جزاك الله خيرا أخت (الحياه مبدأ) على مانقلت
. .
ضمن المشروعات العلمية الجديدة لمعالي الشيخ الدكتور
عبدالله بن عبدالمحسن التركي صدرت موسوعة (الإصابة في تمييز الصحابة) لابن حجر العسقلاني
بتحقيقه بالتعاون مع مكتب التحقيق في دار هجر ، وهذه التفاصيل بقلم الشيخ عبدالله التركي وفقه الله كما في صحيفة الجزيرة .
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين... أما بعد:
فإن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، خير قرون الإسلام، وأبر الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً،
قوم أدبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدب النبوة، وعلمهم الكتاب والحكمة وزكاهم،
وأثنى الله تعالى عليهم بجميل الثناء في كتابه العزيز،
فقال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ
عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}سورة التوبة 100).
فذكر أن الصحابة على درجتين، منهم سابقون ومنهم لاحقون، وأنهم وإن استووا في الفوز برضوان الله والبشارة بما أعد لهم من جناته،
إلا أن السابقين للإسلام والهجرة والنصرة، والذي شهدوا بيعة العقبة أو غزوة بدر أو الحديبية، لهم فضل ومزية على
غيرهم، من مثل مسلمة الفتح وأصحاب الوفود والمولودين في زمن الإسلام.
وفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر الأمة، ثابت لا مرية فيه، فهم الذين عزروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه
بأموالهم وأنفسهم، فلم يتخلفوا عنه ولا رغبوا بأنفسهم عن نفسه، قال كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة توبة الله
عليه
في تخلفه عن غزوة تبوك: فطفقتُ إذا خرجتُ في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم،
يحزنني ذلك أني لا أرى لي أسوة إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء.
وقد صبروا في البأساء والضراء وحين البأس، حتى توطدت بجهودهم دعامة الإسلام في
الجزيرة العربية وخلصت للتوحيد بعد الوثنية، ثم انطلقوا في الأرض يضربون فيها الأغوار
والأنجاد، يبلغون رسالة ربهم إلى أمم العالم.
وهم الذين جمعوا القرآن الكريم في مصحف واحد، واستنسخوا منه نسخاً أرسلوها إلى
الأمصار الإسلامية، لتكون أئمة للناس في مصاحفهم.
ولازموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدوا معه التنزيل, عرفوا التأويل، وحملواعنه العلم فكانوا له وعاة ورواة،
حتى أدوه بأمانة وتثبت إلى من بعدهم، فمن أفواههم سمع التابعون السنة وبهم تفقهوا في الدين، واتفق جماهير العلماء على عدالتهم في
النقل والرواية، وعد كثير من الأئمة آرائهم في المسائل الفقهية حجة على من بعدهم،
ما لم يعارضها ما هو أقوى منها في الثبوت أو الدلالة.
ولما انفرد الصحابة رضوان الله عليهم بهذه المزايا، كان حقهم متأكداً على سائر أجيال الأمة إلى يوم القيامة،
أن يعرفوا لهم فضلهم ويترضوا عليهم جميعها من دون مثنوية، ومن غير فرق بين الملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم
، وبين من صحبه لمدة يسيرة، أو رآه مرة أو مرتين، فإن شرف الصحبة ثابت بأقل ما ينطلق عليه الاسم، قال
الإمام البخاري -رحمه الله- في أول باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الجمعة: ومن صحب النبي
صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من
أصحابه. اهـ.
يتبع
. .
جزاك الله خيرا أخت (الحياه مبدأ) على مانقلت
ومن تمام معرفة فضلهم أن يعقد المسلم قلبه على حبهم، ويثني عليهم بالخير، ويترضى عليهم،
ويحسن الظن بهم فيما شجر بينهم، فإنهم أحق الأمة أن يلتمس لهم أحسن المخارج.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الوقيعة في أصحابه، معللاً ذلك بقصور غيرهم عن بلوغ شأوهم، فقال: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحُد ذهَباً ما بلَغَ مُدَّ أحدِهِم ولا نصِيفهُ) أخرجه الشيخان عن أبي سعيد الخدري.
وقال الله تبارك وتعالى في كتابه: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ {8} وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {9} وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (سورة الحشر 8- 10).
فذكر المهاجرين وأثنى عليهم بقصدهم في هجرتهم إلى طلب مرضاة الله ونصرته سبحانه ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم وشهد لهم بالصدق،
ثم ذكر الأنصار وأثنى عليهم بسبقهم للإسلام واتخاذ المدينة داراً لإيواء إخوانهم المهاجرين، محبين لهم مؤثريهم على أنفسهم
، وشهد لهم بالفلاح، ثم ذكر طائفة ثالثة تأتي من بعدهم، وأثنى عليها باستغفارها للمهاجرين والأنصار،
وسؤالها لله تعالى أن يطهر قلوبها من الغل على أحد منهم.
فينبغي أن يحرص كل مسلم على أن يكون على ما ذكر الله من حال الطائفة الثالثة وصفتها، كما روى ابن بطة العكبري فيما ذكره عنه
ابن تيمية في منهاج السنة النبوية، عن سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه،
قال: الناس على ثلاث منازل، فمضت منزلتان، وبقيت واحدة، فأحسنُ ما أنتم عليه كائنون، أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت، ثم قرأ الآية الآنفة.
وأثبت هذا الموقف من الصحابة رضوان الله عليهم، كثير من العلماء المتقدمين في ترجمة عقيدة السلف،
من ذلك قول الإمام أبي جعفر الطحاوي في عقيدته: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم،
ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان،
وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، وقال أبو محمد ابن أبي زيد القيرواني في رسالته:
وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر، والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس
أن يُلتمس لهم المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب.
. .
واليوم وقد أصبحت الأمة أكثر تعرضاً للغزو الفكري والثقافي، وأشد افتتاناً بالدنيا وزينتها، هي أحوج ما تكون
إلى إحياء سير الصحب الكرام، وتعليمها للصغار وروايتها بين الكبار، فقد تضمنت من سمو الأخلاق
والاستقامة على دين الله، والمواقف الإيمانية الرائعة في الذب عن الإسلام ونصرة رسوله عليه الصلاة والسلام، ما فيه أسوة وقدوة
لمن جاء بعدهم، وإن مما يؤسف له أن نرى بعض شبابنا معجبين بمشاهير اللاعبين والفنانين، وأشباههم، يعلمون من تفاصيل أخبارهم،
ويسعون في تقليدهم، ولا يعرفون شيئاً عن مشاهير الصحابة، فضلاً عمن سواهم.
وقد اعتنى المصنفون منذ زمن بعيد، كالبغوي وابن قانع والطبراني، بإحصاء أسماء الصحابة وجمعهم في معاجم مفردة، مع اختصار تراجمهم
وبيان مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغازي والسير والهجرة
وبيعة العقبة والرضوان ونحو ذلك.
ومن أشهر هؤلاء المصنفين الحافظ أبو عبدالله ابن مندة الذي ذيل عليه أبو موسى المديني، والحافظ أبو عمر ابن عبدالبر الذي
ذيل عليه ابن فتحون، والحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتابه معرفة الصحابة.
ثم جاء المؤرخ الأديب أبو الحسن علي بن محمد بن الأثير الجزري فصنف كتابه أسد الغابة ، جمع فيه الكتب السابقة إلا ذيل ابن فتحون، وزاد من غيرها أسماء.
فكان هذا أسد الغابة أجمع الكتب في هذا الباب، قبل أن يظهر كتاب الإصابة في تمييز الصحابة، لخاتمة الحفاظ والمحققين، شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن حجر الكناني العسقلاني ثم القاهري
، المتوفى سنة 852هـ، فقد جمع فيه ما في أسد الغابة وزيادات تجريد أسماء الصحابة للذهبي، وزاد عليهما كثيراً، لكنه مات قبل عمل المبهمات، رتبه على حروف المعجم، وجعل تحت كل حرف أربعة أقسام:
الأول: فيمن ثبتت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، بأي طريق صحيح، كالرواية عنه والأخبار المفيدة للصحبة، وهذا القسم هو معظم الكتاب.
والثاني: في الذين ولدوا في عهده صلى الله عليه وسلم من أبناء الصحابة.
والثالث: في المخضرمين.
والرابع: فيمن ذكر في الصحابة على سبيل الوهم والغلط البين.
والحق أن الحافظ ابن حجر لم يكتفِ بتلخيص ما في كتب من سلفه، بل تقصى أصولها ومصادرها، فحقق فيما ذكر في التراجم من أخبار وحكايات وقصص،
مع نقد الأسانيد صحة وضعفاً، وإيضاح الأوهام الواقعة لدى بعض المصنفين فيها، وفي الأوهام الواقعة في الأسماء المتشابهة منهم،
فميز كل ذلك تمييزاً دقيقاً
بنى عليه أقسام الكتاب، فجاء كتابه هذا ديواناً فريد الطراز، جامعاً لما تفرق في الكتب المصنفة قبله، حافلاً بالفوائد المنثورة التي ذكرها
على سبيل الاستطراد أو التنبيه. فأوفى فيه على الغاية، وكان له في بابه من المنزلة بين طلاب العلم والمشتغلين به، ما لفتح الباري بالنظر إلى ما تقدمه من شروح البخاري.
وكان ما اشتمل عليه من علوم غزيرة، وفنون عدة وفيرة، دليلاً على الشأو البعيد الذي بلغه مصنفه، في التبحر وسعة الاطلاع،
على حد ما وصفه به مقدم تلاميذه الحافظ الخاوي في الضوء اللامع،
إذ قال: وقد شهد له القدماء بالحفظ والثقة، والأمانة والمعرفة التامة، والذهن الوقاد، والذكاء المفرط، وسعة العلم في فنون شتى. اهـ.
. .
رضي الله عنهم
جزاكم اللـه خيرا.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات