جزاك الله خيرا
[CENTER]بسم الله الرحمن الرحيم
[b][font="times new roman"]لعل الكثير من الناس يسأل عن سرّ عناية الإسلام البالغة بتحرّى الحلال في المطعم والمشرب والملبس وغيره حتى جعل الإسلام هذا العمل فريضة وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم {طَلَبُ الْحَلاَلِ فَرِيضَةٌ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ}[1]
فنجيبه بأن ذلك يرجع إلى أن أساس قبول الأعمال عند الله يرجع في المقام الأول إلى اللقمة الحلال ولذلك قال صلى الله عليه وسلم {إِنَّ لله مَلَكاً عَلَى بَـيْتِ المَقْدِسِ يُنَادِي كُلَّ لَيْلَةٍ: مَنْ أَكَلَ حَرَاماً لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ}[2]
فقيل الصرف النافلة والعدل الفريضة وقال صلى الله عليه وسلم {مَنْ اشْتَرَى ثَوْباً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وفِيهِ دِرْهَمٌ مِنْ حَرَامٍ لَمْ يُقْبَلِ الله لَهُ صلاةً مَا دَامَ عَلَيْهِ}[3]
وقال صلى الله عليه وسلم {أَيُّمَا لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ فَالنَّارُ أَوْلى بِهِ}[4]
وكذلك لأن لقمة الحرام تطفئ نور القلب فقد قيل : من أكل الشبهة أربعين يوما أظلم قلبه وهو تأويل قوله تعالى {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} المطففين14
وأعراض ذلك الإعراض عن ذكر الله والتصامم عند سماع آيات كتاب الله والتكاسل عند القيام للصلاة والتباعد عن مجالس العلم النافع والتثاقل عند القيام بأي عمل من أعمال البر وفى ذلك يقول سهل رضي الله عنه {من أكل الحرام عصت جوارحه شاء أم أبى علم أو لم يعلم ومن كانت طعمته حلالا أطاعته جوارحه ووفقت للخيرات}
ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما {لا يقبل الله صلاة امرئ في جوفه حرام وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالأوتار لم يقبل ذلك منكم إلا بورع حاجز}
وأما من أراد الإقبال على الله والفتح من الله والمداومة على طاعة الله فلن يصل إلى ذلك إلا بالورع عماّ حرّمه الله ولذلك قال صلى الله عليه وسلم {العِبَادَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ: تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي طَلَبِ الحَلاَلِ}[5]
وقال أيضا {خَيْرُ دِينِكُمُ الْورَعُ}[6]
وحذّر من الذي لا يتحرّى الحلال في جمع ماله ويدّعى أنه يذكّيه بالإنفاق منه في وجوه الخير فقال صلي الله عليه وسلم {مَنْ أَصَابَ مَالاً مِنْ مَأْثَمٍ فَوَصَلَ بِهِ رَحِماً أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ أَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ جُمِعَ ذلِكَ جَمِيعاً ثُمَّ قُذِفَ بِهِ فِي جَهَنَّمَ}[7]
وقال أيضا {مَنِ اكْتَسَبَ مَالاً مِنْ حَرَامٍ فَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَإِنْ تَرَكَهُ وَرَاءَهُ كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ}[8]
ولذلك ورد أن الصديق رضي الله عنه شرب لبنا من كسب عبده ثم سأل عبده فقال تكهنت لقوم فأعطوني فأدخل أصابعه في فيه وجعل يقيء حتى ظننت أن نفسه ستخرج ثم قال اللهم إني أعتذر إليك مما حملت العروق وخالط الأمعاء ولما أخبر صلى الله عليه وسلم بذلك قال {أَوَ مَا عَلِمْتُمْ أَنَّ الصِّدِّيقَ لاَ يَدْخُلُ جَوْفَهُ إِلاَّ طَيِّباً؟}[9]
وكذلك شرب عمر رضي الله عنه من لبن إبل الصدقة غلطا فأدخل إصبعه وتقيّأ هذه العبادة التي يغفل عنها أكثر الناس وقد نبّهت إليها السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت {إنكم لتغفلون عن أفضل العبادة وهو الورع} وأشار إلى ذلك إبراهيم بن أدهم فقال {ما أدرك من أدرك إلا من كان يعقل ما يدخل جوفه}
وقال في ذلك سهل التسترى أيضا {من أحب أن يكاشف بآيات الصديقين فلا يأكل إلا حلالا ولا يعمل إلا في سنة أو ضرورة} وقد روى أن بعض الصالحين دفع طعاما إلى بعض الأبدال فلم يأكل فسأله عن ذلك فقال نحن لا نأكل إلا حلالا فلذلك تستقيم قلوبنا ويدوم حالنا ونكاشف الملكوت ونشاهد الآخرة ولو أكلنا مما تأكلون ثلاثة أيام لما رجعنا إلى شيء من علم اليقين ولذهب الخوف والمشاهدة من قلوبنا
فقال له الرجل: فإني أصوم الدهر وأختم القرآن في كل شهر ثلاثين مرة فقال له البدل: هذه الشّربة التي رأيتني شربتها من الليل أحب إلىّ من ثلاثين ختمه في ثلاثمائة ركعة من أعمالك وكانت شربته من لبن ظبية وحشية
[1] رواه مسلم عن ابن مسعود والطبراني في الأوسط من حديث أنس [2] رواه الديلمى في مسند الفردوس من حديث ابن مسعود [3] رواه أحمد من حديث ابن عمر [4] رواه الترمذي من حديث كعب بن عجزة [5] رواه الديلمى من حديث أنس [6] أَبُو الشَّيخِ فِي الثَّوَابِ عن سعدٍ [7] رواه أبو داود من رواية القاسم بن مخيمرة مرسلا [8] أخرجه أحمد من حديث ابن مسعود [9] رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها
جزاك الله خيرا
آللّـَّـٌَـہّ يجزاك خيرر
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات