قال تعالى : " وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ "
عن سهل بن سعد الساعدي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر : ( لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه ) . فقاموا يرجون لذلك أيهم يعطى ، فغدوا وكلهم يرجو أن يعطى ، فقال : ( أين علي ) . فقيل : يشتكي عينيه ، فأمر فدعي له ، فبصق في عينيه ، فبرأ مكانه حتى كأنه لك يكن به شيء ، فقال : نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ فقال : ( على رسلك ، حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم ، فوالله لأن يهدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم ) .
ما يقارب من 45 عاملة من جنسيات مختلفة ( سيريلانكية و هندية و بنغالية ) و بعض الأخوات العربيات ( مشرفات ) ..شدهن الشوق و الحنين و المشاعر الفياضة الجياشة ، شوقاً عارماً إجتاح قلوب هؤلاء المسلمات الى الذهاب الى بيت الله الحرام لأداء العمرة ، فيهن المسلمات حديثاً و منهن مسلمات سابقات و منهن من وُلدت على الاسلام ، جمعتهن العاطفة الايمانية و هفت قلوبهن الى التوجه الى أطهر بقعة ، كلهن شوقاً الى رؤية البيت العتيق لأول مره و للصلاة فيه ، لمناجاة رب البريات و منزل الرحمات ..
قدمن طلبهن للإدارة الموقرة في المستشفى العاملات فيه و التي بدورها وجهته للقسم المختص بتلبية طلبهن و التنسيق مع الجهات المختصة بتوعية الجاليات و ماهي الا أيام لا تزيد عن ثلاث الا و البشرى اليهن تزف بأنكن سوف تذهبن لزيارة المسجد النبوي ثم مكة المكرمة لأداء العمرة كما هي رغبتكن ..
و لا تسأل عن مدى فرحتهن ساعتها حتى أن الأرض لا تسعهن بل إنهن أخذن يتبادلن التهاني و كأنه يوم عيد و الدموع تنهمر تعبيراً صادقاً ، خلال إستعدادهن أصبح الزمن بطيئاً و الثواني تسير و كأنها ساعات و لسان حالهن يقول : متى نبدأ المسير الى حيث قلوبنا تهفو و متى ننطلق الى حيث شوقنا يدفعنا ..
و بدأت الرحلة المباركة يوم الأربعاء 20 صفر 1429هـ الذي لم يكن يوماً عادياً ، هو يوم مسجل في ذاكرة كل واحدة منهن ، و خلال المسير لا تسمع الا صوت الذكر و التهليل و المحاضرات و البرامج الهادفة و المحاورات النافعة و النقاشات العديدة حول أمور تثقيفية في الدين و من بعض القضايا التي تم التحاور و النقاش فيها حجاب المرأة المسلمة و كيف أن الاسلام كرم المرأة بل إنه هو الذي كفل لها الحرية الحقيقية بعد أن كانت تهان في الجاهلية ..
دخلن المدينة النبوية و تذاكرن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم دخلن المسجد النبوي و لا تسأل عن مشاعرهن الإيمانية و ما شعرنه من عاطفة لا توصف ، و إنما يشعر بها كل من مر بهذه التجربة لأول مرة في حياته ..
ثم إتجهت قافلة الخير الى الميقات ثم الى مكة المكرمة و لا تسمع الا تلبية و دعاء و ذكراً ، و عند الدخول الى المسجد الحرام لا يمكن أن تصف المشاعر بل إنك لا تسمع الا بكاءً ، فرحة و رغبة و رهبة .
يومان قضينها في المسجد الحرام أدين خلالها مناسك العمرة و بقية الوقت في الصلاة و الدعاء و الذكر و قراءة القرآن ، إنها تشكل لهن عمراً بأكمله خاصة من زار البيت الحرام منهن لأول مرة .
و تحين لحظة الفراق و الوداع و تتجدد مشاعر أخرى لا توصف هي من أصعب اللحظات .. عند العودة الى تبوك يوم الجمعة 22صفر 1429هـ كانت السكينة تعلو الوجوه مع حزن على الفراق و فرح أيضاً على تمكنهن من أداء هذه الشعيرة و لا تسمع الا دعاء لكل من كان سبباً في تسهيل أمر هذه الرحلة المباركة و قبل ذلك شكر الله و حمده و ثنائه ..
و كان يوم السبت 23صفر 1429هـ يوماً آخر غير عادي ، بل إنه مفاجأة للكثير من العاملين في المستشفى فقد جاءت 30 عاملة منهن مرتديات للحجاب كاملاً و قد غطين وجوههن عن قناعة كاملة بأن هذا هو الذي يجب أن تكون عليه المرأة المسلمة ، و كان هذا القرار منهن صفعة قوية من هؤلاء الصادقات ( نحسبهن و الله حسيبهن ) ، كان صفعة لكل دعاة التغريب ، لقد أثبتن أن المرأة المسلمة هي صاحبة القرار الصحيح و السليم وكأنهن يقلن إتركونا من دعواتكم هذه فنحن نؤمن بالله رباً و بالإسلام دينا و بمحمد صلى الله عليه و سلم نبياً و رسولا ، هذا هو المنهج الصحيح لنا .
نعم يا أحبتي و ليس من عاين كمن سمع ، و رغم أن هناك من حاول تغيير قرارهن و تثبيطهن و أن هذه مجرد مشاعر عاطفية وقتيه الا أنهن ثبتن في وجه كل مثبط ، بل إنهن أعطين درساً بليغاً و عملياً لكل من حولهن و كثيراً من المسلمات المتبرجات قد استحيين عندما رأينهن .
الله أكبر إنه الايمان إذا خالط شغاف القلب ، الايمان الصادق الذي يغير كثير من المسارات الخاطئة و يوجهها الى مسارها الصحيح .
.
إخواني الكرام ، أخواتي الكريمات لعلكم الآن عرفتم من هو المقصود في عنوان الموضوع و المرغوب في الرؤية إنه البيت العتيق ، إخواني و أخواتي ليس المقصود من هذا السرد إظهار العمل أو مجرد ذكر القصة و الواقعة و إنما هناك أهدافاً غفلنا عنها و تذكيراً لأنفسنا :
نقف بعض الوقفات :
1- نحن بحاجة الى إظهار الإسلام بالشكل الصحيح و أن نكون قدوة لغيرنا ممن يفد الى هذه البلاد .
2- الدعوة الى الله في كل مكان ووقت .
3- تلمس حاجات إخواننا من المسلمين من الجاليات الأخرى و خاصة المسلم الجديد .
4- إدراك نعمة الله علينا ، حيث أننا في هذا البلد المبارك الذي فيه نستطيع أن نؤدي مناسك العمرة والزيارة في أي وقت و بأسهل الطرق .
5- وقفة مع أخواتنا الفاضلات من بنات السعودية بضرورة التمسك بالحجاب و عدم التبرج خوفاً من الله و طاعة له ، ثم لأنكن قدوة لغيركن .
6- أخي الشاب السعودي المسلم ، متى تعود اليك عزة المسلم الحقيقة و تترك مظاهر التقليد للغرب و تعود داعياً الى الله كما كان أجدادك قبلك .
7 - لا نستهين بأي عمل دعوي و لو كان صغيراً ففي القصة ذهبن الأخوات لأداء العمرة و من هناك قررن إرتداء الحجاب الكامل .
8 - لا يزال الخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم الى قيامه الساعة .
و أخيراً لا يسعني و من باب شكر أهل الفضل ( و من لا يشكر الناس لا يشكر الله ) لا يسعني الا أن أتقد بالشكر الجزيل للدكتور طارق البلوي مدير مستشفى الملك خالد لجهده و متابعته ، و للإخوة الكرام في مكتب توعية الجاليات بتبوك و للأخوات في القسم النسوي بمكتب توعية الجاليات و على رأسهن الاستاذه دلال الشامان .
و أخيراً لأخي و زميلي الاستاذ عبدالمجيد العطوي مدير مكتب التوعية الدينية في مستشفى الملك خالد و لزملائه و للقسم النسوي في المستشفى .
و قبل أن أنهي الموضوع أزف لكم البشرى بأنه خلال العام الماضي قد أسلم في مستشفى الملك خالد خمسة ممرضات من الجنسية الصينية فقط غير الجنسيات الأخرى و الله أكبر و لله الحمد و المنة .
و الله نسأل أن يديم علينا نعمة الاسلام و أن يجعلنا هداة مهتدين
المفضلات