بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في منزل شيخنا سفر الحوالي

هاتفتُ ابنه (عبد الرحمن) ، رحب بنا كثيراً ، وأخبرنا بموعد الزيارة .
كسفت الشمس ذلك اليوم ، (وقادة العرب) يعقدون اللقاء الختامي لأعمال (القمة العربية) ، وقبيل زيارتي لشيخنا الحبيب بساعة أو ساعتين!
فكرتُ.. فيمن يرافقني لهذه الزيارة، فلم أجد أجرأ من صاحبي الجداوي حتى النخاع (جبران)!
في مثل هذه الزيارات لابد أن يرافقك فيها (آدميٌ) من أصحاب اللسان الطويل ، ليكفيك مئونة الحديث، ورهبة اللقاء الأول!
هنيئاً لحي المروة (شمال جدة) هذا الشرف الذي تفردت به، تحتضن الشيخ، وتسدل أستار عطفها وحبها عليه.
ولجتُ دار شيخنا، كان قلبي يُصارع مخاضاً لم أعهده عليه من قبل، كان يرجف، وينبض بشدة، هي المرة الأولى التي أرى الشيخَ رأي العين.

- الشيخ في غرفة الاستقبال.
هكذا قال أحد طلابه، كانت لحيته (شقراء)، هذا الذي بقي في مخيلتي من ملامحه!

حُجرة مستطيلة الشكل، (عادية) الأثاث، كان شيخنا يجلس خلفَ طاولةٍ مكتبية، لم يكن بالحجرة أحد، سوى أحد طلابه، كان يقرأ عليه شيئاً.

ابتسم لنا الشيخ ابتسامة (قدسية)، كأنه يعرفنا منذ أبدٍ بعيد، راودتني نفسي أن أُقبِّلَ رأسه.. هذا الرأس الذي طالما أرّقَ أعداء الدين، وطالما ذبَّ عن أعراض المسلمين، استحييتُ .. وكرهتُ أن أُؤذي الشيخ لو قبّلته على رأسه، ربما أن الوجعَ ما زال يُعاوده.

وهكذا فعل صاحبي (الجداوي)!

(تأبطتُ) مقعداً قريباً من الشيخ، لم يكن يفصلني عنه أحد، جعلتُ أتأمل الشيخ من رأسه حتى أخمص قدميه، مازال قلبي يخفق حباً ومودة، أطلتُ النظر إلى لحيته، كثةً كانت، طغى البياض على السواد، أبصرتُ فيض نوره يتراءى أمامي، لو لم تكن تعرفه ولا يعرفك، ثم رأيته عياناً .. فإني أكاد أُقسم بأنك ستحبه!

اِلتفتَ إليّ، وتصادمتْ عيني بعينه، فوالله ما أطقتُ النظر إلى عينيه أبداً، أطرقتُ ، وقلبي لم يزل يتهادى بين يديّ!

دخل علينا أحد طلابه، كان يحمل ورقة، يطلب صاحبها (إجازةً) في علوم الحديث من الشيخ، ثم قدّم إليه (بياناً) في نصرة حماس، يطلب فيه أحد المشائخ (ونسيتُ اسمه) من الشيخ أن يوقع عليه..
- " يحتاجْ له وقتْ للتأمل"
هكذا رد شيخنا، ووضع البيان بجانبه.

صادفَ مجلسَنا وجود أحد طلاب الشيخ من خريجي كلية (علوم الحاسب) بجامعة (البترول)، دفعة (92)، عرّف عن نفسه، وتجاذبنا الحديث (البترولي) من جديد، وكأني أحببته، وكأنه أحبني، وهذا من صور الولاء المبطّن!

عاينتُ ساعتي، عشرُ دقائق تفصلنا عن توديع الشيخ، مرّ الوقت سريعاً.
دخل علينا (قاضيان) من الطائف، إن لم تخني ذاكرتي –كما هي حالها دوماً- فهما من عائلة (الشثري)، قبّلا رأسه؛ فاحترقتُ!
وكزتُ صاحبي (الجداوي) بكوعي، قلتُ له: (شوف الرجال بس!)

سأله أحدهما عن مشروعية إطلاق لفظ " الشيء" أو " الشخص" على الله تعالى، أجاز ذلك الشيخ، على أن يكون من باب الإخبار عن الله تعالى ، وليس من باب العلَمية، وكذلك لفظ "المهندس" و " الطبيب".

كانت ذاكرة الشيخ قوية، لم تتأثر كثيراً –فيما يبدو لي- بأزمته الصحية، كان يستشهد ببعض أقوال الصحابة، ونقلَ عن البخاري.
لولا أنه يُعاني من ثقل في لسانه؛ لقلتُ أنه لم يُصب بمكروه.
لم يتحدث كثيراً، كان أغلب حديثه ردوداً مختصرة.

دار الحديث عن (حماس)، دعى الشيخ لهم كثيراً، ذُكرتْ سيرة الأستاذ (محمد قطب)، فأَخبر الشيخُ أن وفداً من حماس قد زاره، سُئل الشيخُ عن نشاطات (قطب) الحالية، فأخبر أنه يشتغل بالتأليف.

تحدثنا عن الشيخ (ناصر العمر)، وعن الشيخ (محمد المنجد)، كان يدعو له بالتوفيق والبركة، وعن الدكتور (سعود الهاشمي)، تحدثنا عن العراق، ودعم أهله.. وعن مواضيع أخرى نسيتها!

سأله أحد القضاة: " هل مازلتَ تقرأ يا شيخنا، أم أنها تُجهدك؟"
فأجاب الشيخ بابتسامة : " أنا ما أقدر أترك القراءة"
انتهى وقتُ الزيارة، كانت من الخامسة عصراً إلى السادسة، تمنّيتُ لو أن الوقت (تمدد) قليلاً، أو أن الشمس توقفتْ لنا كما فعلت لـ (يوشع بن نون) عليه السلام!

وكزتُ صاحبي للمرة الثانية، قلتُ لابد أن نُقبِّل رأس الشيخ، فرصةٌ لا تعوض، تخوّف قليلاً، أخبرني أن الشيخَ قبل مرضه كان يرفض ذلك، وله تجربة مريرة مع الشيخ !
رغم المخاوف.. قبّلتُ رأس الشيخ طويلاً، وحُقّ له ذلك.

قال لي: " بلغ الإخوان في الشرقية سلامي"
فهاهو الشيخ –يا أهل الشرقية- يسلم عليكم برحمة الله وبركاته.
وزّع علينا أحد طلابه مجلة (البيان)، ومطوية عن (المولد النبوي).
عندما هممتُ بالخروج من دار الشيخ، رأيتُ منظراً عجباً !
رجلٌ طاعنٌ في الشيخوخة، يتوكّأ على عصاه، بالكاد يتحرك، يتهادى بين أكتاف الرجال.. قَدِمَ ليزور شيخنا الحبيب سفر!
تدحرجتْ دمعةٌ على خدي، تعجبتُ من هذا الحب الكبير، وهذا القَبول الكبير!

تذكرتُ الأيام الأولى لأزمة الشيخ المرضية، وصلته آلاف الرسائل من كل أنحاء الأرض، لا أنسى رسالة (أم عبد الله) كتبتْ إليه بكل عفوية : " أقسمْ بالله يا شيخْ إني تمنيتْ إن الله جعل هذا المرض فيني ولا فيك.. ووالله إني في كل صلاة أدعو لك بالاسم"

خنقتني العَبرة من هذا المشهد الوفائيّ الجميل .. وتعجبتُ مرةً أخرى من هذا الحب الكبير!

كتبه .. محمد بن صالح الشمراني – الظهران
السبت 3/3/1427 هـ
صيد الفوائد
===============

سبحان الله من أحبه الله قذف محبته في قلوب عباده , والمؤمن هو الذي يألف الناس ويألفوه

أناس كهؤلاء نحن في أمس الحاجة الى وجودهم فهم كالمصابيح بل كالأنوار التي تنير لنا حتى نسير في الطريق الصحيح , نحتاج الى النهل من علمهم الجم , نحتاج إلى أن يمسكوا بأيدينا فينشلونا من وحل الحياة , فقد خبأت كثيييير من المصابيح

هم نور مقتبس من نور يسمو على كل الأنوار .. فالعين باتت تبكي تشفق لعذاب من نار .. والوجه امتلأ دموعا من خشية رب جبار .. وشفاه تترنم ذكرا ..ولسانا يلهج أذكار .. والجسد تجافى من نوم ليكون مع الأبرار .. والكف امتدت لتنادي ولتطلب عفوا الغفار ..

هم أساس في بناء الاسلام .. وشعاعا في ذلك الضياء .. وموجة في ذلك البحر الطهور .. هم في قمة المجد هم كالبدر النير في العلياء .. هم أهل العلم اهل القران والحكمه .. هم اهل الصلاح والتقى والشهداء .. هم اولياء الله .. هم المؤمنون حقا .. هم الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون .. هم اهل الله وخاصته احباب الله .. هم الذين اذا خاطبهم الجاهلون قالو سلاما .. هم الذين يبيتون لربهم سجدا وقياما .. هم الذين اذا يتلى عليهم القران يخرون للاذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا .. هم الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله بكل سخاء .. هم الذين اذا ذُكرو بايات ربهم لم يخرو عليها صما وعميانا .. هم الذين اذا مرو باللغو مرو كراما .. هم الذين تفيض اعينهم من الدمع مما عرفو من الحق ..

هم الذين لهم اسرار مع ربهم اذا خلو به .. ذكره لا يفارق السنتهم .. تراهم في صلاتهم خاشعين يطيلونها لا يريدون الانتهاء منها .. تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا .. الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم .. هم الوارثون الذين ورثوا نور الايمان وورثوا الفردوس هم فيها خالدون .. عندما ترى وجوههم ترتاح للقياهم .. تحب حديثهم .. تستمتع بالجلوس معهم .. اجسادهم في الارض وارواحهم في السماء .. يظهر عليهم الهدوء والوقار والهيبه .. ترى العطف والرحمة في اعينهم .. يحبون الخير للجميع .. لا يخافون قول الحق .. اذا تحدثو سمعت ميزان المقال .. واذا تحركو رأيت افعال الرجال .. اما اذا سكتو فانظار لها وقع النبال .. يتعشقون الموت في اوساط ساحات القتال .. ويهبون ارواحهم وانفسهم وأوقاتهم لخالقهم القوي المتعال ..

وأذكر هنا بيات أنشدت في شريط صقور العز






لكل قلـب اذا مـا حـب أسـرار=وكـل حـب لغيـر الله ينـهـار
هم الرجال اذا ما جئـت تمدحهـم=سمت على الحرف تيجان وأزهار
وان توارو بترب الأرض وآآآسفاه=سالت من الجفن شطئان وأنهـار
بالله يا قوم أخفوا اليـوم خطبكـم=أليس للوامـق المفجـوع إنظـار
والكون كهف يكاد اليوم يخنقنـي=والأرض في مقلت المحزون أشبار
للحب سر أجل ما زلـت أجهلـه=وكم سواي بسر الحب قـد حـارو
أين الوفود التي حطـت ركائبهـا=ببحر جودك يهوي الخـل والجـار
حتى الطيور التي ضاق الفضاء بها=لهـا بمسكنكـم عـش وأوكـار
وان اتـاك يتيـم يـوم مسغبـة=فالقلب والعيـن والكفـان ايثـار
وإن شكت امتي في يوم مظلمـة=أحيل ذو الحلم حزمـاً كلـه ثـار
اذا رأتـه بنـور العلـم متشحـا=جحافل الجهـل كالبنيـان تنهـار
لولا العقيدة ما احمرت صفائحـه=فقلبـه لذلـول العفـو جــرار
يا أيها الليل قل لي عـن مناقبـه=أليس في الليـل للعبـاد أسـرار
حمـر محاجـره بيـض مدامعـه=وفـي الشفـاه تراتيـل وأذكـار
لكل قلـب اذا مـا حـب أسـرار=وكـل حـب لغيـر الله ينـهـار
هم الرجال اذا ما جئـت تمدحهـم=سمت على الحرف تيجان وأزهار




فاللهم احفظهم وبارك فيهم وانفعنا بهم
أختكم الصغيرة .. صوت الضمير