تجسس مصراتي على ليبيا :
نعود إلى أصل هؤلاء الجواسيس . ؟
الاعتراف الذي أدلوا به بعد القبض عليهم هو انهم أصلا من يهود ليبيا وقد سبقهم أهلهم (آل المصراتي ) نسبة إلى مدينة مصراته الليبية ، بالهجرة إلى فلسطين العربية منذ ثمانين عاماً وبعض هذه العائلة جاء إلى فلسطين عام 1948 بعد إنشاء الكيان الصهيوني والاحتلال الإسرائيلي .
المهم أن أصلهم العربي هو الذي رشحهم للقيام بمهمتهم في ليبيا ومصر . بالنسبة إلى ليبيا ، كانوا مكلفين بالاتصال بالمسؤولين وبالشباب المثقف وببعض العسكريين لجمع معلومات محددة لم يعرف بعد عنها شيء كثير ، لكن أخطر ما عرف هو انهم عهد إليهم باغتيال العقيد معمر القذافي والبحث الدقيق لمعرفة ما إذا كانت ليبيا تملك القنبلة النووية .. فالخوف ينتاب إسرائيل كلما قيل أن إحدى الدول العربية مقبلة على صنع هذه القنبلة .
وعندما وصلوا ليبيا أشاعوا انهم جاءوا لاستعادة مواطنيتهم والتخلي عن جوازات سفرهم .. لكنهم ما لبثوا أن عادوا إلى إسرائيل بعد فشل مهمتهم في ليبيا.
لكن يبدو أن هؤلاء المصراتية عريقون في الإجرام .. فقد وجهت إليهم تهم في إسرائيل كان بينها اغتيال شقيقتهم أمل بسبب سوء سلوكها .. ويبدو أيضاً أن إسرائيل عندما جندتهم في خدمتها وعدتهم بتخفيف الأحكام الصادرة لمعاقبتهم . وقد تبين انهم ذهبوا إلى ليبيا بأوراق هويات مزورة ، كما لم يثبت انهم حاولوا يوما التخلص من أعباء التجسس لصالح إسرائيل .
الغريب في ادعاءاتهم انهم يحاولون أن يؤكدوا بأنهم لا يزالون مسلمين ، بينما تؤكد معلومات أخرى أن احتفاظهم بأسمائهم الإسلامية هو لتسهيل مهماتهم وتنقلاتهم بين البلاد العربية لولا أن حظهم أراد لهم الكشف عن حقيقتهم بمجرد وصولهم الأراضي المصرية . والثابت من ناحية أخرى أن والدهم "صبحي" يقال بأنة لا يزال مقيما في إسرائيل ، كما أن هناك عدداً من أقربائهم لا يزالون نزلاء السجون الإسرائيلية .
وقد طلب آل مصراتي ، المقيمون في الأراضي المحتلة إلى السلطات الإسرائيلية توكيل محامي مصري للدفاع عنهم في القاهرة ، وظهرت سارة زوجة فارس في التلفزيون الإسرائيلي و تحدثت بالعبرية بلهجة باكية وقالت أن فارس لم يكن جاسوساً بل كان مترجماً لزميله اليهودي ! وقالت أيضاً أن فارس يجهل كل شيء عن مصر وانه كان يشتري الأثاث لحساب السفارة الأمريكية في القاهرة ليصدره من هناك و يتاجر به ! .
على كل حال ، السفارة الإسرائيلية في القاهرة أبدت اهتماماً كبيراً باتهام فارس المصراتي وطلبت حضور مندوب عنها في التحقيق الذي يجري معه . كما قدمت طلبات أخرى رفضت السلطات المصرية بعضها وتحفظت بشأن بعضها الأخر . مع ذلك لم يرفض المستشار عبد المجيد محمد المحامي العام لقاء القنصل الإسرائيلي .
أهم ما كان يشغل فارس هو تأمين إقامتهم في القاهرة ، ويبدو انه سعى في سبيل ذلك إلى عقد قران ابنته من أحد المصريين لتستطيع بهذه الوسيلة الحصول على إقامة دائمة في الأراضي المصرية ، وقد ترددت شائعات كثيرة حول تنقلات فائقة في القاهرة وبين هذه الشائعات إنها أقامت علاقات مع بعض الفنانات ، لكن لم يتأكد ذلك ولذا يرجح انه غير صحيح .
ويقال أيضاً أن فارس كلف من قبل الموساد برصد تحركات الدكتور بطرس غالي واغتياله إن أمكن . وكان هدف إسرائيل من ذلك إثارة فتنة طائفية في مصر وهو ما أخفقت كل الجهود الخارجية في التوصل إليه ، وحرمان العرب آنذاك من أن يكون الأمين العام للأمم المتحدة منهم وقد شعر الجواسيس الأربعة منذ البداية بأن مهمتهم تتجه نحو الفشل لان أحدا من المصريين سواء من الموظفين أم من الشباب المثقف لم يتورط في إقامة علاقة معهم .
من جهة أخرى تبين أن فارس مصراتي دخل مصر تحت شعار السياحة وكانت ابنته ترافقه وكان هو ، أي فارس ، حريصاً على ذلك بهدف اصطياد الرجال ومحاولة الحصول على معلومات منهم ، وهو ما اقترن بالإخفاق التام . وكان وهو يكلف ابنته يركز على أبناء الشخصيات العامة الرسمية المهمة ، لكن أحداً من الذين اتصلت بهم لم يقع في الفخ .
وقد عرف انه أثناء التحقيق مع دافيد اوفيتس تبين وجود جاسوسين آخرين معه فقبض عليهما ، وأحيلا للتحقيق كما عثر في أثناء تفتيش شقة اوفيتس على عقد إيجار مدته ثلاث سنوات وأن إيجار الشقة قد حدد بخمسمائة جنيه شهرياً .
والذين عرفوا الابنة "فائقة" إنها لم تكن تتمتع بجمال جذاب لكنها كانت لعوبا وتستخدم حركات الإغراء كثيراً وتتردد على الفنادق وصالات الرقص والديسكو للتعرف على أي عدد من الشبان .
ولكي تبعد إسرائيل الشبهات عن شبكة الجواسيس زعمت أن فارس مصراتي يعمل لحساب ليبيا وانه تورط في عدة أعمال إجرامية في "رام الله " وبعد ذلك وجه اهتماماته إلى دراسة الإسلام ثم انتقل إلى كفر قاسم لكي يصبح قريباً من الزعماء المسلمين ، وقالت الصحف الإسرائيلية أيضاً أن فارس سافر إلى مصر من اجل الانضمام إلى الإخوان المسلمين ، لكنه طرد من مصر وعاد إلى إسرائيل عن طريق ليبيا التي كان يعمل لحساب مخابراتها .
وعندما جاء أخيرا إلى القاهرة عمد إلى استئجار شقة مفروشة في العقار رقم 5 في شارع احمد مخيمر في منطقة النزهة . وقد لاحظ سكان الحي انه لا يستخدم هذه الشقة إلا نادراً وكان جعلها مجرد مركز له في القاهرة .
ولما تعرض للقبض عليه حاول الهرب لكن الطوق حوله كان محكماً .
وهكذا أخفقت إسرائيل في الحصول على شيء من شبكة التجسس التي أوفدتها إلى العاصمة المصرية .
جريمة شبكة فارس مصراتي سياسية :
نتيجة هذه المعلومات الوافية عن المشاط الذي قامت به شبكة المصراتي تأكد أن التجاوزات الإسرائيلية المعلنة على الأراضي المصرية خلال الفترة الماضية مقتصرة على ارتكاب جرائم جنائية تمثلت في تزوير أوراق رسمية و سندات و تزييف العملات الورقية و خاصة الدولارات وسرقة الآثار وتهريبها ، وكذلك الاستيلاء على الشعب المرجانية النادرة التي تستخدم في علاج أخطر أمراض العصر (السرطان و الإيدز) من منطقتي نويبع وشرم الشيخ . وجريمة مصراتي ليست جنائية ، لكنها سياسية في المقام الأول وتم إعدادها بعناية فائقة من الموساد و ظهر ذلك واضحاً من التكليفات الصادرة إلى عميلهم ليرصد كافة الأمور الاستراتيجية و العسكرية في مناطق معينة في سيناء و بور سعيد وبور فؤاد والإسكندرية وبعض محافظات صعيد مصر ، ولم يتم الاكتفاء بذلك بل تصاعدت التكاليف بتدعيم الاتصالات مع بعض المصريين عن طريق التردد على الأماكن والجمعيات الدينية للوقوف على النشاط الأصولي في مصر و خاصة "الجهاد" ، التنظيم الذي اغتال الرئيس السادات ، وكذلك الاتصال بأقطاب الإجرام الجنائي لتزوير المستندات الرسمية التي ضبطت مع الجاسوس وهي البطاقات الشخصية وشهادات تأدية الخدمة العسكرية وجوازات السفر للانخراط في صفوف المصريين والإقامة الدائمة بينهم .
إضافة إلى الارتباط بمشاريع تجارية تتطلب البقاء الدائم في البلاد ومنها الاشتراك في المزادات وبيع التحف الأثرية والتردد على المنازل وإقامة علاقات والوصول إلى بعض المستويات الوظيفية لرفع مستوى المعلومات بالتبعية . وقد اتضح من التكليفات الصادرة من أقطاب الموساد إلى الجاسوس درجة خطورته وصعوبة كشفه . ولذا تم تطوير تلك التكليفات حتى وصلت أثناء أزمة الخليج إلى القطاعات الشعبية التي تضررت من عودة معيليها من الخليج وإمكانية تصاعد ذلك للصدام مع السلطة . كذلك قياس شعبية الرئيس حسني مبارك وخاصة في أوقات الأزمة لكون هذا القياس له دور هام في السياسة الخارجية الإسرائيلية .
إلى ذلك امتدت حركة الجاسوس الاستخباراتية إلى الأراضي الليبية مستغلا اصله الليبي والوثائق المزورة التي منحته الجنسية المصرية للوقوف على أبعاد التقارب بين البلدين . وخاصة بعد قرار فتح الحدود وإزالة الصعوبات وبذلك أصبح مصراتي متعدد الجنسية ( إسرائيلي – مصري – ليبي ) . وقد كشفت تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا تلك التكليفات التي تميزت بآلاتي :
* إنها صادرة من مستويات عليا من جهاز المخابرات الإسرائيلي " الموساد " .
* إنها جميعها تحمل طابعا عسكرياً.
* إنها مرتبطة بفترة زمنية .
* إن ولديه " فائقة وماجد " ساهما في بعض هذه التكليفات حيث سافرا معه إلى ليبيا وقامت فائقة بتدعيم بعض الشباب المصري وإقامة علاقات غير مشروعة معهم . و كانت تتقدم إليهم على إنها سورية ولبنانية أو مصرية بالبطاقة المزورة ، وركزت علاقاتها مع مستويات وظيفية محددة كان آخرها مع الباحث الاجتماعي مصطفى علي حسن الذي ضبط أثناء عملية مداهمة مقر الجاسوسة وأخلى سبيله بمعرفة النيابة العامة لعدم علاقته بالوقائع المنسوبة إليها .
وأخيرا المفاجأة :
بعد كل هذه التحقيقات والإثباتات والوقائع المادية كما يقولون واحتمال الحكم على شبكة المصراتي بالأحكام المعروفة في مثل هذه الحالة ، صدرت المفاجأة عن السلطات المصرية المختصة بإطلاق سراح أعضاء الشبكة جميعا وهم :
1- فارس صبحي مصراتي ، رأس الشبكة .
2- ديفيد أوفيتس ، الذي أسمته الصحافة المصرية ( ضابط المخابرات الإسرائيلية ) .
3- فائقة فارس مصراتي ، التي نسب إليها إنشاء العلاقات الجنسية مع الشبان المصريين للحصول على معلومات .
4- ماجد فارس مصراتي ، عضو الشبكة وابن رئيسها .
وقضى القرار الذي صدر عن السلطات العليا بتسليم الجميع إلى السلطات الإسرائيلية . وقد تفاعلت وبشدة قضية إطلاق السلطات المصرية فجأة لأعضاء الشبكة . رغم أن رئيس الشبكة ( فارس مصراتي ) سبق أن حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة في قضية منفصلة عن قضية التجسس هي إهانة العدالة المصرية والتعرض بالتعدي والضرب على رجال الأمن المكلفين بحراسته أثناء المحاكمة . فبينما كانت موجات النقد العنيف تتوالى من أوساط القوى السياسية وأحزاب المعارضة وقطاعات واسعة في الرأي العام المصري ، ضد هذا القرار ، باعتبار انه يشكل مساساً خطيراً بالأمن الوطني وإهانة لأحكام القضاء المصري ، ترددت شائعات حول أن إطلاق المتهمين الصهاينة في القضية ، كان ضمن صفقة أطلقت بموجبها سلطات العدو عددا من المواطنين المصريين ، الذي اتهمهم الكيان الإسرائيلي بالتجسس لمصلحة المخابرات المصرية . وهذا الأمر وارد ومعقول في عالم التجسس والمخابرات لا سيما وكما ظهر من الكشف عن بقاء العميل المصري ( رأفت الهجان ) حوالي ربع قرن ، و هو يتجسس للمخابرات العامة المصرية في عقر دار المخابرات الإسرائيلية التي تدعي السيطرة على أمن إسرائيل ، وهنا لا يستبعد وجود عشرين رأفت الهجان (ديفيد) داخل إسرائيل حتى الآن . إلا أن هذه الشائعات التي بدت وكأن دورها هو التخفيف من الموقف الحرج ، الذي وقعت فيه الحكومة المصرية منذ إطلاق شبكة فارس صبحي ، سرعان ما تبدد جوهرها ، بل تعقد الموقف أكثر ، حين أعلنت السلطات في إسرائيل ، بعد أقل من اسبوع من إطلاق جواسيسها ، إنها ستحاكم مواطنا مصريا كانت اعتقلته سرا في السابق . وذلك بتهمة جمع المعلومات والتجسس لمصلحة المخابرات المصرية ( رأفت جديد) .
وكان لهذا الإعلان من جانب سلطات إسرائيل ردود فعل في أوساط الرأي العام المصري ، حيث كان كإلقاء وقود سريع الاشتعال على حريق كان شبّ بالفعل ، مع تعلان نبأ إطلاق جواسيس شبكة فارس مصراتي . و في هذا السياق أجمعت افتتاحيات صحف المعارضة المصرية على وجود تهاون في عملية إطلاق سراح الشبكة الجاسوسية .
ولعل ما أسهم في اتساع دائرة الغضب والضجيج في أوساط الرأي العام المصري ، أن إعلان السلطات الإسرائيلية عن إحالة المواطن المصري ، الذي لم تكشف عن اسمه إلى المحاكمة في إسرائيل صاحبته تصريحات أدلى بها عدد من كبار المسئولين الإسرائيليين أكدوا فيها أن سبب عدم الإعلان عن اعتقال هذا المواطن ، طوال الشهور التي ظل خلالها خاضعاً للتحقيق ، هو عدم التأثير في قضية أفراد شبكة فارس صبحي وحتى يمكن إطلاق سراحهم !! .
في ضوء ذلك ، سارعت الحكومة المصرية إلى إجراء اتصالات مكثفة مع السلطات الإسرائيلية من جانب ومع كبار المسئولين في الإدارة الأمريكية من جانب آخر لتأمين الإفراج السريع عن المواطن المصري .
وفي هذا السياق ، حملت وزارة الخارجية المصرية سفير الحكومة المصرية لدى إسرائيل آنذاك " محمد بسيوني " مذكرة شديدة اللهجة ، سلمها بسيوني إلى وزير خارجية إسرائيل في ذلك الوقت " دافيد ليفي " وتضمنت اعتبار كل سياق الوقائع الذي تم فيه اعتقال المواطن المصري والتحقيق معه بغير علم السلطات المصرية ، والإعلان عن اعتقاله بعد الإفراج عن شبكة فارس صبحي ، يمثلاً عملاً عدائياً ضد مصر ومخالفاً لأبسط قواعد وأعراف العلاقات بين الدول . وانتهت المذكرة إلى ضرورة الإفراج الفوري عن المواطن المصري وتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل على قضيته .
وفي الاتجاه نفسه ، فإن الحكومة المصرية قامت باستدعاء سفيرها لدى إسرائيل محمد بسيوني ، حيث التقاه في اجتماع مطول الدكتور أسامة الباز ، ابرز مستشاري الرئيس المصري حسني مبارك وحثه على المطالبة بحل سريع لهذه القضية التي أثبتت فيها إسرائيل استهتارها بجميع القيم والأعراف ، خاصة ومن المعروف أن هناك أصولاً متعارفاً عليها في تبادل الجواسيس والعملاء بعد القبض عليهم في جميع دول العالم ، لكن الدولة والمخابرات الوحيدة في العالم التي تتصف بتخزين الحقد الأسود هي إسرائيل ومخابراتها .
تحياتي لكم /ماجد البلوي
تعجز الكلمات عن شكرك على المعلومات التي استفدتها من مواضيعك الرائعة
جزاك الله خير
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات