تابع لما قلبه ...
... و بالعودة إلى شاعر آل مناقره البطل ( معوض التلفيه ) و الذي أحب الغزو حباً جما حتى أنه بات يتمناه في مشيبه بعدما ( تثنت أرجله ) و عجز عن الحركة بقوله :
قلت آه وآرجليّ لوهنّ بالأوجاد
========== وجدي عليهن وجد مضمي على بير
ما صونهن لا قيل للربع ورّاد
========== لا عاضب المسرى بناخ الدناقير
ياما لويناهن على الخرج و شداد
=========== و ياما بدن في عاليات المسابير
و ياما بدن في رأس عرنان من غاد
========== على ديار مصلحين الخواوير
و لو خيروني بين جدّه و بغداد
======== و الله ما أرضى بالقوايم مخاسير
و الشاعر / معوض التلفيه . هو رفيق غزوات العقداء المشاهير في قضاعه الشيوخ / سنيد بن سليم منقره . و مسند بن سليم منقره . رحمهم الله تعالى ... آمين . حتى لقبه الناس بـ ( شاعر منقره ) و التلفيه صفة له و كان يطلق على الهاتف ( التلفون ) تلفيه و كان معروفاً في الحجاز بحيث يباري سكة الحديد الحجازية التي تبدأ من تركيا حتى المدينة المنورة و تمر شرقي بلاد قبيلة بلي و لقبوا معوض بـ التلفيه لسرعة فهمه و ذكاؤه الحاد و كانوا يضنون بالهاتف أنه يفهم و يدرك بحيث هو مجرد آلة لنقل الصوت في ذلك الزمن . أما الآن فأصبح الهاتف ينقل الصوت و الصورة و المعلومات عبر الانترنت أيضاً .
و هو القائل بعدما قطع أقوام أبن رشيد نخيل قرية جيده من بلاد بلي يلوم أبن رشيد و شمر على ذلك العمل المشين و قتل الكهول بعد التجاء من يقدر على الهرب في الجبال صعبة المسالك :
يا مير لو ما يتلاك يا مير يتلاه
======== أن كان صبحكم على باب حايل
و أبن خويتم شايبٍ ما فقدناه
======== و إلا النخل ما ينقل السيف صايل
و كذلك يلوم قبيلة حرب لأنها هي من تولت ( الدلالة ) لجيش الأمير / محمد العبدالله الرشيد . رحمه الله ... آمين . بحكم أن حرب تحاذي في كثير من بلدانها بلاد قضاعه ( بلي و جهينه ) في الحجاز فقال التلفيه لائماً لهم على ذلك العمل و يهددهم في العقيد ( منقره ) و غزواته الباسلة :
كان الدلاله يا حليمه لكم ثار
======= الله من دينٍ على الله سداده
جبتوا لنا الدمام يضحي على الدار
========= تقل دباءٍ طايرٍ من بلاده
من حمد ربي فيدكم هدم و حمار
========= و حنا لنا بديار الأجناب عاده
يا ويلكم من طيرنا حين ما طار
========= الله قنصنا فيه بأول هداده
إليا ضرب بالكف من غير الأضفار
========= يصبح معلّق بالضماير سواده
ما شفت نوره تقشع الثوب بجهار
========= راحت مفرّع عقب طريا الحشاده
جبنا ركايب شيخكم زين الأذكار
========== أبن رشيد اللي له الطيب عاده
و يحرم عليكم بالمساء شبّة النار
=========== و أنضفكم بالحزم ضف القراده
و للتلفيه فخريات حادة منها قوله على سبيل المثال :
نضرب على دار العداء قد حيله
========= و العمر في رأس القلم حط بكتاب
كلٍ حضر بالقيظ ودّه نخيله
========= و حنا نوقّف عند فتّاح الأبواب
في خبرهن ما نستعيز الدليله
=========== من كثر ما نركب على عوج الأرقاب
و الهرش حنا اللي طوينا صميله
============ ذوده نقسمها مصاعيب و ركاب
نخنا لها بين النخل و الدبيله
=========== و الخيل طاير عجّها عقب الأتعاب
و قد ذكرني قول ( التلفيه ) في شطر بيته ( من كثر ما نركب على عوج الأرقاب )
قصيدة لأخي و صديقي الشاعر العذب الملهم / خالد بن مطلق العنزي . مدحاً و ثناء في صديق الجميع الشيخ / فهد بن حماد بن راشد بن سنيد منقره . و أسلافه آل مناقره الكرام و ذلك عندما كنا نسكن محافظة الوجه جيرانا في حي واحد و كنا نتزاور بشكل دوري و جاءت قصيدة ( أبو ياسر ) خالد العنزي . و فيها قوله :
المرجلة تبغي مثل فهد حماد
========= اللي يحوش الطيبة ما يهابي
تلقاه و أن ضاقت سباريت الأجراد
============ يبين مثل الضلع راسي و نابي
فعل اليمين و قبله أفعال الأجداد
=========== مناقره لا جاء نهار الحرابي
ياما أشبعوا سرحان من روس الأضداد
========== ( و ياما اشتكت منهم ظهور الركابي )
أهل الصبر و أهل العزم لأبعد الماد
============ و عاداتهم نطح الأمور الصعابي
تاريخهم في صفحة أهل الوفاء ساد
============ أمجاد مثل مشمرخات الهضابي
و في مطلعها يقول ( أبو ياسر ) :
يا ياسر أكثر بالتراحيب و أزداد
========== و ألحق تفضل لأجل من زار بابي
قولة ( هـلا ) يفرح بها كل نشّاد
========== أسرف بها للضيف ساعة غيابي
و هات القدوع و سوو دلّه و براد
========== و قم صبّها و باق اللوازم تجابي
و أترك كلام أهل الضغاين و الأحقاد
=========== اللي لهم عن الجمايل حجابي
عند اللوازم يزبنون التصداد
========== عجلين بالاقفى كبار العلابي
ناسٍ يقولون انتهت حاجة الزاد
=========== و أقول أنا تقدير ما هو خرابي
الطيب ما يفنى له سلومٍ جداد
========== يجهل بها اللي من غلاء القرش هابي
ثم هذه الحكمة الفريدة و المعنى البكر في قوله :
المال شمس و ظلّه أفعال الأجواد
============ تنحاه نحي العاصفة للسحابي
ثم يستغرق بقوله :
كم من بخيلٍ يملك المال ما جاد
========== يموت فكره بالعدد و الحسابي
يبخل على نفسه بفرحات الأعياد
=========== و هو يدري أن نهايته للترابي
فـ ( لله در أبو ياسر ) فكم هو شاعر بمعنى الكلمة يستخدم لغة مصقولة بأسلوب سهل ممتنع قل أن يتقنه أحداً هذه الأيام و لقد أغرمت بشعره حتى حفظت منه الكثير و الكثير و الذي كان مثار أعجاب آخرين غيري من كهول الشعراء المعاصرين في نجد و الحجاز على حدٍ سواء .
و بالعودة إلى شاعر منقره التاريخي ( معوض التلفيه ) نجد أن معظم شعره حماسي و قد سبق أن تم تدوين بعضه في كتاب ( شاعر من نجد ) للمرحوم الشاعر / الأسمر الجويعان العنزي . و الردود عليه و من قوله الذي لم ينشر من قبل أبيات يفتخر فيها بأفعال قومه و عقيدهم الذي لقب بـ ( المجنون ) و فيها قوله :
ممدنا من جيده اللي تخبرون
========= و على اللبيدي مطلقين النطيره
ساقة عقيدٍ لا مشى تقل مجنون
========== يمد من ديره و يصبح بديره
نصبح على كبد العداء تقل طاعون
=========== في جمع كنّه لابةٍ مستديره
يا جاهلين بحربنا ما تعرفون
============ ( البل ) إليا حلنا عليها عسيره
الوضح أخذناها و نمشي على الهون
=========== و عود مكيس و حرها في ضميره
إلى آخر قوله ...
و هكذا كان الحال قبل توحيد هذه البلاد الطاهرة على يد المؤسس جلالة الملك / عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود . طيب الله ثراه ... اللهم أستجب . و أبناؤه الذين أكملوا تشييد صرح هذا الوطن الغالي على كل عربي و مسلم .
و بما أن الأستاذ / براك بن خليف البلوي . ذكر في إهداءه لي قرية أبو راكه استذكرت قصيدة لمعوض التلفيه في ( تذرع ) و هو الواقع شرق قرية أبو راكه و قد لبّى الشيخ / مسند منقره . النداء و أجار من هناك و نفى الضيم فقال فيه شاعره التلفيه ما يلي :
سحابةٍ خيلتها نشوها زين
========= مجنوبةٍ هبّت عليها الهبايب
تبرق من القصّه إلى خشم فرقين
========== و تسقى على تذرع رياضٍ عشايب
صبّة عليهم بالضحى يوم الاثنين
=========== و أول مطرها مثل لهب اللهايب
ثم يقول ...
عيناك يا ( تذرع ) أن كانك تصيحين
============ جيناك في ملحٍ يبوج الضرايب
الأولة لعيون مدعوجة العين
=========== مدعوجة العينين شقراء ذوايب
و الثانية لعيون من درّها زين
========== اللي حليبه ساطعٍ بالهنايب
خمسه على مسطاح و عشره عطيبين
=========== يا ذيب يا سرحان وين أنت غايب
أن ردت من لحم النشامى العفيفين
=========== و أن عفتهم يا ذيب تلقى ركايب
من غيرهم عشره بعدهم عطيبين
============ و ذود ( ....... ) جايبينه كسايب
و من شعره في آخر حياته بعدما توفوا أصدقاؤه الشيوخ ( سنيد و مسند ) منقره . قصيدة مؤثرة أرسلها إلى الشيخ / نعيس بن رفاده . رحمهم الله تعالى . و منها قوله :
يا شيخنا يا عزّنا و آذرانا
========== و شيخنا يوم الليال تعيب
أن بانت الطلبه يبين و لا يتقي
=========== حفره بعيد و يغرق الطليب
ثم ما يلبث أن يعود مفتخراً بقومه :
لا وآهني من صاح و حنا فزعته
============ نرمي الأشدّه فوق قبٍّ شيب
ما حنّا شوايا تعوّد للحذاء
============= و نصف العرب تفزع و لا تثيب
ثم يوصي أبنه بقوله :
أوصيك يا عويضه و لا تنسى وصيتي
============== اللاش لا تدعيه لك نسيب
و لا تعجبك الغنم في كثرها
============ و من جوّز الطيّب هو الكسيب
و اللي رداه معقّبه له جدّه
========== خلفه تدر و لا بها حليب
و اللي رداه بين أبوه و خاله
=========== ردي إليا من الغراب يشيب
في الحقيقة لا أدري لماذا دائماً يرتبط في ذهني ( التلفيه ) و ( الصيادي ) على الرغم من أن الشاعر / علي الصيادي . جهني و ليس بلوي و لكن ربما أن السبب هو أن الشاعر / علي الصيادي الجني . قد أمضى شطراً من حياته لاجئاً عند قبيلة بلي أو مجاوراً لهم لمحبتهم لديه أو لأسباب أخرى و ربما أن هناك أسباب أخرى من حيث الشاعرية و قرب زمانهم من بعضهم البعض مع علمي أن هناك فوارق شاسعة بينهم فالمعروف عن ( التلفيه ) أنه شجاع شارك في الكثير أو كافة مغازي الشيوخ المناقرة و نظم فيها أشعار جميلة أوردنا طرفاً منها .
و على النقيض فالمعروف عن ( الصيادي ) أنه ليس بشجاع و لكنه حاد الذكاء نافذ الحيلة و قد عاش فقيراً معظم حياته و من شعره في كلبه ( شلاح ) - بدون تشديد – بعدما حل في أحد السنوات بين أقوام لا يعرفهم و لا يعرفونه كثيراً و لا يدعونه و لا يلبون دعوته إذا دعاهم و نزل بعضهم من فوقه بأعلى ( تلعة ) كان قد حل بها و من أولئك عدة رجال يملكون قطعان من الأغنام كثيرة و لكنهم بخلاء فنظم هذه الأبيات التهكمية يوصي ( كلبه ) بأن لا ينبح على الذئب أن جاءه يريد الإغارة على أغنام أولئك البخلاء الذين حلوا في أعلى تلك ( التلعة ) و يبديء لهم النصح و كأنه منهم كي تزداد محبتهم له و يتقرب منهم هازئاً بهم في شعر تهكمي و فيه :
شلاح لا تنبح على الذيب و أن جاك
========== خلّه يسنّد يم أهيل السماني
توحي لهم مع تالي الليل دكداك
=========== تملّحوا و أنا عشايه كفاني
الصبح بدري عندك السعن و حذاك
============ و شريق في راس الطويله تناني
بدّر بمسراحك و ظلّم بممساك
============ من خوف ضيفٍ يعترض لك .....
ياما حلا و أن روحنّ عند معزاك
============ توحي لهن هن و البهم صلهجاني
و إليا تميعتوا و دهنّت سبلاك
============ أخذ الهنابه مزّ مزّ الاتاني
ثم ينصح أولئك ( العفون ) بما يروق لهم ...
كب المجالس عنك و الهرج ياذاك
============ أمن الحفاظه كزّ يم اللياني
و إليا حدرت السوق في سمن معزاك
=========== خلّك حريص و لا تجي مخرباني
و إليا قضبت السلم في كف يمناك
============ أحرص من اللي يدغشون الوزاني
خذ لك خلاصه و أترك العيش ياذاك
============= تراه في المخضار قرد الدهاني
و مهبول يا من حط هذا على ذاك
============ حط اللبن من فوق رزٍ يماني
و مهبول ياللي تذبح التيس يمناك
============ اللي يزوّد تاركين المعاني
ثم نعود كما ألزمنا أنفسنا في الكلام فقط حول أدآب و أشعار قبيلة بلي مع احترامنا الشديد لكافة أبناء الجزيرة العربية من القبائل و العوائل و الأسر الكريمة الأخرى .
و لعلنا نعود إلى القهوة و التي تسميها عرب الجزيرة بـ ( الكيف ) فالكيف عند بلي شيء مقدس و شأنهم بذلك شأن الكثيرين غيرهم و لكن شعرائهم أبدعوا في وصف القهوة العربية و من ذلك قول الشاعر / رشيد بن مقلقل العرادي . رحمه الله . حيث كانت له قصة مع حبه للقهوة و بعد أبناؤه عنه كي يخدموه بعدما طعن في السن ، و يقول مخاطباً زوجته بعدما أغضبته حول حبه للقهوة الذي شاركها في زوجها :
ياللي تقول قليبنا مريحاني
========= ياما بقلبي من تعاقيد و لوو
يا ذيب و أن أخلت عليك المثاني
=========== و لجلج عليك الجوع يا ذيب قم عو
و ما يعوي إلا بارد الزند واني
=========== اللي عياله عن هوى باله أنحو
هاتوا لنا بنٍّ من السوق قاني
=========== يعبى لأهل شيب الغوارب إليا جو
مثل سوات مشيدين المباني
============ لا جيت حرف بيوتهم يوم ناضو
لا قايلٍ نيّه و لا محرقاني
=========== برنوق و إلا ريق طيرٍ هوى جو
و من ثم سقها للجناب اليماني
============ شرابها عن دوخة الراس يصحو
تقصر عن اللي تاركين المعاني
============= لقّوا حزاب الضلع و أمسوا و لا جو
و قد ذكرني قول رشيد بن عامر العرادي ( لا قايلٍ نيّه و لا محرقاني ) في قول أخي و صديقي الشاعر الأستاذ / سليمان بن عبدالله بن فالح الربيض السبوتي الوابصي البلوي . ( الرمزي ) في أحدى قصائده التي أرسلها لي من بلاده و بلاد قومه ( وادي الكر ) و قرية ( روض الأبل ) و ذلك بعدما شرفنا في زيارة أسعدنا فيها في منطقة حائل في 8/6/1418هـ . و فيها قوله :
أمس الضحى نويت درب و مشيته
=========== من روض واد الكر و الدرب شرقي
و الدرب لونه طال لنّي نويته
=========== أقدام رجلي تسرق الدرب سرقي
مابي هوى نوره و ساره و صيته
=========== و لا ني من اللي يضعن لكل برقي
و لا ني بتاجر ... بايع اللي شريته
========== و لا ني من اللي يطرق الصلب طرقي
أنا سبوتي وابصي لا خاويته
====== ( حمسته لا نيّه و لا هي بحرقي )
ما غير لي صاحب دعاني و جيته
========== و من شيمته من كل الأشطان طلقي
يا طيب نفسه ثم يا زين بيته
=========== و يا زين ترحيبه إذا جاه طرقي
أبو سعيّد لا نصيته لقيته
=========== و بينه و بين أبوه ما فيه فرقي
أبوه أبن دوخي إليا من بغيته
=========== مثل العلم من فوق سلمى بعرقي
الشمري مرحوم حيّه و ميته
============ دين و كرم و معطر بدمث خلقي
إلى آخره ...
و من يعشق الشعر الشعبي القديم يرى في هذه الأبيات لرشيد العرادي ( الأنموذج ) من أشعار بلي ما يثير شغفه لمعرفة المزيد و المزيد و الذي لا يتسع وقتي مع الأسف الشديد لاستعراض أطرافه و لبحث و سبر تفاصيل أغواره مع الأعضاء في شبكة و منتديات الأسلم ( رواســـي طــــيء ) الكرام .
لأن ذلك يحتاج مزيداً من الوقت و التوسع في المباحث المتعلقة بذلك و لكني أريد أن أعود إلى شعراء قبيلة بلي المعاصرين من أصدقائي الكرام و هم كثر بحمد الله و فضله و منهم الأستاذ الكبير / سليمان بن إبراهيم الربيض البلوي . شافاه الله ... آمين . و قد كان قامة رفيعة في الأدب و الكرم الحاتمي الذي يصعب علي وصفه في سطور مقتضبة كهذه و لكني هنا فقط أريد أذكر شيئاً من شعره الذي أصبح أمثالاً و درراً تناقلها الخاصة و العامة و من قوله :
عزيل لقلبٍ غربلنّه طواريه
======= هذا يشد و ذاك نوّخ ركابه
البارحة جفني عن النوم مقزيه
======== هاجس سرق نومي و عنّي سرابه
ثم يقول ...
ليلي سرى و أنا أتقضّب تواليه
========== شفقٍ على فرقا السهر في عقابه
ثم الحكمة ...
كم من صديق لحزّة الضيق حاسيه
======= و أثريه بارد زند غير الردى به
عارف لزومك و يتحراك تبديه
========= و إليا بديت شمام عذره بدا به
صديق من ذا النوع لا وين ترجيه
========= إليا صار ما ينفعك وش ينبغى به
ثم يقول ...
الطيب حيد و يتلف أقدام راقيه
======= اللي رقى و اللي عجز ما رقى به
و اللي عمل معروف يلقى جوازيه
======= عند الرجال و عند ربّه مثابه
و بعد أبيات يقول حكمته الفريدة في الشعر الشعبي ....
العسر مثل اليسر لك مصلحه فيه
========= يفحص لك الخلاّن و يرد جابه
اللي يقرّب حزّة الضيق تدنيه
========= و اللي تغيّب عنك سجّل غيابه
خلّه يغور و كافل العبد واليه
========== اللي عن المخلوق ما صك بابه
صادق صدوقٍ قوّ باسه يهقويه
========= و كب الردي كبّه قليل المثابه
و في هذه القصيدة الجميلة يمدح الكريم الشهير / عبدالله بن فالح الربيض . رحمه الله تعالى . و هو من أشهر كرماء قبائل قضاعه على الإطلاق و يسند عليه أثر حادث تعرّض له و يوضح مدى حبه له بطريقة لم يسبق لأحد أن تطرق لها في الشعر الشعبي أطلاقاً .
ثم يستذكر وطنه و مسقط رأسه وادي الكر و قرية روض البل من بلاد وابصه شرقي الوجه و يظهر حبّه الشديد لوطنه و قد أقتصر على القليل في قصيدته ليوضح حبّه لوطنه و ذلك من خلال معرفتي به و منادمته لسنوات في جلسات مطوّله كنا نتسامر فيها لنتناول فيه علوم شتى في الحياة عموماً ...
و يقول بعدما أركب أبنه الأكبر ( محمد ) على جمله ( الموج ) و الذي أبدع في صفته على نهج العرب الأوائل و من ذلك قوله :
قم يا محمد هات كورك و أوانيه
========= و أكرب على اللي ما بعد شق نابه
من كثر مس الكور بان الزهر فيه
========== ( جنفان ) راع الكار يحسب حسابه
زين القفا و الراس ربي مسويه
========== بالوصف مثل الذيب لونه يشابه
مفتّل الذرعان و البعد يدنيه
========= ممشى ثمان أيام يومين جابه
إليا نهمت ( الموج ) صفّنّ أذانيه
========= و حبل الرسن بيديك زاد إكترابه
عينٍ على المدراج تقدّي مواطيه
========= و عينٍ على الباكور منها مهابه
من الضما و البعد ما خاف راعيه
========= بالقيض و المشرب قليل الروى به
إليا هج مع فجٍ و إلى ذاك قافيه
========= تبارك الرحمن عجلٍ طوى به
يشبه هجيج الذيب و أن عاف واديه
======== وجّه على وادي تحرّى العشاء به
ثم يقول بعدما وصل بلاد وابصه في وادي الكر شرقي الوجه ...
ملفاك عودٍ من ربوعي يحنيّه
========= أول كلامه مرحبا يا هلا به
يذبح سمين الضان و البن يشريه
======== دايم نحاوي عن دروب الخيابه
كلٍ يعرف العود ماني مسمّيه
========= ناره توقّد مثل نار الحرابه
ماضي و حاضر هاشل الليل يقريه
======== و هاذي طبوع العود بأول شبابه
قالوا تحبّه ؟! قلت : بالحيل و أغليه
======== حبٍّ يفوق الوصف مـ أحدٍ درى به
و أحب روض البل و حيٍّ سكن فيه
======= حبٍّ نمى وسط الحشا و انتشى به
حبٍ بلا غايات شامخ مبانيه
====== حبٍ على وضح النقاء و الوفاء به
أحب ضلعانه و نابي روابيه
====== سما و هواء و اللي نبت في ترابه
حبيت واجد حب خافي و مبديه
====== و لا مثل ما حبيت حضرة جنابه
بدمّي جرى حب الوطن مع مساقيه
====== و حب الوطن شرع النبي و الصحابه
بالقيض و إلا في ليالي مشاتيه
======= دايم مع الأيام زود النماء به
ثم ( بيت الوطن )الأجمل و الأعقل و الأكمل و الأحكم و الأشعر هو هذا البيت حسب هواي و نظري :
لا قدّر الله و أخلف الوقت طاريه
====== بحضن الحبيب ألقى الوفاء و الذرى به
و بالفعل الوطن هو الحضن الدافئ و الوافي و الذي في الذرى و النماء ...
و أتذكّر أني صديقي العزيز الشاعر المبدع / سليمان بن إبراهيم الحمد . دائماً ما يردد أن أجمل بيت سمعه في حياته هو قول الأديب / سليمان الربيض ( أبو محمد )
ليلي سرى و أنا أتقضّب تواليه
========= شفقٍ على فرقا السهر في عقابه
و قد ذكر ذلك أيضاً في أحدى لقاءاته الصحفيّة عندما حصل على جائزة أفضل شاعر شعبي من الرئيس المرحوم / زايد آل نهيّان . رئيس دولة الأمارات العربية المتحدة .
و بالمناسبة فأن قصيدة الشاعر / سليمان الحمد . الغنائية نظمها بعد زيارة شرفني فيها في مدينة حائل عندما كنت أعمل في عروس الشمال و التي منها قوله :
ميّل عقاله ولد شمّر
======== ما حسّب الألف و الميّه
إلى آخر الأبيات ...
ثم طلبت غنائها المطربة الأردنيّة / سميرة العسلى . و ظهرت بأجمل حلّة بصوتها الطربي الجميل فله و لها جزيل الشكر ...
و بالعودة إلى شعراء قبيلة بلي فأنه لا يفوتني أن أذكر ممدوح ( أبو محمد ) و هو الكريم الحاتمي / عبدالله بن فالح الربيض . رحمه الله و الذي من أشعاره قوله في أحد المواقف التي تعرّض لها ما يلي :
قالوا تضيق و قلت و ش حزّة الضيق
======= الضيق يا جاك الخطاء من الرفيقي
و الضيق يوم تويق روس الشواهيق
========= مجنوح مالك بالخلايق رفيقي
و الضيق لا جنّك و قفّن مراييق
========= و تكبّهم من قلّ ما هو تبيقي
و الضيق لا حطّوا عليك الطرابيق
========== بالحفرة اللي بعدها ما تويقي
و اللي يقول يسوق من غير لا سيق
========== يسعى به الحد الرهيف الرقيقي
و للكريم الحاتمي / عبدالله بن فالح الربيض السبوتي الوابصي البلوي . الكثير من القصائد الممتلئة بالشعور الصادق و منها على سبيل المثال قصيدته عندما علم بسجن الشاعر الأستاذ / سليمان بن إبراهيم الربيض ( أبو محمد ) أثر حادث مروري توفي على أثره رجل كان معه ثم خرج بعد أن أوقد منار شعر ( عبدالله ) أبو سليمان بحيث قال في تلك الليلة التي أتاه فيها خبر سجن أبو محمد :
يا ملّ قلبٍ مذهبٍ حال راعيه
======= حتى العيون الغافلة جرّ ماها
و الليل طوله من علومٍ تجي فيه
======= و بالقلب نارٍ يطفي الله سناها
و له أبيات كثيرة ذات معاني بكر و نادرة الأفكار و الألفاظ و أتذكر على سبيل المثال لأبو سليمان رحمه الله تعالى . قوله جواباً لسائل عن ضعف جسمه و نحوله :
حالي خسسها من ضميري و طاريه
======== و الجسم ريّه من فضا قلب خالي
يوم المعزّب راح من علمنا فيه
========= و أخلاء مكان مبهرين الدلالي
إلى آخر ما قال ...
و لعل من آخر أشعاره رحمه الله ما قاله قبل أكثر من ثلاثين سنة مضت رداً على فتاة جميلة تبحث عن الجمال في الشباب فأغضبه منطقها و منطلقها في جمال الرجال و أجابها بأن الجمال هو جمال الأفعال و ليس حسن الوجوه . و من قوله :
ياللي تنقّض فوق الأمتان مجدول
========= و تدفق عليه من أصفر الورد بالكاس
الزين ما ينفع على زول مجهول
======== أن كان ما حصّل مع الربع نوماس
الزين : من دلّ النضاء من وراء الحول
========= في نقرة بين المراجاه و الياس
و أن جنّ من المطراش بالربع جهجول
=========== دنّى لهنّ بنٍّ و هيلٍ و محماس
و جاب الخروف اللي مصلّح إليا الحول
=========== و حطّه على التبسي على الزاد بغماس
يا بنت ............ ترى الزين مفعول
============ و إلا الصور صبغه على جنب قرطاس
و له أيضاً هذه الأبيات من قصيدة أخرى يوصي فيها أبنه الأستاذ / عودة بن عبدالله . و هو المعنى في القصيدة السابقة و منها :
أوصيك يا عوده و تسمع وصاتي
======== لا بد ما كلٍ يروّح لحاله
سجّل وصاة أبوك قبل المماتي
======== العمر يفنى و السفر راس ماله
و الضيف رحّب فيه من حيث ياتي
======== قلّه هلا من قبل يفصخ نعاله
أوف الفروض و حي بالمقبلاتي
======== يستر عليك الله بعزّة جلاله
و أوصيك أنا يابوك بالطيباتي
======== و إلا الردى هيّن و كلٍ يناله
و لا تكثر الجيّات لأبو البناتي
======== و لا تتبع البطّال من شان ماله
و أوصيك لا تنسى ورايه خواتي
======== ترى رخيص العار يا عزتى له
في الحقيقة أن الحديث في سيرة و أشعار الحاتمي عبدالله بن فالح الربيض يطول و كذلك أبن عمه الكريم الحاتمي الآخر المشهور ( أبن رخيّه ) و الذي تغنّت الركبان بمكارمه و نظم الشعراء أجمل قصائدهم في ( أبو نافل ) سليمان بن سلمان الربيض . رحمه الله و من أشهر ما قيل فيه قصيدة للشاعر الأستاذ / محمد بن مصطفى السحلي . و فيها :
مكه عليها نور و الكر به نور
========= الكر نوره مجلس أبن رخيّه
رجّال عند البدو و الحضر مشهور
=========== و مدورين الطيب يمشون زيّه
أن جيت أبو نافل على شقّة النور
=========== تلقى الفطور و قبله الشاذليّه
و أن جيت نصف الليل مجلسه مخبور
=========== تلقى الدلال و تاجد النار حيّه
و قبل تقوم الصبح و الدم منثور
============ و يباشرك في مرحبا و التحيّه
من ساس ربعٍ تاخذ الضيف بالدور
=========== أهل الوفاء و أهل النفوس الصخيّه
و أنا أشهد أني ما تكلمّت بالزور
=========== لو قلت حاتم طي بالجاهليّه
و قد صدق أبو طلال السحلي ...
و قد تبادر إلى ذهني عند ذكرك لقرية النشيفه الشاعر الفحل / يوسف بن سليمان السرحاني ( أبو مشهور ) رحمه الله تعالى ... آمين . و الذي كنت أسمتع بالجلسات الصباحيّة معه عند الشيخ / رشيد بن مرشد المطرفي . في حي الفريعه بالوجه رحمهما الله تعالى .
و قد كنت أحفظ قصيدته المشهورة قبل أن أراه بحيث أصبحت من شوارد الشعر الشعبي و قد نشرت و حدث عليها خلاف في أحدى الجرائد قبل سنوات و هي التي يقول فيها في شبابه :
ما يستريح اللي عزم له رجاجيل
=========== زكّن عليهم للعشاء و أستجابوا
ما وفروا شاتي ذيابة مكيحيل
========== و لا عمرهم عن هبّة الريح غابوا
يستاهلون الحيل ذبّاحة الحيل
=========== كم عزبةٍ من يمٍ الأجناب جابوا
يالبيض ياللي تلبسنّ الخلاخيل
=========== شومن من اللي للمواجيب هابوا
و قد أفصح لي رحمه الله عن بعض استياءه من بعض فهم عوام الناس و جهالهم لمعنى كلامه في قصيدته تلك و لكن العبرة بالعقلاء الذين يدركون حقائق الأمور ...
و قد سبق لي أن زرت قرية النشيفة الحالمة الجميلة ذات البساتين الخضراء المشعّة في صفحات تلك الجبال المهيبة التي تميل إلى اللون الوردي و كانت زيارتي تلك بمرافقة أخي و صديقي الأديب و الشاعر الأستاذ / سليمان بن عبدالله بن فالح الربيض السبوتي الوابصي البلوي . في صيف عام 1415هـ . تقريباً . عندما قدمنا تلبية لدعوة الشيخ / عايد المشيعلي . أمير المشاعلة من بلي . و كان معه أخوه السيد / صالح المشيعلي . ثم اننا بتنا أحدى تلك الليالي من الزيارة المذكورة عند السيد / أحمد بن حمّاد بن حمود الوابصي . من اللوابين . و أتذكر أن كنيته / أبو علي . و كان يقيم في النجيل و قد بنى بيت شعر كبير داخل منزله لاستقبال الضيوف و قد عرفت فيما بعد من أخي أبو عبدالله سليمان أنه من أعمام السيد الكريم / سليمان بن فرسان الوابصي . من سكان محافظة الخرج .
و قد مررنا كذلك على قرية أبو راكه في رحلتنا تلك إلى النشيفه ...
و قد كان الطريق إلى هناك صحراوياً شديد الوعورة و أستذكر من شعر الفحل / يوسف بن سليمان السرحان . أبو مشهور . قصيدة جميلة منها قوله :
إلا و وجودي وجد من هزّه البطناج
========== مشى مع طريق الوجه ودّه معازيبه
مشى مع طلوع الصبح يوم الصباح انباج
========= على الموتر اللي مكملاتٍ مطاليبه
حبس نابض البنزين لين أعلقه بالصاج
============ و عطاه الغيار اللي يحرّك لواليبه
شلع نوره العالي يوجّه على المدراج
=========== يبي ديرة اللي يوم يلفي يهلي به
أنا لو عطوني بالوظيفة مقص و تاج
=========== كرهت الوظيفة يوم راسي كثر شيبه
عسى الل يجبر خاطر اللي لها محتاج
=========== شرب من غثاها يوم قلّة مشاريبه
و هكذا ...
ففي الحقيقة أن قصائد أبو مشهور رحمه الله تستهويني و لدي شيئاً منها و أنا دائم العودة إلى قراءتها ...
السادة الكرام ... أود في نهاية هذا الجزء الأول أن أشكر الأستاذ / براك بن خليف البلوي . الذي ذكرني فيمن أحبهم و أهوى تذكار مكارمهم و أخبارهم و أشعارهم الجميلة فقبيلة بلي العظيمة لها في تكوين شخصيتي عظيم الأثر الحميد و هذا شيء مشرف لي و افتخر به بين أقراني و لله الحمد و الفضل و المنة أولاً و آخراً ...
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أخوكم و محبكم / أبو حاضر
إبراهيم بن سعيّد فهيد الدوخي الهمزاني الأسلمي الشمري
باحث في التاريخ و الأدب و مؤسس شبكة و منتديات الأسلم الألكترونية
( رواســـي طـــــيء )
مساء الجمعة 23/6/1429هـ .
يتبع الجزء الثاني أن شاء الله تعالى ...
المفضلات