من حسن حظي وقع تحت يدي كتاب بعنوان : " كلمات لها معنى "
كتاب جميل و رائع للدكتور . محمد بن عبد الرحمن البشر
سفير المملكة العربية السعودية
لدى الصين الشعبية
الكتاب يتضمن مجموعة من المقالات التي كتبها المؤلف على مدى عدة سنوات عبر مجلة ( تجارة الرياض )
الكتاب جميل و رائع و يستحق الاقتناء .
سأحاول جاهداً أن أنتقى منه بعض المقالات و أضعها هنا
و أبدأ بـ
معان في شعر الشافعي ( سلسلة كلمات لها معنى )
تخالج النفس لدى البشر الكثير من المعاني التي تتبلور لديهم حتى تكون قناعات ربما تظهر جلية في سلوكهم و قراراتهم ، و الموظف في وظيفته و رب البيت في منزله و رجل الأعمال في تجارته ليس ببعيد عن ذلك المعنى .
و الإمام الشافعي الفقيه المجر تجلت له مثل تلك المعاني فنسجها شعراً سلساً ، يتناقله الناس حتى عصرنا هذا .
و قد يكون من الملائم الحديث في هذه العجالة عن بعض تلك المعاني ففي بيت من الشعر نراه قد قال :
كل العداوة قد ترجى مودتها = إلا عداوة من عاداك عن حسد
أليست تلك مقولة حق ؟! فوربي لقد أنصف فيما قال ، فإن العدو الحاسد لا يثوب عن معاداته إلا بزوال نعمة المحسود ، فمبعث العداوة يكمن في بقاء النعمة و تمتع المحسود بها ، فلا تلطف المحسود للحاسد يمنعه عن مواصلة حسده ، و لا انصرافه عنه راداً إياه عن أربه . فديدن الحاسد في الحياة كذلك حتى و إن أسديت له من المعروف ما تعتقد أنه سيلجم فاه ، فهو غير بالغ رضاه .
و سيان إن فعل المحسود أو لم يفعل ، فسيظل هدفاً يستلذ الحاسد برميه ، و تظل غايته سقماً لا يرجى برؤه .
و إنه لحري بالإنسان أن يتبصر ليرى بأم عينه أن أولئك النفر قليل ، و إن كان أثرهم غير يسير .
و ليس للمرء مخرج من غائلتهم فما لغريمهم من صفات تميزه و لا لصديقهم خلال تغريه .
فكان الله في عون كل من ساقته الأقدار للتعامل معهم ، يقول الإمام الشافعي :
داريت كل الناس لكن حاسدي = مداراته عزت و عز فعالها
و كيف يداري المرء حاسد نعمة = إذا كان لا يرضيه إلا زوالها
و قد خالج نفس الإمام الشافعي معنى آخر جعله في بيتين من الشعر ، غير أن الكثير من الناس قد لا يتفق معه في ذلك المعنى ، و إن كان البعض قد جسد هذا المعنى قولاً و عملاً :
لا يكن ظنك إلا سيئاً = إن سوء الظن من أقوى الفطن
ما رمى الإنسان في مخمصة = غير حسن الظن و القول الحسن
من غير العدل أن يجعل المرء سوء الظن أمام ناظريه ، و أن يروض نفسه على ذلك ، فالشفاء بهذا سيبلغ المدى ، و الأحقاد ستتجاوز المألوف ، ناهيك عن الفرقة و استفحال العداوة و البغضاء . و ما أحسب ذا لب إلا و هو باحث عن السعادة و في حب السعادة لا في البغضاء .
من العجب أن يطرح الإمام معنى يجسد فيه سوء الظن و كأنه من الفطن فهل سوء الظن فطنه ؟ لعل حسن الظن الذي يقود إلى الاستغفال يرمي بالإنسان إلى المهالك ، و لكن لا يعني بالضرورة أن نسيء الظن بالإنسان ، بل ما أمتع و أسعد من أن يحسن المرء الظن بالناس مع أخذ الحيطة و الحذر حتى لا يؤخذ بغرة و يؤتى من مأمنه .
و في معنى آخر يقول الإمام الشافعي :
زن من وزنت بما يزنك = و ما يزنك به فزنه
من جا إليك فرح إليه = و من جفاك فصد عنه
من ظن أنك دونه = فاترك هواه إذن و هنه
و ارجع إلى رب العباد = فكل ما يأتيك منه
هذه المعاني الجميلة هي شيم ذوي الألباب و خلائق ذوي النهى و الأحلام .
فوربي لا يجد النبيل متعة ألذ من الكرامة كما لا يجد الذليل متعة ألذ من المهانة ، فكلاهما قد نال مراده بإشباع مبتغاه ، غير أن البون بين الواقعتين كبير و الفرق في السلوك واضح جلي و للمرء أن يختار ما يتوافق مع ما حباه الله من قيم و ارتضاه لنفسه من واقع .
و في معنى آخر يقول :
سهرت أعين و نامت عيون = في أمور تكون أو لا تكون
فادرأ الهم ما استطعت عن النفس = فحملانك الهموم جنون
إن رباً كفاك بالأمس ما كان = سيكفيك في غدٍ ما يكون
حقاً لقد شغل بعض الناس بأمور أحسبها غير كائنة و إن كانت فهي كائنة فلا سهر الأعين مغيراً الحال و نومها جالباً المحال .
و لكن النفس البشرية تأبى عيشة تشوبها الهموم و حياة مليئة بالظنون فهل يروض الفطن نفسه على ترك المراء لأمور قد تكون أو لا تكون ؟ لقد أجاب الإمام الشافعي عن ذلك بتركها إلى الله عز وجل فقد كفانا بالأمس ما كان و هو القادر على أن يكفينا أيضاً ما سيكون . فهل نحن متعظون ؟!
انتهى كلام المؤلف
و أترك التعليق لكم
المفضلات