جزاكم الله خيرا.
الابتلاء سنة الله في خلقه
أعلم أخي الحبيب فرج الله همك أن الابتلاءات لا تحول ولا تزول { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً } فاطر43 { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }الأحزاب62
ومن جملة ما سنه الله سبحانه وتعالى في خلقه أن كتب عليهم البلاء والإمتحان
{ لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } الأنفال37
فهي سنة علينا وعلى من سبقنا ، وعلى من سيأتي بعدنا { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } العنكبوت3 .
إن الدنيا – أخي – دار امتحان واختبار، وأسقام وأكدار.
فالمرء رهن مصائب لا تنقضي *** حتى يوسَّد جسمه في رمسه
فمؤجلُ يلقى الردى في غيره *** ومعجل يلقى الردى في نفسه( )
تذكر أخي المكروب أن هناك خلقاً غيرك ممن حلت بهم المصائب، فهم على طريق الإبتلاء سائرون فلست وحدك في ساحة الابتلاء؛ بل لا أبالغ إذا قلت: إنه لا يوجد أحد إلا ولديه ما يُهِمُّه ويحزنه.
كل من لاقيت يشكو دهره *** ليت شعري هذه الدنيا لمن؟
إن الدار التي ليس فيها كدر ولا حزن، هي الجنة وحسب جعلني الله وإياك من أهلها. نعم تلك المَحَلَّة التي يكون فيها النعيم والسرور سرمدياً أبدياً، لا ينقضي, ولا ينتهي {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ }هود107.
أهلها في فرح دائم، ومتعة باقية { لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ } فاصبر وصابر لها واحصد ما استطعت من الحسنات فلعلك أن تظفر بها وتكون من أهلها.
أن كنت كلفاً بها مشتاقاً لها **** شوق الغريب لرؤية الأوطان
كن محسناً فيما استطعت فربما****تجزى عن الإحسان بالإحسان
وأعمل لجنات النعيم وطيبها****فنعيمها باقٍ وليس بفان
أدم الصيام مع القيام تعبداً****فكلاهما عملان مقبولان
قم في الدجى واتل الكتاب ولا تنم****إلا كنومة حائرٍ ولهان
فلربما تأتي المنية بغتةً****فتساق من فرشٍ إلى الأكفانِ( )
إن هذه الدنيا أخي الحبيب مليئة بالهموم والأكدار. إنها كأضغاث أحلام, أو كطيفٍ مر في المنام إن أضحكت قليلاً فلقد أبكت كثيراً, ولئن سرت شهوراً فلقد أحزنت دهوراُ.
حكم المنية في البرية جاري **** ما هذه الدنيا بدار قرار
بين يرى الإنسان فيها مخبراً****فإذا به خبراً من الأخبار
طبعت على كدرٍ وأنت تريدها **** صفواً من الأقذاء الأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها **** متطلب في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ****تبني الرجاء على شفيرٍ هارٍ( )
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إن لكل فرحة ترحة ، وما مليء بيت فرحاً إلا مليء ترحا"( )
وقال ابن سيرين: "ما ضحكٌ إلا كان بعده بكاء ".( )
ثم اعلم أخي علم اليقين أن الذي حل بك إنما هو قدر الله النافذ الذي لا مرد له, والذي قدر ذلك إنما هو أحكم الحاكمين, وهو أيضاًٍ أرحم الراحمين.
ما أرسل إليك البلاء ليعذبك !؟ ولا قدر عليك المصاب ليؤذيك !؟
كيف وهو سبحانه أرحم بعباده من الأم بولدها !؟
لكنه قدر ذلك كله لحكمة. قد خفيت عليك, وقد تعلم بها ولكن بعد حين إلا أن الأمر كله لك خير. فما قدره الله عليك إنما أراد به امتحان صبرك وإيمانك, ولأجل أن يسمع تضرعك, وابتهالك إليه تبارك وتعالى
فأسلم إليه وجهك وقلبك وسرك وعلانيتك لمن بيده الأمر من قبل ومن بعد.
فهو الحكيم الخبير, وأنت عبدٌ من عباده ناصيتك بيده ماضٍ فيك حكمه عدلٌ فيك قضائه إنه سبحانه المتصرف فيك؛ لأنك خلق ٌ من خلقه.
قال ابن عقيلٍ الحنبلي رحمه الله: " تهون المصيبة بالنظر إلى جلال من صدرت منه وحكمته وملكه سبحانه وبحمده".( )
ثم تذكر أخي سلمك الله أن هذا الطريق أعني طريق الإبتلاء قد سلكه قبلك خيار الخلق وهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وكذلك الصالحون من عباد الله وتلك علامة من علامات الخير وليست من علامات السوء.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس بلاءُ الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل" رواه النسائي وصححه الألباني( )
انظر مثلاً إلى أبي الأنبياء صاحب الحنيفية السمحة إبراهيم عليه الصلاة والسلام كيف ابتلاه الله بأنواع الإبتلاء فصبر على ما قدره ربه عليه.
ومن أعظم ما ابتلي به إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن ربه عز وجل أمره بذبح ولده إسماعيل,
هل تخيلت معي الأمر إسماعيل فلذة كبده, وريحانة فؤاده يذبحه !! هل تصورت هذا ؟
إنه لأمر غاية في العسر ولكنه قبل ذلك كله وبعده أمر الله تبارك وتعالى ما عنه محيصٌ ولا مفر.
فما كان من إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلا أن لبى أمر الله ومراد الله فقام عليه الصلاة والسلام وأضجع ولده إسماعيل على الأرض كما يفعل بالشاة تماماً إذا أريد ذبحها ثم جعل وجه إسماعيل إلى الأرض.
تعرفون لماذا ؟
حتى لا يشاهد وجه إسماعيل وهو يموت فيرق له ويرحمه ويترك أمر الله تبارك وتعالى.
وحانت ساعة الصفر, واخذ إبراهيم السكين ليذبح من ؟!
ليذبح ثمرة فؤاده, وقرة عينه, وأسلما أمرهما لله تبارك وتعالى راضيين بما كتب الله عليهما عند ذلك نادى الله إبراهيم بقوله: {يا إبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } الصافات105
ثم وصف الله ذلك الذي حل بإبراهيم بقوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ}الصافات106
إي ورب الكعبة إنه لهو البلاء المبين.
وكم مر على الأنبياء من الإبتلاءت الكثيرة والمحن المتتابعة وهكذا صالح البشر تعرضوا لأصناف البلاء فصبروا على ما قدر الله عليهم فجأت العاقبة حميدةً, والنهاية إلى روحٍ وريحان, وربٍ راضٍ غير غضبان
وهذا رابط المحاضرة الرائعة التي تم منها اختيار المقال
وهي ( محاضرة عزاء لأهل البلاء ) للشيخ عبد الله بن محمد العسكر
http://www.soutiat.com/open.php?_wm_...wm_action=open
جزاكم الله خيرا.
احد السلف كان يقول (( ولولا الإبتلاء لوردنا يوم القيامه مفاليس))
طرح موفق ومقصد نبيل بارك الله فيكـ
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات