البلغار المسلمون جرح ينزف ولا مضمد له..؟؟
نتناول اليوم واحدة من أحلك المحن التي كابدها شعب مسلم على وجه الأرض, ولا أدري من أين يبدأ القلم، فهناك نزيف منبثق على جانبيه من ذلك الجرح الغائر الذي تنفطر لرؤيته الأفئدة, وتهتز من هوله الجبال الشامخة, ولكن لدينا أحداث تزدحم بها ذاكرة حزينة تمتلئ بمآسي ذلك الشعب المسلم في الماضي والحاضر ويعلم الله ما سيكون في المستقبل.
والله إني لأحار على من تقع تبعة ما يعانيه هؤلاء الأخوة, فكم هامة من هذا الشعب سجدت لله ضارعة سامها الذل مَن جاروا وظلموا من الطغاة الوثنيين، وكم من مسلمة حرة أبية صرخت يومًا بمعتصم ولكن ليس في الأرض ـ ويا خزينا اليوم ـ معتصم, وكم طفل خطف من كف عائله, وكم بائس من هذا الشعب حقه المشروع مهضوم وهناك الكثير والكثير من المآسي التي تنوء بحملها الجبال، فما بال أنها مسئولية الأمة الإسلامية بأسرها وهي وصمة عار في جبينها، ولابد لكل مؤمن موحد يرعى الله أن يدلي بدلوه في إزالة تلك الوصمة.
واليوم ونحن بصدد فتح ذلك الملف المؤلم, نأمل بعرض المآسي التي تعرض لها ذلك الشعب أن تنهض النفوس الأبية لنصرة هؤلاء المستضعفين, كما نهيب بدعاة الهدى وأهل الحمية من أمة الإسلام أن يهبوا لإنقاذ أهلنا الأحبة من تلك الأمة المحمدية من يد الهمجية, ونحن بعرض تلك المشاهد لا نريد دموعًا بل نريد فعالاً علنا نستطيع تضميد ذلك الجرح الغائر.
بلغاريا
يقال إن اسمها محرف من كلمة 'فولغا ـ إري' أي إنسان الفولغا, وهي دولة بلقانية يحدها من الشمال رومانيا, ومن الجنوب تركيا, ومن الشرق البحر الأسود,ومن الغرب يوغسلافيا.
وقد أطلقت تسمية البلغار للمرة الأولى على الشعب الذي عاش في بلاد القوقاز الواقعة حاليًا تحت الحكم الروسي وهم أيضًا فرع من الأتراك.
المساحة : 110.912كم2
عدد السكان : بلغ 8 مليون نسمة حسب آخر إحصائية عام 2004م منهم 2,5 مليون مسلم.
الديانة :الديانة المسيحية الأولى وتمثل 84.3%,يليها في الترتيب الإسلام ويمثل حوالي 12.2%ثم اليهودية 0.1% وديانات أخرى تمثل 3.4%.
اللغة الرسمية البلغارية إلى جانب بعض اللغات حسب الأعراق المختلفة ولكنها ليس لها صفة رسمية.
عدد المساجد: قرابة 750 مسجدًا ومثلهم مدارس وهناك المركز الإسلامي ودار الإفتاء ومؤسسة النور الإسلامية وكذلك مؤسسة الدعوة والتبليغ, إلى جانب المعهد العالي للدراسات الإسلامية.
اعتنق البلغار الإسلام في القرن الثالث الهجري [التاسع للميلاد] وقد هزم المسلمون اليهود الخزر المجاورين للبلغار سنة 120هـ / 737 م، وأبيدت دولة الخزر اليهودية سنة 210هـ /825م، وحين ذاك انتشر الإسلام في بلاد الخزر وبلاد البلغار وما يجاورها على ضفاف نهر الفولجا الذي يصب في بحر الخزر أي بحر قزوين، هاجم الروس يهود الخزر سنة 350هـ /963م، وبعد ذلك بأربع سنوات أسلم ملك الخزر، وأسلم معه عدد كبير منهم، غير أن حاكم روسيا 'ماستيلاف' هاجم ما بقي من يهود الخزر، وساعده الروم البيزنطيون، فقتلوا من قتلوا وشردوا من شردوا سنة 407هـ / 1016م، واعتنق بعض الخزر النصرانية وبعضهم اعتنق الإسلام، وبقي بعضهم يهوديًا... أما البلغار فاعتنقوا الإسلام قبل يهود الخزر الذين يجاورونهم ويعيشون معهم في حالة حرب مستمرة.
وحج أحد أبناء ملك البلغار في عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله وزار الأمير البلغاري بغداد وقدم فروض الطاعة للخليفة العباسي المقتدر وطلب منه المساعدة و ذلك لأنه أراد أن يجعل بلده إسلاميًا, فأرسل إليه المقتدر بالله الفقهاء والعلماء والحرفيين والتجار وغيرهم لينشروا الإسلام ويدعون له.
وبني الملك البلغاري المسلم حصنًا كبيًرا حول مدينته ليأمن شر الملوك غير المسلمين واستجاب الخليفة المقتدر لطلبه وأرسل إليه بعثة كبيرة على رأسها العلامة الشيخ أحمد بن فضلان بن العباس البغدادي الذي ألف كتابًا عن رحلته يسمى 'رسالة ابن فضلان' يصف فيه كل شيء عن دعوته للإسلام في بلغاريا ويعد الكتاب مرجعًا تاريخيًا وجغرافيًا وتحفة في أدب الرحلات.
ومنذ استولى المغول على البلاد في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي كانت أحوال المسلمين هادئة واختفى اسم بلغاريا وقتًا وحلت أسماء كثيرة أخرى محله.
وتمسك المسلمون بدينهم وازدادوا قوة وبنوا في كل قرية مسجدًا وبجوار المسجد مدرسة لتلقي علوم الدين الحنيف وليتعلم فيها أولادهم.
وبعد أن انتشر الإسلام بين البلغار وجيرانهم على ضفاف نهر الفولغا والقوقاز وقعت حروب بين القبائل المتناحرة في تلك المناطق فاندفعت هجرات متلاحقة اتجهت غربًا نحو أوروبا الشرقية، فاستوطن الهنغار في المجر، والبوشناق في البوسنة والهرسك، والبلغار في بلغاريا الحالية.
ولكن ملك بلغاريا سيمون اعتنق النصرانية وقاد حملة التغيير التي استمرت بالنمو في أيامه واصطدم مع المسلمين الهنغر والباش غرد وغيرهم في حوض الدانوب، وسار أحفاده على طريقه وقد أصبح الدين المسيحي دينًا رسميًا لبلغاريا سنة 251هـ / 865م.
وقد بقي عدد من البلغار على دين الإسلام, لكن هذا العدد من المسلمين ظل ضعيف الجانب حتى الفتح العثماني،حيث فتح السلطان مراد الأول مدينة أدرنة سنة 762هـ/ 1361م، وجعلها عاصمة للسلطنة العثمانية ثم فتح فلبة في بلغاريا ثم فتح صوفا سنة 785هـ / 1383م، بعد أن حاصرها ثلاث سنوات، وعمت الفتوحات الإسلامية بلغاريا وشارك المسلمون البلغار فيها وتحرروا من ظلم الروم الأرثوذكس البيزنطيين وبفضل مشاركة المسلمين المحليين في حروب البلقان اتسعت رقعة الفتوحات، واصطبغت بلغاريا بصبغة إسلامية عثمانية تامة اعتبارًا من سنة 805هـ /1402م وظلت هذه الأحوال سائدة لعدة قرون حتى عام 1877م وبلغ عدد المساجد في ذاك الوقت أكثر من 1500 مسجد منتشرة في كل مكان.
ومرت تلك القرون وتآمر الأوروبيون والروس على الدولة العثمانية وتحولت بلغاريا إلى ميدان للمعارك بين الروس الأرثوذكس ابتداء بسنة 1293هـ / 1877م، وهُزم العثمانيون وبدأت المجازر الجماعية تطاول المسلمين العزل مما فتح باب الهجرة فهاجر من هاجر ولاذ مئات آلاف المسلمين بالجبال، وتآمر أعضاء حزب الاتحاد والترقي من الماسون ويهود الدونمة وعملاء السفارات الأوروبية، وأثاروا الفتن الداخلية في البلاد العثمانية، واستغل الوضع الهش أمير بلغاريا فردناند سنة 1326هـ / 1908م، واتخذ لنفسه لقب قيصر وحكم البلاد حكمًا روميًا أرثوذكسيًا حتى سنة 1362هـ / 1943م، وسادت محاكم التفتيش وأجبر المسلمون على الارتداد عن دينهم أو الهجرة، وقتل منهم الآلاف، وفي سنة 1380هـ /1960م، حوصر المسلمون في بلغاريا وتعرضوا لحملة شيوعية ودمرت المساجد والجوامع و التكايا والزوايا والمدارس الإسلامية, وشرد المسلمون فاتجهوا نحو البلاد الإسلامية إلى أن أصبح المسلمون البلغار أقلية بعد أن كانوا أغلبية، وبدأت نسبة المسلمين بالانخفاض في بلغاريا بعدما كانوا يشكلون نصف سكانها.
وإذا توقفنا قليلاً عند تجمعات المسلمين ونوعياتها داخل بلغاريا نجدها كالآتي:
الأتراك: وينتشرون في أنحاء كثيرة من البلاد و خاصة على البحر الأسود.
التتار: وهم أتراك أيضًا لكنهم قدموا إلى بلغاريا من شبه جزيرة القرم بعد أن اجتاحها الروس في القرن الثامن عشر الميلادي ويتمركزون في القرى الواقعة على الحدود الرومانية وساحل البحر الأسود.
الغجر: ويوجد منهم مسلمون وهم من البدو الرحل.ودخولهم للأسلام هربآ من ظلم من حكامهم البلغار ..
وأخيرًا البوماك: ويعتقد أنهم البلغاريون الأصليون ويتكلمون اللغة السلافية والصربية ويسكنون مرتفعات رودوب وجنوب بلغاريا وغربها.
و هذه التجمعات بنوعياتها المختلفة تعرضت خلال الحرب الروسية العثمانية إلى ضغوط وهزات كبيرة أدت إلى تفرقها وتغيير مواقع وجودها بل إلى فرار أعداد كبيرة منها.
وما يدعو للأسف وكان أشد بشاعة وهولاً أن تلك المجموعات لاقت بعد ذلك حملات تصفية منظمة وضارية على يد القياصرة البلغار، والذي زاد من حدة وقسوة تلك الحملات النعرة الطائفية التي عمت أوروبا ضد المسلمين وجسدها إطلاق معظم البلدان الأوروبية أسماء مميزة للمسلمين فيها عن غيرهم من السكان بقصد التحقير من شأنهم.
و أيًا كانت الحملات التي واجهها المسلمون على أيدي القياصرة البلغار إلا أن ما واجهوه في الحقبة الشيوعية كان أشد وأنكى, ويصف المؤرخون الحملة التي بدأها الحكم الشيوعي ضد المسلمين بأنها من أشد الحملات التي تعرضت لها أقلية إسلامية في بلد شيوعي, فقد استهدفت هذه الحملة العقيدة الإسلامية ذاتها.
وتكشف تفاصيل تلك الحملة التي شنتها الدولة البلغارية بكل أجهزتها ضد المسلمين في الفترة من عام 1979م إلى 1989م عن حقد ووحشية وخطة خبيثة اقتضت التخلص من المسلمين اسمًا ورسمًا وعقيدةً, فتم إرغامهم بالقوة على تغيير أسمائهم من العربية الإسلامية إلى السلافية، وإجبار من لم يرضخ لذلك على ترك البلاد, ثم مورست عمليات تذويب على من بقي وقد أسفرت بالفعل عن إبادة مليون مسلم و بلغرة ثلاثة ملايين آخرين.
وظل المسلمون في تلك المحنة التي سجلها التاريخ الإنساني لتبقى شاهدة على تخاذل العالم الإسلامي إلى يوم الدين, ثم سقطت الشيوعية ونال المسلمون هامشًا ضيقًا من الحرية الدينية، لكن ورغم الإعلان عن عهد تسوده الديمقراطية ويعطي المواطنين حقوقهم, إلا أن ذلك يبدو أنه حلال لكافة خلق الله من الملل والديانات الأخرى فيما عدا المسلمين فقد استثنوا من كل ذلك وتواصلت الحملة التي تبناها العهد الشيوعي, ولكن بصورة مختلفة ونهج جديد وخبيث حيث ضيقوا عليهم فرص التعليم والعمل وامتلاك كافة آليات الحياة, بالإضافة إلى منعهم ممارسة الأنشطة الاقتصادية بغية قتلهم في صمت.
وأما على صعيد ممارسة الحقوق السياسية, تضع السلطات العراقيل لحرمان المسلمين حقوقهم السياسية, وأما عن الحصار الاقتصادي فحدث ولا حرج فيكفي أن يعلم كل ذي قلب من أمة الإسلام أن البطالة بين المسلمين تزيد على 80% ولا يقل مستوى الفقر عن ذلك, وهنا تطل أفعى التنصير من مكمنها حيث تجد لها مرتعًا تعيس فيه فسادًا ونحن في غفلة وسبات عميق لا أدري متى نفيق منه ونعي أننا يومًا ما سنسأل عنهم وعن أمثالهم من ضحايا البطون المتخمة والقلوب المتحجرة ولا أدري ساعتها ما عسانا نجيب.
ومازال وضع المسلمين على تلك الحال المخزية لنا جميعًا معشر المنعمين, وما زالت الحكومات البلغارية المتعاقبة تسعى كالحرباء محاولة دمج المسلمين في المجتمع ليكونوا بلغاريين عادات وقيمًًا ومبادئ وتذوب بذلك هويتهم وينتهي الإسلام من تلك الديار وإن بقي أتباعه, متبعة في ذلك الأسلوب الهادئ بعيدًا عن استخدام القوة.
ومن جهة أخرى تحرص الحكومة مرتدية رداء الثعلب المكار أن تبدو بصورة مغايرة أمام العالم الإسلامي, وذلك بغية الحصول على توجيه الاستثمارات الإسلامية إلى بلغاريا وقد نجحت بالفعل في عقد اتفاقيات مع بعض الدول الإسلامية للتعاون الأمني ومحاربة التطرف الديني!!
ولكن رغم تلك الضغوط فدائمًا تبدو بارقة أمل تحدونا، وخاصة أن الفجر يبزغ دائمًا من بين ظلمة الليل, فقد أصبح رفع الأذان بواسطة مكبرات الصوت مسموح في قلب العاصمة صوفيا، وبعدما كان حتى الختان ممنوعًا في العهد الشيوعي، أصبح اليوم كل شيء مسموحًا, وما يلفت النظر وجود طالبات محجبات داخل جامعة صوفيا.
ويسعى المسلمون في بلغاريا إلى استعادة أملاك الأوقاف العائدة لهم والتي صودرت أثناء العهد الشيوعي وقد نجحوا حتى الآن باستعادة 15 %منها فقط. ويفسر البعض عدم استعادة كل أملاك الأوقاف الإسلامية ببطء المحاكم وتلقيها رشاوى, هذا ولا يوجد بعد تلفاز خاص بالأتراك المسلمين، فيما يبث تلفاز الدولة عشر دقائق كل يوم أخبارًا باللغة التركية، كما يظهر المفتي في المناسبات الدينية مثل بداية شهر رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى.
وما زال المسلمون البلغار داخل بلغاريا والمهاجرون خارجها يتمسكون بدينهم ويحافظون على هويتهم ولا يتوقفون عن العمل باجتهاد ومثابرة محاولين انتزاع حقوقهم كمواطنين, قد تمكنت المشيخة الإسلامية من تنظيم صفوفها للتعبير بقوة عن قضايا المسلمين ومطالبهم الدينية,و على الرغم من المحاولات الدائمة للحكومة لاختراق المشيخة إلا أنها واصلت جهودها حتى تأسس المجلس الإسلامي الأعلى الذي عمل على وضع خطة عامة للعمل الإسلامي البلغاري داخليًا وخارجيًا, وبدأت المؤسسات الإسلامية البلغارية عهدًا جديدًا لاسترداد أمجاد المسلمين التي دامت لمدة تزيد عن خمسة قرون في ظل الحكم الإسلامي العادل.
وهكذا وعلى هذا النسق تسير أوضاع المسلمين داخل بلغاريا في تدافع مستمر بينها وبين حكومات لا تكف عن السعي لتذويبهم نهائيًا وبين مسلمين صقلتهم المحن التي مروا بها وجعلتهم أقوياء القلب والقالب وثبتت عقيدتهم وجعلتهم مصممين على الحفاظ على هويتهم وانتزاع حقوقهم الطبيعية مثل كافة البشر.
وإلى هنا انتهى القلم من تسجيل ما شاء الله له أن يسجل بعضًا مما علمه ومما نزل بتلك الأمة المستضعفة وها نحن علمنا فمتى نبالي وتنهض هممنا, ونسعى لإفراغ خزائننا المملوءة لنصرة الأحرار وانتشالهم من العدم والجوع والقهر والذل.
ولم يبقَ لنا إلا مقولة قالها أحد الأحرار لحث أهل الحمية من أمة الإسلام حيث قال:
ابذل لنفسك فالأرزاق جارية..... وفضل ربك حبل ليس ينفصم
ابسط يديك فإن العمر منتقص..... يبقى الجميل وتفنى دونه الأمم
والمال لله كم عشنا نثمره...... لا خير في المال إن ضاعت عنده القيم
وإلى اللقاء في وطن جديد ومع أمة أخرى من الأمم المسلمة المستضعفة في أرض الله.
تحيات
ماجد البلوي
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات