فِعلُ الأَحـــرَارِ !!
كتبه
محمــد الشـريـف
mmfreedb@hotmail.com
حاصرَ الحجَّاجُ بن يوسفٍ الثقفي بيت الله الحرام وفيه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حواريه وحفيد خليله أبي بكر وحبيب أم المؤمنين عائشة : عبدُ اللهِ بن الزُّبَير ..
حاصره ستة أشهر وسبع عشرة ليلة ..
وبدأ من معه يتسرب من حوله .. ويطلب لنفسه الأمان من الحجاج .. حتى لقد خرج إليه منهم عشرة آلاف !!
حين رأى عبد الله بن الزبير رضي الله عنه توليَ الناس عنه وإقبالَ الموتِ عليه .. دخل إلى أمه ذات النطاقين أسماءَ بنتِ أبي بكر رضي الله عنها ، وقال :
يا أُمَّه .. خذلني الناس .. حتى ولدي وأهلي ، فلم يبق معي إلا اليسيرُ ممن ليس عنده من الدفعِ أكثرُ من صبرِ ساعة ، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا ، فما رأيك ؟
فقالت : أنت والله يا بني أعلمُ بنفسك ، إن كنت تعلم أنك على حقٍ وإليه تدعو : فامضِ له ، فقد قُتِل عليه أصحابك ، ولا تُمَكِّن من رقبتِك يتلعَّبُ بها غِلمانُ أُمَيَّة .
وإن كنت إنما أردت الدنيا .. فبئسَ العبدُ أنت !! أهلكت نفسك ، وأهلكت من قُتِل معك .
وإن قلت : كنتُ على حقٍ فلما وهَن أصحابي ضعفت ، فهذا ليس فعل الأحرار ، ولا أهل الدين .. وكم خلودك في الدنيا ؟؟!! القتل أحسن . ( لاحظوا أنه هذه ألفاظ أم تخاطب بها ولدها .. )
فدنا ابن الزبير فقبل رأسها ، وقال :
هذا والله رأيي . والذي قمت به داعياً إلى يومي هذا : ما ركنتُ إلى الدنيا ، ولا أحببت الحياةَ فيها ، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضبُ لله أن تُستَحَلَّ حُرَمُه ، ولكني أحببت أن أعلم رأيك ، فزدتيني بصيرةً مع بصيرتي . فانظري يا أُمَّه .. فإني مقتول من يومي هذا ، فلا يشتدَّ حزنك ، وسَلِّمي الأمر لله ، فإن ابنك لم يتعمد إتيانَ منكر ولا عملاً بفاحشة ، ولم يجُر في حكمِ الله ، ولم يغدِر في أمانٍ ، ولم يتعمد ظلمَ مسلمٍ ولا معاهَدٍ ، ولم يبلغني ظلم عن عمالي فرضيتُ به ، بل أنكرتُه ، ولم يكن شيء آثرَ عندي من رضا ربي . اللهم إني لا أقول هذا تزكيةً لنفسي ، أنت أعلم بي ، ولكن أقوله تعزيةً لأمي لتسلوَ عني .
فقالت أُمُّه :
إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسناً إن تقدَّمتني ، وإن تقدمتك ففي نفسي ، اخرج حتى أنظر إلى ما يصير أمرك .
قال : جزاك الله يا أُمَّه خيراً ، فلا تدَعي الدعاء لي قبلُ وبعدُ .
فقالت : لا أدعه أبداً . فمن قُتِلَ على باطلٍ ، فقد قُتِلت على حقٍ .
ثم قالت : اللهم ارحم طولَ ذلك القيام في الليل الطويل ، وذلك النحيبَ والظمأَ في هواجر المدينة ومكة ، وبرَّه بأبيه وبي . اللهم قد سلمته لأمرك فيه ، ورضيت بما قضيت ، فأثبني في عبد الله ثواب الصابرين الشاكرين .
************
وثبت ابن الزبير لجند الحجاج .. كلما طلعوا عليه من بابٍ من أبواب الحرم خرج إليهم وحده .. فانهزموا حتى ظنوا أنه لا يُقتَل .
ثم رماه أحدهم بآجُرَّةٍ فأصابته في وجهه ، فأرعش لها ، ودمي وجهه . فلما وجد سخونة الدم يسيل على وجهه ولحيته قال :
فلَسنَا على الأعقابِ تَدمَى كُلُومٌنا ولكن على أقدامِنا تقطُرُ الدِما
ثم تكاثروا عليه .. فقتلوه مقبلاً غير مدبر .. بعد أن أثخن فيهم .
فأخذ الطاغية الحجاج جسده فصلبه على جذع ..
أخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن أبي نوفلٍ قال : رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ ، فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ وَالنَّاسُ ، حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، فَقَالَ :
السَّلامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ .. السَّلامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ .. السَّلامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ ..
أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا .. أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا .. أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا ..
أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا وَصُولا لِلرَّحِمِ .. أَمَا وَاللَّهِ لأُمَّةٌ أَنْتَ أَشَرُّهَا لأُمَّةٌ خَيْرٌ .
ثُمَّ نَفَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ .
فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ مَوْقِفُ عَبْدِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأُنْزِلَ عَنْ جِذْعِهِ فَأُلْقِيَ فِي قُبُورِ الْيَهُودِ .( !!!!!!!!!!!!!!!!! )
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، فَأَبَتْ أَنْ تَأْتِيَهُ .
فَأَعَادَ عَلَيْهَا الرَّسُولَ : لَتَأْتِيَنِّي أَوْ لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكِ مَنْ يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ .
فَأَبَتْ ، وَقَالَتْ : وَاللَّهِ لا آتِيكَ حَتَّى تَبْعَثَ إِلَيَّ مَنْ يَسْحَبُنِي بِقُرُونِي .
فَقَالَ أَرُونِي سِبْتَيَّ ( يعني نعليَّ ) فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا ، فَقَالَ :
كَيْفَ رَأَيْتِنِي صَنَعْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ ؟؟!! ( يعني ولدها عبد الله بن الزبير !! )
قَالَتْ : رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ . ( !!!!!! )
بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ لَهُ يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ !! أَنَا وَاللَّهِ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ : أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَعَامَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ الدَّوَابِّ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ .
أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا ، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلا إِخَالُكَ إِلا إِيَّاهُ .
فَقَامَ عَنْهَا الحجاج وَلَمْ يُرَاجِعْهَا .
************
مكثت أسماء رضي الله عنها بعد مقتل ابنها عبد الله عشرة أيام .. وقيل خمسة .. ثم قبضها الله إليه !
************
فِعلُ الأحرار هو ما تنتظره الأمة اليوم من علمائها ومفكريها ..
أما حُكَّامُها فليست تنتظر إلا أن يعمهم الله بعذاب من عنده .. ويحملهم إلى حيث مستقرِّهِم مع أشباهِهم ممن لا يرقبون في مُؤمنٍ إلاَّ ولا ذمة .
الحاكم سَفِيهٌ تَغَلَّبَ .. وتَِبعَه أمثالُه .
والعالِم رجل منحه الله نورَ النبوة في قلبه .. وحِكمةَ التنزيلِ على لسانه .
الأمة لا تنتظر من أهل العلم فتاوى بجوازِ قتالِ الأمريكان .. أو كفرِ من يساعدهم .. فذلك أمر لا يجهله أطفال المدارس !!
الأمة تنتظر من العالم أن يحمل سلاحه ، وأن يرشدها إلى مكانِه بين الصفوف لتَقِفَ خلفه !!
ما تصورت الأمة قَطُّ أن يكون موقف العلماء الآن موقفَ المُخَذِّل للشباب الثائر عن الجهاد ..
في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ثمة أصنافٌ ثلاثة .. وكانت لهم أفعالٌ ثلاثة :
أهل الإيمان .. وفعلهم : حمل السيف للجهاد مع رسول الله ..
وأهل الكفر .. وغايتهم : محاربة أولياء الله .
والمنافقون .. وديدنهم : التثبيط عن نصرة دين الله .
لم يكن ثمة صنفٌ آخر .. ولا كان ثمةَ فِعلٌ يتأرجحُ صاحِبُه بين هذه الأفعال الثلاثة ثم يُسَمَّى بعد ذلك مُسلِماً !!
ولو كان غير العلماء مَن ثبط عن الجهاد لساق لهم الناس أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضله!!
لو غير العلماء .. لأخبرهم الناس بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ : يَغْفِرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِيمَانِ ، وَيُزَوَّجُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ ،وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ .
لو غيرُ العلماء !!
************
ليس تثبيط أهل العلم عن الجهاد أنهم لم يصدروا البيانات الرنانة .. ولم يخطبوا الخطب الطنانة .. فذلك فعلُ ينافسهم عليه أي خائنٍ من زعماء العرب ..
كلهم أدان .. وكلهم أنكر .. وكلهم أعان في الخفاء على ما أنكره في العَلَن !!
التثبيط أن تأمر الناس بالجهاد ثم لا يروك أول الواقفين في الصف !!
والتثبيط أن تدعو الأمة إلى المقاومة .. ثم لا تبين لها الطريق الذي تقاوم من خلاله .. ولا المنهج الذي تقاوم به ..
والتثبيط أن يسألك الناس – وأنت وارثُ النبيين - : ماذا نفعل ؟؟ فتقول لهم : عليكم بالدعاء !!
وهل يقبل الله دعاء قاعدٍ أو مُخذِّل ؟؟!!!
************
لا يهاب المرء في الجهاد إلا الموت ..
ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ إِلا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ.
والموت قادم .. الموت قادم ..
فليكن لموتنا ثمن .
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات