بسم الله الرحمن الرحيم
الدعوة إلى الله من أوجب الوجبات ، وأهم المهمات ، وأعظم القربات ، بها يستقيم أمر الفرد ويصلح حال المجتمع ، ولهذا اختار الله عز وجل للقيام بها صفوة خلقه من الأنبياء والمرسلين والعلماء والدعاة والمصلحين .. ومعلوم أنه ما قاد دين من الأديان ولا انتشر مذهب من المذاهب إلا بالدعوة واليسر في ركابها ، وبذل الغالي والنفيس في سبيلها ه
ومن تتبع سير الأنبياء والمرسلين والسلف الصالح وعلماء هذه الأمة يجد صوراً ناصعة ، وعلامات مضيئة ، يعلوها تاج المحبة ويحيط بها سياج من الصبر .. فهذا نبي الله نوح عليه السلام دعا قومه سنوات طويلة : ألف سنة إلا خمسين عاماً . وقام يوسف عليه السلام بأمر الــــــدعوة وهو في الســـــــــــجن فدعـــــــا من معه إلى عبادة الله جلا وعــــــلا .. ( يا صاحبي السجن أ أرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) -يوسف : 39
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم له القدح المعلى والسهم الوافر في ذلك ، فقد دعا إلى الله سراً وجهراً وقابل وفود الحجيج وصعد إلى الصفا وسار إلى الطائف ، ثم هاجر إلى المدينة و ها هو صلى الله عليه وسلم في لحظاته الأخيرة ومرض الموت يتغشاه يقول في آخر كلماته :" لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبـــــور أنبيائهـــــم مساجد "ه
وطريق الدعوة هذا في أمة الإسلام اليوم قل سالكوه واستوحش أهله إلا من بعض الناصحين ، وندر هذا الأمر حتى في وسط البيوت والأسر وبين المعارف والجيران ، وهي دعوة قريبة المنال هيئة الطريق عظيمة الأجر ، قال صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح مسلم -"من دعا إلى هدى كان له مثل أجور من تبعه ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضلاله كان عليه من الإثم مثل من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئاً " ه
فلك أيها الداعي مثل أجر من دعوته لا ينقص من أجره شيئاً ، فإن أمرته بالصلاة فلك مثل أجر صلاته ، وإن أمرته بالنفقة فلك مثل أجر نفقته .. ها هو يصلي وأنت جالس ، وينفق وأنت ممسك ، ويجاهد وأنت بين أهلك ولك مثل أجر ما عمل ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، ومع عظم هذا الأجر وكثرة ثوابه إلا أنه معطل في حياة كثيرة من المسلمين ومنسي في واقع كثير من المسلمات. ولكن ماذا عن أمم الكفر ،وما جهود اليهود والنصارى وأصحاب العقائد الباطلة ، وكيف حال شبابهم وشيوخهم ؟! يقول من رآهم رأي العين إن شبابهم وشيوخهم في كل أرض وتحت كل سماء ، عمل دائب وصبر متواصل وبذل بلا حدود .. وأما نسائهم فلا تخطئ عينك مركزاً لهم إلا وبه مُنصِّرة متلبسة بزي الممرضات أو الطبيبات أو المحسنات اللاتي تتفطر قلوبهن رقة وإحساناً وهن حيّات وعقارب في أنيابهن العطب
كثير من الناس لا يُلقي بالاً لحديث الإنشاء هذا ، ولكن عندما يُقلب الوقائع ويضرب ترجله أرض الله الواسعة ويخطو خطوات متتالية يرى ما يفزعه ويقض مضجعه ، أما من استثقلت نفسه هذا السفر فلعل في إيراد بعض الأرقام ما يوقظ إيمانهم ويحرك إسلامه : دولة التشيك عدد سكانها 10 ملايين نسمه منهم 500 مسلم ولا يوجد فيها مسجد واحد لإقامة الصلاة ، وبها عشرة آلاف كنيسة و200 معبد يهودي كلها تم إنشاؤها بعد سقوط الشيوعية عام 1992 م أي خلال خمس كان عدد النصارى في بنغلادش عام 1972 م مائتي ألف نسمة وارتفع الرقم عام 1991 م إلى خمسة ملايين نصراني .. فتأمل بعين فاحصة الزيادة العجيبة خلال سنوات قليلة جداً وفي بلد مسلم ه
وفي وسط هاتين المعلومتين المفزعتين لك أن تتساءل أين شباب أمة الإسلام ؟! ويكتمل عجبك إذا علمت أن من تغبرت أقدامهم في طريق الدعوة إلى الله عددهم قليل يعرفون بأسمائهم لقلتهم . وقلب الطرف في الأرقام لترى كيف يعملون ونحن نتحدث ! ثم يأخذك العجب فيما نتحدث ! وقفات دعوية : قال تعالى : " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتي هي أحسن " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم " متفق عليه . قال الحسن : فمقام الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد . قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي : ورحم الله من أعان على الدين ولو بشطر كلمة ، إنما الهلاك في ترك ما يقدر عليه العبد من الدعوة إلى هذا الدين
المصدر : مجلة الأسرة - العدد 59 صفر 1419 بقلم/ عبد الملك بن محمد القاسم
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات