بسم الله الرحمن الرحيم
إن الإلتزام بالدين والتقيد بأمور الطاعة وإجتناب النواهي لهو أمر مهم ,
ولكن هناك ظاهرة رأيتها في مجتمعي وسمعتها عنها في مجتمعات أخرى , أن هناك قوم قد أرخو لحاهم وقصروا ثيابهم فأطلقوا على أنفسهم بأنهم الملتزمون و من لم يفعل فعلهم هم غير ملتزمون أي منحرفون ( لأن ضد الإلتزام أو الإستقامة هو الإنحراف )
فتجد ان هذا الملتزم يغتاب ويسب ويكذب ويخالف بالمواعيد ويكفر الملسمين ويفشي السر وهذه من كبائر الذنوب ومع ذلك يطلق على نفسه بانه ملتزم !!!! فلو أردت ان اسميه لسميته ملتزم على طريق الضلال , مع العلم أن مثل كلمة ملتزم لم ترد في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في القرون الثلاثة .
يجب أن أعترف أنّي لا أكنّ للّحية ولا لأمر من أموره عليه الصلاة والسلام أي بغض أو عداوة، ومن أنا حتى أناصب سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم العداء؟
صحيح أنّي سأتحدّث عن اللحية، ولكنّي سأتناول الموضوع من زاوية معيّنة، لا أتمنى أن يأتي من يحمّل موضوعي مالا يحتمله..
فلو سألتكم بسؤال أعتبر أنّه على قدر من الأهميّة:
أيهما أهم: لحية بلا أخلاق، أو أخلاق بلا لحية؟
وهذا سؤال افتراضي، قد لا يوجد على أرض الواقع أصلاً، ولكنّي أريد التوسّل به إلى قضيّة أخرى، والسؤال أكرره:
لو افترضنا وجود رجلين: رجل مسلم بلحية، ولكنّه خال من الأخلاق الفاضلة تقريباً، ورجل مسلم آخر بلا لحية، ولكنّه يتمتّع بأخلاق إسلاميّة فاضلة.. أيهما أفضل..وأيّهما أسوأ؟
إن سؤالي هذا يأتي في زمن، أو لأكن أكثر دقّة أقول يأتي السؤال في واقع يقدّر الناس فيه (كل) صاحب لحية، ويعتبرونه الدين بذاته، ويقللون من أهمّية الحليق (دينيّا)..
وليكن رأيي واضحاً فإنّي أرى اللحية من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرى _إلى الآن_ أن حلقها مخالفٌ لأمره ومخالفة أمره تقتضي التحريم.. إذن فحلقها (وليس تخفيفها) محرّم.. أما تخفيفها فهو أمر مكروه أو مباح.. هذا ما (أقلّد) فيه فتوى الشيخ سلمان العودة في مجلّة الدعوة.. قرأتها ولا أعرف العدد تحديداً..
ولكن دعونا نقول بحرمة الحلق والتخفيف، وحرمة إفشاء السر، والكذب والغيبة أيضاً.. مع أن الأولى مختلف فيها والثانية مجمع عليها.. فلماذا نسمّي المعفي للحيته (ملتزماً أو مطوّعا) حتى وإن تلبّس بالكبائر، كالغيبة وبعض الكذب وبعض النميمة.. ونسمّي الحليق ( شاب عادي، أو فاسق!، أو حتى رجل طيّب) مع أنّه قد يكون متمسّكاً بالدين في بقيّة الجوانب..
السؤال: لماذا اختزلنا الدين العظيم، الرحمة للعالمين، الذي خلقت السماوات والأرض لأجله، في لحية أو ثوب أو أي مظهر.. ثم جعلنا ما هو أهم في المرتبة الثانية أو الثالثة... أو العاشرة؟
فذو اللحية وإن كان (يبزوط) في عمله، ويماري ويداري، ، فهو ملتزم.. والآخر مهما كان منضبطاً ومستقيماً فهو ليس بملتزم.. وبناء على ذلك لا يصح أن يؤم الناس أو يؤذّن، أو يكون قاضياً، أو كاتب عدل، أو حتى مأذوناً شرعيّاً؟؟
هل عندما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية، كان يعني أن تكون اللحية هي محور الدين في زمن من الأزمان..
هذه فتاوانا تملأ مساجدنا:
(حكم حلق اللحية)
(حكم الغناء وحلق اللحية وإسبال الثوب)
(فتوى الشيخ ...... في حلق اللحية..)
(يا من حلقت لحيتك انتبه)
(اللحية مالها وما عليها)... الخ. { طبعاً العناوين ليست واقعيّة ولكن قريبة من الواقع}
وفي المقابل لا تكاد ترى مطويّة أو كتيّباً يتحدّث عن حكم إفشاء السر، أو التهاون في العمل، أو إيذاء الجار لجاره!!
أنا لا أنادي بحلق اللحية ( والعياذ بالله) ولكنّي أنادي بأن تكون اللحية مظهراً من المظاهر الغير كاشفة، والغير دالّة على شيء آخر.. نقول هذا الرجل التزم بسنّة إعفاء اللحية، ولكن لا نصفه بأنّه ملتزم بالدين بمجرّد وجود لحية على وجهه!!
فإذا ما حلقها لأي سبب وصفناه مباشرة بالانتكاس!! وكأنّ الدين لحية، لا صلاة وصوم حج وزكاة وبر للوالدين وإكرام للضيف وابتسامة ووو.
أتمنّى أن يلاقي موضوعي هذا قدر من النقاش والحوار البنّاء، لنصل سويّاً إلى تصوّرات أكثر نضجاً وعقلاً وديناً أيضاً..
المفضلات