الأنصار دليل مستقل من دلائل النبوة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
مفتاح الكلام اليوم على دلائل النبوة قوله تعالى : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار )
فمن هم الأنصار ؟
وما دلالة وجودهم على صحة النبوة ؟
الأنصار هم الأوس والخزرج وهما قبيلتان يمانية استوطنوا المدينة
فما الذي حمل هؤلاء على بعدهم نسباً وموقعاً من النبي صلى الله عليه وسلم على نصرته ومبايعته ؟
وقدوم النبي صلى الله عليه وسلم جعلهم يتحملون عداوة العرب وأولهم قريش قوم النبي صلى الله عليه وسلم
قال أبو داود في سننه 3006 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ كَتَبُوا إِلَى ابْنِ أُبَىٍّ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مَعَهُ الأَوْثَانَ مِنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ إِنَّكُمْ آوَيْتُمْ صَاحِبَنَا وَإِنَّا نُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتُقَاتِلُنَّهُ أَوْ لَتُخْرِجُنَّهُ أَوْ لَنَسِيرَنَّ إِلَيْكُمْ بِأَجْمَعِنَا حَتَّى نَقْتُلَ مُقَاتِلَتَكُمْ وَنَسْتَبِيحَ نِسَاءَكُمْ.
وما حصل يوم الأحزاب ليس خافياً على أحد
ثم إن إيوائهم للنبي صلى الله عليه وسلم هيج عليهم حلفاؤهم من اليهود
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يلزمهم بالصلاة والوضوء والزكاة وهذه أمور فيها كلفة وشدة خصوصاً على من عاش عامة حياته مشركاً
بل عامة الأنصار لم يكونوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم معرفة شخصية حتى أنه في حديث الهجرة كثير منهم ظن أن أبا بكر هو النبي لأن أبا بكر شيخ كبير في هيئته والنبي صلى الله عليه وسلم كانت هيئته هيئة الشاب
ثم إنهم كانوا مجاورين لليهود وهم أقدر الناس على كشف أمر النبي صلى الله عليه وسلم إن كان كاذباً _ وحاشاه _ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكلم في علوم اليهود وبقي النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين في المدينة لم يستطع اليهود إفحامه وإقناع الأنصار أنه مجرد مدعي لا يستحق أن يعادوا العرب كلهم لأجله
فما الذي حمل الأنصار على كل هذا ؟
وهم العقلاء الذين غلبوا عامة العرب وفتحوا الدنيا كلها فيما بعد
مفتاح حل هذا اللغز في آية في سورة البقرة
قال تعالى : (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين)
قال ابن أبي حاتم في تفسيره 901 - حدثنا علي بن الحسين ، ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، ثنا يونس بن بكير الحازمي ، ثنا ابن إسحاق ، حدثني محمد بن أبي محمد ، أخبرني عكرمة ، أو سعيد بن جبير عن ابن عباس ، « أن اليهود ، كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا (1) ما كانوا يقولون فيه ، فقال لهم معاذ بن جبل ، وبشر بن البراء ، وداود بن سلمة : يا معشر يهود ، اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ، ونحن أهل شرك وتخبرونا بأنه مبعوث وتصفونه بصفته ، فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه ، ما هو بالذي كنا نذكر لكم ، فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم » : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين (2) ) «
والتفاسير كلها على هذا المعنى وهذه الآية من دلائل النبوة من وجهين
أولها : أن اليهود لو لم يكونوا يستفتحون على الأنصار ويذكرون قدوم النبي صلى الله عليه وسلم لكانت هذه الآية من أعظم ما يدينون به النبي صلى الله عليه وسلم عند الأنصار فيقولون هذه حادثة مختلقة ولم نكن نقول لكم هذا والأنصار سيعرفون ولكن لأنها حادثة حقيقية بقي الأنصار على إيمانهم
ثانيها : أنها حل لغز استقبال الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ [2] بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا [3] : إنَّ مِمَّا دَعَانَا إلَى الْإِسْلَامِ، مَعَ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَدَاهُ لَنَا، لَمَا كُنَّا نَسْمَعُ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ، (وَ) [3] كُنَّا أَهْلَ شِرْكٍ أَصْحَابَ أَوَثَانٍ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ، عِنْدَهُمْ عِلْمٌ لَيْسَ لَنَا، وَكَانَتْ لَا تَزَالُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ شُرُورٌ، فَإِذَا نِلْنَا مِنْهُمْ بَعْضَ مَا يَكْرَهُونَ، قَالُوا لَنَا: إنَّهُ (قَدْ) [3] تَقَارَبَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ الْآنَ نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمٍ فَكُنَّا كَثِيرًا مَا نَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ. فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَبْنَاهُ، حِينَ دَعَانَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَرَفْنَا مَا كَانُوا يَتَوَعَّدُونَنَا بِهِ، فَبَادَرْنَاهُمْ إلَيْهِ، فَآمَنَّا بِهِ، وَكَفَرُوا بِهِ، فَفِينَا وَفِيهِمْ نَزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ مِنْ الْبَقَرَةِ: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ، وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ 2: 89.
الَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ مَحْمُودِ ابْن لَبِيدٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَنْ سَلَمَةَ [2] بْنِ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ [3] ، وَكَانَ سَلَمَةُ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ، قَالَ: كَانَ لَنَا جَارٌ مِنْ يَهُودَ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَالَ:
فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَوْمًا مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ- قَالَ سَلَمَةُ: وَأَنَا يَوْمئِذٍ مِنْ أَحْدَثِ مَنْ فِيهِ سِنًّا، عَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي، مُضْطَجِعٌ فِيهَا بِفِنَاءِ أَهْلِي- فَذَكَرَ الْقِيَامَةَ وَالْبَعْثَ وَالْحِسَابَ وَالْمِيزَانَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ، قَالَ: فَقَالَ ذَلِكَ لِقَوْمٍ أَهْلِ شِرْكٍ أَصْحَابِ أَوَثَانٍ، لَا يَرَوْنَ أَنَّ بَعْثًا كَائِنٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَقَالُوا لَهُ: وَيْحَكَ يَا فُلَانُ أَوَتَرَى هَذَا كَائِنًا، أَنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إلَى دَارٍ فِيهَا جَنَّةٌ وَنَارٌ يُجْزَوْنَ فِيهَا بِأَعْمَالِهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاَلَّذِي يُحْلَفُ بِهِ، وَلَوَدَّ أَنَّ لَهُ بِحَظِّهِ مِنْ تِلْكَ النَّارِ أَعْظَمَ تَنُّورٍ فِي الدَّارِ، يَحْمُونَهُ ثُمَّ يُدْخِلُونَهُ إيَّاهُ فَيُطَيِّنُونَهُ عَلَيْهِ، بِأَنْ يَنْجُوَ مِنْ تِلْكَ النَّارِ غَدًا، فَقَالُوا لَهُ: وَيْحَكَ يَا فُلَانُ! فَمَا آيَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَبِيٌّ مَبْعُوثٌ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْبِلَادِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى مَكَّةَ وَالْيَمَنِ، فَقَالُوا: وَمَتَى تَرَاهُ؟ قَالَ: فَنَظَرَ إلَيَّ وَأَنَا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، فَقَالَ: إنْ يَسْتَنْفِدْ هَذَا الْغُلَامُ عُمْرَهُ يُدْرِكْهُ. قَالَ سَلمَة:
فو الله مَا ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَآمَنَّا بِهِ، وَكَفَرَ بِهِ بَغْيًا وَحَسَدًا. قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: وَيْحَكَ يَا فُلَانُ أَلَسْتَ الَّذِي قُلْتَ لَنَا فِيهِ مَا قُلْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ بِهِ.
ومما يزيد الأمر وضوحاً وجلاءً إسلام بعض أحبار اليهود وتسجيل ذلك في القرآن
قال تعالى : (أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل)
قال ابن أبي حاتم في تفسيره 14904 - حدثنا أبي ، ثنا قبيصة ، ثنا الثوري ، عن عمرو بن قيس ، عن عطية ، « ( أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل (1) ) قال : كانوا خمسة » أسد ، وأسيد ، وابن يامين ، وثعلبة ، وعبد الله بن سلام «
ولو لم يسلم علماء لبني إسرائيل لما كان في هذه الآية حجة على المشركين ولقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم
من هم علماء بني إسرائيل الذين في كتابك
وقد بقي الكثير من علماء أهل الكتاب يسلمون حتى بعد البعثة ويقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم في كتبهم
قال سعود الخلف في تحقيقه لكتاب البحث الصريح ( وهو لنصراني مهتدي ) :" وكان من أوائل المهتدين عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وقد كان سيد اليهود وكبيرهم وابن كبيرهم في المدينة، وإسلامه حجة على جميع اليهود إلى يوم القيامة.
وممن أسلم من كبار النصارى وملوكهم النجاشي ملك الحبشة، وذلك في العهد المكي، بعد أن اتصل بالإسلام عن طريق مهاجرة الحبشة من الصحابة رضي الله عنهم.
ومنهم علي بن ربّن الطبري، الذي اهتدى للإسلام في عهد أبي جعفر المنصور، وكان قبل إسلامه نصرانياً ذا علم بالفلسفة والطب، وكتب في الدعوة إلى الإسلام كتابه "الدين والدولة"، و"الرد على أصناف النصارى".
والسموأل بن يحيى المغربي المهتدي، كان من أحبار اليهود، عالماً بالطب، توفي سنة 570هـ، وله كتاب "إفحام اليهود".
ومنهم اللورد هدلي الفاروق، الذي كان عضواً في مجلس اللوردات البريطاني، وأعلن إسلامه عام 1913هـ، وتسمى برحمة الله الفاروق، وكتب كتاباً في الإسلام "رجل من الغرب يعتنق الإسلام".
وناصر الدين دينيه الفرنسي، كان نصرانياً رساماً مبرزاً، أسلم عام 1927م، وكتب كتاباً سماه "أشعة خاصة بنور الإسلام"، وتوفي سنة 1929م.
وعبد الأحد داود، الذي كان كاهناً كلدانياً، حصل على أستاذ في علم اللاهوت وزعيم طائفة الروم الكاثوليك لطائفة الكلدانيين، وكتب كتابيه "الإنجيل والصليب"، و"محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس ".
والقس إبراهيم خليل الذي كان قساً في كنيسة "بافور" الإنجيلية بأسيوط مصر، وكان له نشاط تنصيري كبير، وأعلن إسلامه سنة 1959م، وله كتب عديدة في الدعوة إلى الإسلام، منها: "محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل والقرآن"، و"المستشرقون والمبشرون في العالم الإسلامي" و"ومحاضرات في مقارنة الأديان"، و"المسيح في التوراة والإنجيل والقرآن" 1، وغيرها من الكتب. وغير هؤلاء كثير ممن لا يحصي عددهم إلا الله عز وجل"
وفاته عبد الله بن الترجمان وكعب الأحبار
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه / عبدالله الخليفي
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات