . فجعل أحمد يبكي ويقول : ما شاء الله . ثم قال : يا أبا جعفر أعِد .. فأعدتُ عليه وهو يقول : ما شاء الله ... أ.هـ "[14]
    وفي البداية والنهاية لابن كثير: أن أعرابيا قال للإمام أحمد : " يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤماً عليهم ، وإنك رأسُ الناس اليوم فإياك أن تجيبَهم إلى ما يدعونك إليه ، فيجيبوا فتحملَ أوزارهم يوم القيامة ، وإن كنت تحبُّ الله فاصبر على ما أنت فيه ، فإنه ما بينك وبين الجنة إلا أن تقتل " . قال الإمام أحمد : وكان كلامه مما قوى عزمي على ما أنا فيه من الامتناع عن ذلك الذي يدعونني إليه[15].
    فاحرص أيها الأخ الكريم على طلب الوصية من مشايخك وأصحابك الصالحين : واعقلها إذا تليت عليك
    - اطلبها قبل سفرٍ إذا خشيت مما قد يقعُ فيه ، واطلبها أثناء ابتلاء أو قبل محنة متوقعة.
    - اطلبها إذا عُيِّنت في منصب أو ورثت مالاً وغنى. وثبت نفسك ، وثبت غيرك والله ولي المؤمنين .

  2. #2
    مشرفة القسم الإسلامي الصورة الرمزية سجى الليل
    تاريخ التسجيل
    28 - 4 - 2009
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    570

    افتراضي رد: حتى لا ترتد على عقبيك (للشيخ عبد الله العسكر)

    جزاكم الله خيراً
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
هذا الموقع برعاية
شبكة الوتين
تابعونا