{ الجزء الثاني }
حال وصولهم إلى القصر أخذ خالد أمُّه ممسكًا بيدها ليُريها سكنها الجديد
فإذ بها تدخل حجرة راقية أثاث و ديكور و دورة مياه و حجرة خاصة لضيوفها
و رغم هذا الجمال الباذخ إلا أن قلب ( أم خالد ) لم يتحرك له و كأنها
تقول / ما أحقر هذا الجمال في عيني!!
استأذنت ابنها في أداء صلاة الظهر فأخرجت سجادتها من الصندوق
الذي ما أن فتحته إلاَّ و رائحة الذكريات الجميلة تفوح منه .. هذه المرة
لم تستطع أن تصمد أمام سيل دموعها فبكت الأم مُرددة
( سامحك الله يا بني و رحِمك الله يا أبا خالد )...
مرت أيام و هي تُعاني من قيد هذا السكن الجديد فلم يكن الارتياح باديًا عليها
حتى جاء إليها حفيدها ذات يوم يسألها / ما بكِ يا جدتي ما عهدتكِ هكذا..!
أجابته مازحة / اشتقت إلى جدك..
أجابها / ولكن جدي مات منذ زمن !
ردت/ يا بُني اسأل الله أن يجمعني به في جناته و كأني به يناديني
تأخرت عليّ يا أم خالد يااااا الله ...
كم أشعر بـِغُربةٍ مُنْذُ فارقت منزلي في هذا البيت الجديد ماذا سيهون
عليّ ألم فراقك المؤلم!!
خرج حفيدها غير واعيًا لِما تقوله جدته مرت شهور و وضعها الصحي يزداد
سوءًا الأطباء لم يفيدوا ابنها بشيء ...
في صباح أحد الأيام استيقظ الجميع على خبر مُفجع و هو وفاة ( أم خالد )
اختطفها الموت قتلها حزنها الصامت على فُراق ذكرياتها الجميلة عنوّة حيث
تفاقم الألم عليها فلا أشد من مرض الحزن الصامت على كبير السن
راقدة ٌعلى سريرها و كأنها نائمة و حولها سجادتها و غير بعيد عنها
صندوقها الخشبي و صوت آيات الذكر الحكيم تتردد في زوايا حجرتها
من مذياعها الصغير .. كأنَّ روحها الطاهرة استأنست على تراتيله المؤثرة
في وقتٍ متأخر أدرك ( خالد ) غلطته المُشينة في حق أمه و كيف ضحت
من أجل سعادته!!
بل كيف طاوعه قلبه و أنانيته في أن ينتزعها من أعز ماتبقى لها !!
و خاصة عندما لا حظ كثرة المُعزِّين في وفاتها من سُكان الحارة
التي كانت تقطن بها راوده الحنين أن يرى ذلك المنزل العالق في قلب أمه
و من بعيد ألقى نظرة فوقعت عينه على شجرة الياسمين لكن الغريب
هنا أنها تحولت إلى ( هيكل شجرة ) بقاياها المُتهالكة زهورها الذابلة
و كأنها تبكي فِراق ( أم خالد ) !!..
( تمت القصة )
وقفة
**ما أصعب أُلْـفَة الأشياء
و الأصعب من ذلك فِراقُها ..!
بِقلم / العَاصِفْة .
المفضلات