<div align="CENTER">اللين اللين!
عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أميََاه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه! فوالله ، ما كهرني ولا ضربني، ولا شتمني قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن".
هذه القصة العظيمة فيها دروس كثيرة كبيرة، حري بالمسلم أن يقف عندها طويلاً، وأن نستلهم ما فيها من عبر، وأن يأخذ نفسه بما جاء فيها من فوائد، فمن ذلك:
v أن الكلام في الصلاة مبطل لها، وإن كان بتشميت عاطس، كما وقع في القصة.
v النظر يمنة ويسرة ليس مما تبطل الصلاة به، ولكنه منهي عنه لغير حاجة، لما يه من إشعال للمصلي عن صلاته، وقد قال صلى الله عليه وسلم :"هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد" رواه البخاري.
v لين ورفق رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعليمه الجاهل، مع شناعة ما وقع منه، حيث تكلم في الصلاة، ومع ذلك لم ينهره رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعنفه، إنما أرشده إلى حكم الكلام في الصلاة، فهو منهي عنه مطلقاً، إلا أن يكون تسبيحاً وتكبيراً وقراءة القرآن، مما هو مشروع قوله في الصلاة، فكان لينه ورفقه صلى الله عليه وسلم سبباً في تأثر الرجل، وفي محبته الشديدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فداه بأبيه وأمه صلى الله عليه وسلم، وكان هذا الأسلوب محركاً له أن يسأل بعد ذلك عما أشكل عليه من أمور دينه، كما ورد مفصلاً في صحيح مسلم، فهلا انتفع المسلمون بهذا الأسلوب القويم، وحذوا حذو رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم؟ نرجو ذلك.
هل يوجد في الدنيا مثله؟
يقول الدكتور محمد البار في كتابه (عمل المرأة في الميزان):
كنت أعجب من أحد الشيوخ المرضى الذين كنت أقوم بعلاجهم في أحد المستشفيات التي كنت أعمل لها في أحد ضواحي لندن فقد كان الرجل لا يمل من الكلام عن أبنه البار الذي لم يعد له نظير في العالم اليوم .. وانتظرت أن أرى ابنه فلم أره فسألت الرجل أين ابنك هذا الذي حدثتني عنه لم أره يزورك؟ هل هو مسافر؟ فأجاب الرجل لا أنه موجود ولكنه لا يأتي لزيارتي إلا يوم الأحد فقد عودني ذلك منذ سنين .. وترقرقت عينا الرجل .. فسألته هل ينفق عليك؟ ولم يبد على الرجل أنه فهم السؤال فأعدت عليه السؤال فقال:لا أحد ينفق على أحد في هذه البلاد .. إنني أستلم كذا من الجنيهات من الضمان الاجتماعي وهي لا تكاد تكفيني للقوت وللتدفئة ولكن هل هناك أحد في الدنيا مصل ولدي الذي يزورني كل أحد منذ سنوات!!
هذه القصة تحمل في طياتها كثيراً من الدروس أذكر منها ما وصل إليه المجتمع الغربي من تفكك أسري يجعل الولد لا يزور والده العاجز المريض ولا يسأل عنه ولا يرى أن لوالده حقوقاً يقوم بها مهما كانت ضرورية وأن كانت من مقومات الحياة لذلك كان هذا العجوز يرى أن ابنه بار به مع أنه لا يزوره إلا مرة واحدة في نهاية الأسبوع. ومنها أن هذا الوضع يعد فريداً من نوعه عندهم لذلك كان العجوز معجباً بولده لأن غيره لا يزور والده أصلاً. ومنها انتشار دور العجزة وامتلائها بالآباء والأمهات مع أن أبناءهم موجودون ولديهم القدرة على إيوائهم. ومنها تخلي الأبناء عن آبائهم فلا ينفق الولد على الوالد مهما كان الولد عنياً ولو تكرم عليه بالإقامة عنده فلا يأذن له بذلك إلا إذا التزم الوالد بدفع أجرة سكناه، أو قام بخدمة لولده مقابل السكن كما فعل ذلك الشاب البريطاني الذي نشرت الصحف عنه أنه وافق على أن تسكن والدته العجوز عنده مقابل أن تقوم بخدمته وخدمة أبنائه وزوجته وأن تنظف بيته، وكان ذلك بعد تكرماً من الولد وبراً بها عندهم لأنهم لا يتصورون براً أكثر من هذا البر.
وهذا يجعلنا نحمد الله تعالى الذي أكرمنا بالإسلام الدين الذي أوجب على الأبناء أن يبروا آباءهم وأمهاتهم وجعل أقل درجات البر أن ينفق الولد على ولديه وأن يكرمهما إلى أن يرضيا عنه وصدق الله القائل:(ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً).
سخاء ووفاء
كان إمام أهل المغازي والسير، القاضي محمد بن عمر الواقدي، رحمه الله تعالى، من أجود الناس مع قلة ذات يده وقد حدث مرة فقال: كان لي صديقان، أحدهما هاشمي، وكنا كنفس واحدة، فنالتني ضيقة شديدة، وحضر العيد، فقالت لي امرأتي: أما نحن فنصبر على البؤس والشدة، وأما صبياننا فقد قطعوا قلبي، لأنهم يرون صبيان الجيران قد تزينوا في عيدهم، وأصلحوا ثيابهم، وهم على هذه الحال من الثياب الرثة! فوق احتلت بشئ تصرفه في كسوتهم! قال الواقدي: فكتبت إلى صديقة الهاشمي أسأله مواساتي بما حضره، فوجه إلي كيساً مختوماً، ذكر أن فيه ألف درهم، فما استقر قراري حتى كتب إلي الصديق الآخر: يشكو مثل شكواين فوجهت إليه الكيس بحاله، قبل أن أفتحه، وخرجت إلى المسجد، فأقمت فيه ليلي مستحيياً من امرأتي، ثم رجعت، فلما دخلت عليها استحسنت ما كان مني، ولم تعنفني عليه؛ فبينا كذلك إذ وافاني صديقي الهاشمي ومعه الكيس كهيئته فقال لي: اصدقني عما فعلته فيما وجهت إليك، فعرفته الخبر، فقال لي: إنك وجهت إلي تسألني العون، وما كنت أملك إلا هذا الكيس، فبعثته إليك، ثم أرسلت إلى صديقي الآخر أسأله المواساة، فوجه إلي بكيس، فإذا هو كيسي وعليه خاتمي!
قال الواقدي: فتواسينا الألف، وقسمناها بيننا أثلاثاً، بعد أن أخرجنا لزوجتي مائة درهم.
هذه القصة العجيبة يجد فيها المسلم فوائد جمة، منها:
v نزاهة القاضي وزهده.
v سخاؤه وجوده.
v صدق أخوة الثلاثة، وبعض نتاج أخوتهم في إيثار بعضهم بعضاً، ومبادرتهم إلى ذلك.
v حسن طلب المرأة زوجها، وصبرها على الفقر، واستحسانها تصرف زوجها، إذ لم تعنفه، وهذا يدل على طيب معدنها، وتقديرها لمعالي الأخلاق. رزقنا الله حسن الاعتبار.
حقيقة المغتاب
قال الأصمعي: "اغتاب رجل رجلاً عند قتيبة بن مسلم، فقال: أمسك أيها الرجل، فوالله لقد تلمظت بمضغة طالما لفظها الكرام".
هذه قصة قصيرة المبنى، عظيمة المعنى، فيها من العبر والفوائد كثير، فمنها:
v كريم خلق قتيبة بن مسلم رحمه الله تعالى، حيث أبى أن يغتاب أحد في مجلسه، وهذا خلق إسلامي أصيل، غاب عن أكثر مجالسنا، حيث أصبح المغتابون يلوكون أعراض الناس بألسنتهم، ولا يجدون من يدفع عن الغائب، ويردع المغتاب، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:" ما من امرئ يخذل امرئ مسلم عند موطن تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله عز وجل في موطن يجب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر امرئ مسلم في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يجب فيه نصرته". رواه الإمام أحمد وأبو داود.
v أن ردع المغتاب، والدفع عن عرض المسلم الغائب من أنجع الوسائل المانعة من تسلط المغتاب، وخوضه في أعراض المسلمين، ولو علم كل مغتاب أنه سيجد من يدفع عن عرض أخيه المسلم بالغيب، لما تجرأ على الغيبة، ولما جاهر بها في وسط المجالس.
v أن الغيبة داء تنفر منه طباع الكرام، أهل الشيم والخلق الحسن، لكونها دليل جبن، ونقص شجاعة، وإلا لما احتاج صاحبها إلى التخفي، وذكر غيره في غيبته.
v أن الغيبة داء يلازم أهل الفراغ، البعيدين عن الجد، المتفرغين للهو، وإن كان ظاهرهم خلاف ذلك، وأن أهل الجد من أبعد الناس عنها، لكونهم مشغولين بإصلاح عيوبهم، وشحذ هممهم، واغتنام أوقاتهم لما هم في إقبال عليه من العمل والاجتهاد، وكان قتيبة بن مسلم رحمه الله منهم، لذلك مكنه الله في الأرض، وفتح على يديه من البلاد ما نعلم يقيناً أنه لو كان من أهل البطالة لما فتحها، لذلك لم يحتمل سماع مغتاب يغتاب مسلماً في مجلسة حتى نهاه وردعه. والله الموفق.
الشريط الداعية
كانت تسير في طريقها إلى المنزل فاصطكت قدمها بشريط على الأرض، فنظرت إليه، وهي تحدث نفسها: أتأخذه؟ ... قد يكون لمن تحب من المغنين، وقد يكون لغيره، فلا مانع أن تأخذه لتسمع ... امتدت يدها والتقطت الشريط، وذهبت به إلى منزلها.
وفي المنزل دفعها فضولها لسماع مادته، وإذا به صوت متحدث قرع سمعها فاستمعت إليه، ماذا عساه أن يقول، واستمرت تستمع إلى ما يقوله ذلك المتحدث، وشاء الله عز وجل أن يكون الحديث قيماً شيقاً، نبه الفتاة من غفلتها، وحذرها من الاستمرار في لهوها، وتبين لها من خلاله أنها ما خلقت لهذا اللهو، وإضاعة الوقت، والانصراف عن العمل لما بعد الموت، وأنها لابد أن تجد في إصلاح شأنها، ومن الآن فتغير نمط حياتها، الذي إن استمرت عليه فستكون حياة هامشية، حياة لا قيمة لها، لا تعمر فيها دنيا، ولا تعمل فيها لآخرة، وحياة كهذه هي والموت سواء. ومن ذلك الوقت شمرت عن ساعد الجد، وانصرفت عن اللهو إلى الجد، ومن التفريط في الصلاة إلى الحرص على إقامتها، ومن تضييع الحقوق إلى أدائها.
من العبر في هذه القصة:
v أن حياة اللهو حياة لا قيمة لها، وصاحبها لا ينظر إليه العقلاء نظرة إكبار وتقدير، بل نظرة ازدراء وتحقير، لأنه هوالذي وضع نفسه في هذا الموضع، وقد قيل " قمية كل إنسان ما يصنع ".
v أن لا يحقر الإنسان معروفاً يصنعه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحقرن من المعروف شيئاً " ، فهذا شريط ملقى على الأرض، مما تعاف النفوس أخذه، فضلاً عن العناية به، والاستماع إلى قوله! ومع ذلك أدى دوراً، وقام بمهمة قد يعجز عنها جملة من الدعاة، وهذا يجعلنا لا نغفل دور الشريط النافع في الدعوة إلى الله تعالى، فهو داعية لا يكلف كثيراً، صغير الحجم، خفيف المحمل، زهيد السعة، لا يكلف المستمع إليه مالاً، ولا جهداً، ولا تفرغاً، ولا لزوم مكان واحد، بل يستمع إليه في كل مكان، في بيته، وسيارته، ومتجره، فهل تنبهنا إلى قيمة الشريط في الدعوة إلى الله تعالى. نرجو ذلك.</div>
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات