جزاك الله خير ونفع بما قدمتم
( أَفَمَــن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَــنْ هُــــوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِيــنَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُـــمْ وَيَخَافُونَ سُــوءَ الحِسَابِ ، وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْــهِ رَبِّهِـــمْ وَأَقَـــامُــواْ الصَّلاَةَوَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ، جَنَّاتُ عَــدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِــنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ *سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) .
يقـول تعالى : مفرقا بين أهل العلم والعمل وبين ضدهم
( أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ ) ففهـــم ذلك
وعمل به ( كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ) لا يعلم الحق ولا يعمل به
فبينهما مـن الفرق كما بيـن السماء والأرض ، فحقيق
بالعبد أن يتذكـر ويتفكر أي الفريقين أحسن حالا وخير
مآلا فيؤثر طريقها ويسلك خلف فريقها ، ولكن
ما كل أحد يتذكر ما ينفعه ويضره .
( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) أي : أولو العقول الرزينة،
والآراء الكاملة، الذين هم لُبّ العالم، وصفوة بني آدم،
فإن سألت عن وصفهم، فلا تجد أحسن من وصف الله
لهم بقوله ( الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ ) الذي عهده إليهم
والـذي عاهدهم عليه من القيام بحقوقه كاملة موفرة ،
فالوفاء بهـا توفيتها حقها مــن التتميم لها ، والنصح
فيها ( و ) من تمام الوفاء بهــــــا أنهــم ( لاَ يِنقُضُونَ
الْمِيثَاقَ ) أي : العهد الذي عاهدوا عليه الله، فدخل في
ذلك جميع المواثيق والعهود والأيمان والنذور ، التي
يعقدها العباد . فلا يكون العبد من أولي الألباب الذين
لهم الثواب العظيم ، إلا بأدائها كاملة ،وعدم نقضها
وبخسها .
( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ) وهذا عام
في كل ما أمر الله بوصله ، من الإيمان به وبرسوله ،
ومحبته ومحبة رسوله ، والانقياد لعـبــادتــه وحده
لا شريك له ، ولطاعة رسوله .
ويصلون آباءهم وأمهاتهم ببرهم بالقول والفعل وعـدم
عقوقهم ، ويصلون الأقارب والأرحام ، بالإحسان إليهم
قولا وفعلا ويصلون ما بينهم وبين الأزواج والأصحاب
والمماليك ، بأداء حقهم كاملا موفرا مـــن الحقوق
الدينية والدنيوية .
والسبب الـذي يجعل العبد واصلا مــا أمـــر الله بــه أن
يوصل ، خشية الله وخوف يوم الحساب ، ولهــذا قــال
(وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أي: يخافونه ، فيمنعهم خوفهم منه،
ومن القدوم عليه يــوم الحساب ، أن يتجرؤوا عـــلى
معاصي الله ، أو يقصروا فـي شيء مما أمر الله به
خوفا من العقاب ورجاء للثواب .
( وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ) عــلى المأمورات بالامتثال ، وعـن
المنهيات بالانكفاف عنها والبعد منها ، وعـلى أقدار
الله المؤلمة بعدم تسخطها .
ولكن بشرط أن يكـون ذلك الصبر ( ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ )
لا لغير ذلك من المقاصد والأغراض الفاسدة ، فإن هذا
هو الصبر النافع الذي يحبس به العبد نفسه ، طلبــــا
لمرضاة ربه ورجاء للقرب منه والحظوة بثوابه ،وهو
الصبر الذي مـــن خصائص أهل الإيمان ، وأما الصبر
المشترك الـــذي غايته التجلد ومنتهاه الفخر ، فــهــذا
يصدر من البر والفاجر ، والمؤمن والكافر، فليس
هو الممدوح على الحقيقة .
( وَأَقَــامُـــواْ الصَّـــلاَةَ ) بأركانها وشروطها ومكملاتها
ظاهرا وباطنا ، ( وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً )
دخـــل فــي ذلك النفقات الواجبة كالزكوات والكفارات
والنفقات المستحبة وأنهم ينفقون حيث دعت الحاجة
إلى النفقة ، سرا وعلانية .
(وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) أي: من أساء إليهم بقول
أو فعل ،لم يقابلوه بفعله ، بل قابلوه بالإحسان إليه .
فيعطون من حرمهم ،ويعفون عمن ظلمهم ، ويصلون
من قطعهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، وإذا كانوا
يقابلون المسيء بالإحسان، فما ظنك بغير المسيء؟!
( أُوْلَئِكَ ) الــذيــن وصــفــت صفاتهم الجليلة ومناقبهم
الجميلة (لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) فسرها بقوله ( جَنَّاتُ عَدْنٍ )
أي : إقامة لا يزولون عنهـا ، ولا يبغون عنهـا حولا ؛
لأنهم لا يرون فوقها غاية لما اشتملت عليه من النعيم
والسرور ، الذي تنتهي إليه المطالب والغايات .
ومــن تمام نعيمهم وقرة أعينهم أنهم ( يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ
صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ ) مـــن الذكور والإناث ( وَأَزْوَاجِهِمْ )
أي الــزوج أو الــزوجــة وكـــذلك النظراء والأشباه ،
والأصحاب والأحباب ، فإنهم من أزواجهم وذرياتهم ،
( وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّـن كُـــلِّ بَابٍ ) يهنئونهم
بالسلامة وكرامة الله لهــم ويقولون ( سَلاَمٌ عَلَيْكُم )
أي : حلت عليكم السلامة والتحية مــن الله وحصلت
لكــم ، وذلك متضمن لزوال كل مكروه ، ومستلزم
لحصول كل محبوب .
( بِمَا صَبَرْتُمْ ) أي : صبركم هو الذي أوصلكم إلى هذه
المنازل العالية، والجنان الغالية، ( فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ )
فحقيق بمــن نصح نفسه وكــان لهــــا عنده قيمة ، أن
يجاهدها لعلها تأخذ من أوصاف أولي الألباب بنصيب،
لعلها تحظى بهذه الدار التي هي منية النفوس وسرور
الأرواح الجامعة لجـــميع اللذات والأفراح ، فلمثلها
فليعمل العاملون وفيها فليتنافس المتنافسون .
من كتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
جزاك الله خير ونفع بما قدمتم
بارك الله فيك على هذا الطرح ورفع قدرك في عليين
جزاك الله خير أختي سجى الليل
ورزقك ووالديك الفردوس الأعلى من الجنة .
جزاك الله خير أختي سجى الليل
ورزقك ووالديك الفردوس الأعلى من الجنة .
جزآك الله خير
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات