المصدر : http://www.al-jazirah.com.sa/culture...05/madak50.htm
تولعت منذ صغري بقراءة شتى أنواع الفنون الأدبية من شعر ونثر وقصة ورواية.. كنت أقرأ بنهم شديد كل ما كان يقع بيدي.. ومن حسن الحظ أن الروايات التي ولعت بها لم تكن سوى روايات أجنبية.. ولماذا قلت (من حسن الحظ)!! لأن هناك الكثير من الأدباء من رسَّخ في ذهني صورة الرواية العربية.. بأنها كتابات عبثية.. تفتقد ما يسمى (الإطار).. ضعيفة الحبكة والبناء.. قليلة الخبرة.. أسلوبها ينم عن الركاكة وسوء التركيز.. فقيرة من القيمة الأدبية.. ودائماً ما توضع على خط الهامش إذا ما قورنت بالروايات الأجنبية.
ولأن حلمي الذي أسعى إلى تحقيقه هو أن أكون كاتبة أدبية.. لم أجازف بثقافتي وأقرأ روايات عربية حتى لا ينتقل فيروس (الرداءة) إلى قلمي.. كما هو الحال مع من يطلق عليهن اليوم لقب (كاتبات رواية).
في الفترة الأخيرة حدث صراع حاد بين المؤيدين والمعارضين ل(رواية!!) بنات الرياض.. وقرأت ذلك الكم الهائل والكثيف من الانتقادات الموجهة لهذه الرواية (الخدعة) كما يقولون:
أنا من طبعي لا أهتم بالروايات العربية؛ لذا لم أؤيدها ولم أعارضها.. فقط كل الذي فعلته أنني ضربت أخماساً بأسداس حسرة على مستوى الرواية (الهزيل) في الوطن العربي.
وحرصاً مني على سلامة الأقلام الجديدة مما يسمى (الخربشة الأدبية)، سأورد هنا بعض (الملاحظات) أو (الفضائح) على تلك الرواية آنفة الذكر.. التي كانت سبباً قوياً في ظهورها بهذا الشكل.. حتى يتم تفاديها لمن يريد كتابة رواية، وبالتالي يسلم من الوقوع في فخ (الإخفاق) كما وقعت فيه (رجاء الصانع).
في نطاق عنصر الشخصية: لابد أن يكون الكاتب قد عاصرها وعايشها.. فالشخص الذي يحاول أن يكتب رواية يصور فيها أموراً خاصة بأحد المجتمعات وهو لا يعرف حياتهم الخاصة لا يمكن (أبداً) أن تكون لروايته أهمية.. لأنها لم تقم على خبرة شخصية عملية (صادقة) بطبيعة ذلك المجتمع..
فمن غير المعقول أبداً أن يقوم شخص من طبقة وضيعة بتصوير مجتمعات الطبقة الراقية أو من ينتسبون لقبائل أصيلة.. لأنه لو قام بذلك فحتماً سيتهم بالخبل أو الجنون.
كذلك الذي يكتب عن أضواء المدينة وعمرانها وتطورها، وهو في الأصل قروي لم يسبق له زيارة المدينة.. أو الذي يكتب عن مغامرته في ركوب المنطاد ووصوله إلى سحب السماء، وهو الذي لم يجربه قط في حياته..
كل هؤلاء لن يكونوا صادقين في انفعالاتهم ولا أمينون في تصويرهم لها.. لأنهم لم يكتسبوا الخبرة بهذه الأماكن ولا علم لهم بحقائقها ولا طبائعها.
وهذا ما وقعت فيه الكاتبة حينما صورت حياة (بنات الرياض) وهي التي (والعهدة على أحد الكتاب) جاءت إلى الرياض بوجه غير وجوه أهلها.. فهي لم (تعش) طفولتها في الرياض حتى تواكبها وتعرف أهلها جيداً، لذا جاء تصويرها معيباً وغير نزيه.
الرواية من طبعها (لا تنتقد) شخصيات أو مجتمعات أو مبادئ.. وكاتب الرواية لابد أن يجعل قارئه يتعاطف وجدانياً مع الشخصيات لا أن ينقدها ويعيبها.. و(رجاء الصانع) اتجهت عكس ذلك تماماً فاتخذت من أحد المجتمعات طعماً للنقد وربما التشويه.. ففقدت روايتها بذلك اسم (فن الرواية الراقي).
ازدهر في القرن السادس عشر نوع من القصة يسمى (البيكارسك) تتناول فيه صورة للمجتمع.. وإذ ذاك فقد هوت الكاتبة (رجاء الصانع) مرة أخرى حين سمَّت عملها (رواية)، فالرواية عادة ما تحكي مغامرات خيالية.. أما (البيكارسك) فتحكي حياة واقعية.. خصوصاً وأن رواية (بنات الرياض) هي في الأصل مرآة وواجهة لواقع حياة الكاتبة نفسها وتجاربها مع صديقاتها.. لذا كان عليها أن تعنون عملها الأدبي (مذكرات فتاة) أو (صور من حياتي الخاصة) أو (تجاربي المثيرة مع صديقاتي).
كثير من القراء انتقد عنوان (الرواية)!! والبعض منهم حاول جاهداً البحث عن السبب وراء تسميتها بهذا الاسم، ولاسيما أنها تتكلم عن منطقة ذات أصول راقية.. ولكن.. أي إنسان واعٍ ومدركٍ لطبائع البشر لاشك سيعرف مخفيات الأمور بالبداهة والحنكة دون الحاجة إلى تفسير وتحليل الأمور، الجواب واضح جداً ولا يحتاج إلى ضجة مميتة لمعرفته.. إنه يتمثل في ثلاث كلمات فقط وهو المثل القائل: (رمتني بدائها وانسلت).
كل حادثة تقع في الرواية لابد أن تقع في مكان معين وزمان بذاته، وهي لذلك ترتبط بظروف وعادات ومبادئ خاصة بالزمان والمكان اللذين وقعت فيهما.. والارتباط بكل ذلك ضروري لحيوية القصة، لأنه يمثل البطانة النفسية للرواية.. وهذا ما تناقض تماماً في (رواية!!) بنات الرياض.
لا أخفيكم سراً أنني أطلت النظر للرقم (23) وهو الرقم الذي يرمز إلى عمر الكاتبة (رجاء الصانع).. كان لدي أمل كبير أن يكون هناك خطأ مطبعي في الرقم.. حول عمر الكاتبة الحقيقي من (32) إلى (23).. فالرواية تبدو وكأنها تعود إلى حرب ما قبل الخليج أو أكثر.
فعدم التزام الكاتبة بالزمان المعني بهذا العصر أدى إلى ضعف وتهالك بطانة الرواية.. ومن (رواية!!) بنات الرياض اتضح لي الفرق بين الروايات العربية والروايات الأجنبية.. حقاً لقد كان فرقاً شاسعاً جداً كما الفرق بين الثرى والثريا والأرض والسماء.
الروائية الإنجليزية (إميلي برونتي) أصدرت عام 1847م روايتها الشهيرة (مرتفعات ووذرنغ) الرواية الآن عمرها أكثر من مائة وخمس وعشرين سنة.. وكما هو ملاحظ الرواية قديمة جداً.. لكنها ما زالت تملأ السمع والبصر في وقتنا الحاضر.. فتمكُّن الكاتبة من أدواتها الفنية ساعد على إبقاء روايتها لأكثر من قرن من الزمان إن لم تكن باقية أبد الدهر..
ورواياتنا العربية (اليتيمة) لا تلبث أن تندثر بعد عدة أشهر فقط من صدورها..
أنا شخصياً على علم ودراية بأعظم كتاب الرواية الأجانب.. بيد أنني لا أعرف اسما واحداً فقط من كتاب الرواية العرب.
أعظم الفظائع بنظري هو استمرار حال الرواية عندنا بهذه (السذاجة) وعدم معالجتها من الأمراض المستعصية التي سكنتها منذ زمن، كرداءة المحتوى وضعف الخبرة.. والإعراض عن معالجة هذه العلل سيولّد لدينا (الكثير) من (الكوارث الأدبية) .. فكل شخص لا يعرف من فنون الأدب إلا اسمه سيقوم حتماً بتسطير مغامراته وأسراره الخاصة بأسلوب (هش)، ثم ينسبها لمجتمع آخر وينقدها.. ثم يطلق عليها اسم (رواية).. وهكذا دواليك.
ولنا أن نغتبط حينما نعرف أن ما من روايات عربية تترجم للغات أخرى.. وإلا فماذا سيقال عنا لو وقعت مثلاً (رواية!!) بنات الرياض في يد أحد النقاد الغربيين؟
بالتأكيد (سيفضحنا) وقد يؤلف كتاباً ينقد فيه روايتنا العربية، وقد نقرأ أيضاً على أولى صفحاته عبارات مثيرة مثل:
(سيداتي وسادتي أنتم على موعد مع أعظم وأكبر الفضائح في عالم الأدب، سننقد عملاً ضاع في وجهته وتاه في دروبه ولم يدر إلى أي اسم ينتظم.. لتظلم الرواية أخيراً وينسب لها.. هذا العمل الخارق يدعى (Girls Of Riyadh) إنه عمل عجيب تحتار ماذا تسميه.. لكن لا تستغربوا.. فالعمل خط بأنامل فتاة من دول العالم الثالث.. ومن العرب (جايكم خير!!).
فمتى نكسر مقولة (وداعاً للروايات فلا روايات في الوطن العربي)؟!
متى يبزغ لنا جيل يتقن فن الرواية بمهارة حتى نخرس أفواه الغرب بانتقاداتهم وسخريتهم بنا؟؟
متى؟!
منال يوسف قاضي الرياض
تعليق
أشارك الكاتب نفس التساؤل حول الروايات العربية رغم أن اللغة العربية من أميز اللغات بل أفضلها
المفضلات