رسالة عاجلة من ابن العلقمي لمن يهمه الأمر
عام :ما أشبه الليلة بالبارحة :الاثنين 15 ربيع الثاني 1426هـ - 23 مايو2005م
إلى أخي وصديقي العزيز الذي لم يجمعنا لقاء ولا زمان ولا مكان، ولكنه حتماً يؤمن بمثل ما أومن به، إلى أخي في العقيدة وأخي في بغض أهل السنة عموماً والصحابة خصوصاً، الذي يشعر بمثل ما كنت أشعر به ويحلم بمثل ما كنت أحلم به، وسار على دربي وطريقي في تحقيق أهدافه وغاياته، كم أنا فخور بك ومحب لك على ما قمت به من أعمال وبطولات ! من أجل إحياء الدولة العلوية، وإعادة حق قائم آل محمد المسلوب منذ مئات السنين على أرض العراق، ولكن حق على وأنت أخي في الرفض ووحدة الهدف والطريق، أن أقدم لك تجربتي في الوصول للحكم، فأنت أخي وحقت لك النصيحة ولا شك أنك تعرفني جيداً، وقرأت عنى، ودرست سيرتي، بل أنا متأكد أنك قد اقتديت بي واتبعت سبيلى ومنهجى فى تحقيق غاياتى، ولكن سأحكى قصتى لك ولغيرك ممن قد لا يعرفونها …
** فأنا محمد بن أحمد بن على بن محمد العلقمى، المشهور تاريخياً بابن العلقمى، ولدت بالكرخ معقل الروافض ببغداد سنة 593هجرية، ونشأت بها على تعاليم التشيع التى تعلمنا بغض أهل السنة وتكفير الصحابة خاصة أبى بكر وعمر، وحلمت منذ نعومة أظافرى بإزالة الخلافة العباسية السنية وإقامة الخلافة العلوية ورد حق آل البيت، ومن أجل هذا الهدف تدرعت بالتقية، وتدثرت بالخداع والمكر، ولم أبد ما أعتقد ولم أجهر بما يعتمل به قلبى من كره وبغض السنة، وقررت أن التحق بعمل قريب من دار الخلافة، حتى أتمكن من تحقيق وتنفيذ مخططاتى .
** وبالفعل التحقت كاتبا بدار الخلافة فى آخر عهد الخليفة العباسى 'الناصر لدين الله' ومازلت اترقى فى عملى بإخلاص وأرضى عنى رؤسائى فى العمل حتى أصبحت أستاذ دار الخلافة فى عهد الخليفة 'المستنصر بالله' ووثقت صلتى بولده 'عبد الله' الذى كنت أعلم جيداً أن الخلافة ستصير إليه، وكان 'عبد الله' هذا طيباً فيه كثير من سلامة الصدر، وربما يكون فيه غفلة كبيرة وضعف فى الشخصية، فتقربت من جداً، فلما تولى الخلافة سنة 640هجرية، لم يلبث حتى أمر بتعينى فى أخطر منصب بالعراق وهو منصب 'الوزارة' وتحققت المرحلة الأولى من حلمى وأصبحت وزيراً للدولة العباسية، المتحكم فيها، الآمر الناهى فى حكومتها .
** بدأت العمل تدريجياً من أجل إضعاف الدولة العباسية، وذلك كالآتى :-
1. عملت على تقليل عدد الجيش المدافع عن بغداد لأنه كان كبيراً وجيد التجهيز، فلقد كان يبلغ أكثر من مائة ألف مقاتل، منهم الأمراء الكبار، والفرسان الأبطال، فمازلت اجتهد فى صرفهم عن الخدمة، وتقليل هذا الجيش العرمرم حتى صار عشرة ألف مقاتل، لا حوا لهم ولا قوة، لا يردون عادية أى عادى .
2. عملت على زيادة نفقات الخليفة الغافل، فبنيت له القصور، ودبرت له الأموال، من حلها وحرامها وكنت أوفر فى نفقات الجند والسلاح، لتمتلأ خزائن الخليفة، وكنت أقم الولاءم الكبيرة التى ينفق عليها بالأموال الطائلة، وكلها أمور ترضى عنها مولاى الخليفة، وتضعف من دولة الخلافة، فضربت بذلك عصفورين بحجر واحد .
3. قمت بعد ذلك بالخطوة الجريئة والخطيرة، فلقد بدأت فى مراسلة التتار وكبيرهم 'هولاكو' هذا السفاح الطاغية، فأظهرت له الود والولاء والنصح، الذى ساعدنى على ذلك أخى فى الرفض والتشيع 'نصر الدين الطوسى' الذى سهل لى الاتصال بهولاكو، فلقد كان يعمل عنده وزيراً وناصحاً، وهو الذى شجعه على التقدم إلى بلاد العراق، بعدما وقف عند منتصف الهضبة الإيرانية ولم يتقدم منذ فترة، فعرضت على 'هولاكو' القدوم إلى بغداد والإستيلاء عليها وإسقاط الدولة العباسية، وألححت فى ذلك، كان هذا الأمر يوافق هوى عنده، لأن زوجته النصرانية، كانت تحرضه ليل نهار على سفك دم المسلمين، وسفارات البابا 'أوسنت الرابع' كانت تأتيه تعرض عليه نفس الفكرة، فاقتنع الرجل بالفكرة التى تضافرت عليها جهودى أنا وأخى 'نصير الدين الطوسى' وزوجة هولاكو الصليبية وسفارات بابا 'أوسنت الرابع' .
** وهكذا أخى ابن الجعفرى اكتملت المؤامرة التى ظللت سنوات طويلة أنسج خيوطها واحبكها، فالخلافة فى الداخل فى غاية الضعف والجيش فى غاية القلة والخليفة فى غاية الغفلة وبالفعل أخى جاء هولاكو بجيش مهول يقدر بمائتى ألف مقاتل، واهتزت بغداد بأسرها، وحار الخليفة الغافل ماذا يفعل ؟ فأشرت عليه بمشورة زادت من الطين بلة، بأن يرسل هدايا هزيلة لهولاكو، ليظهر أنه لا يخاف منه، وأن مقام الخليفة عال لا يرام، وأنا أعلم عقلية الطاغية هولاكو بأن هذا الأمر سيجعله يشتاط غضباً، وقد كان وهجم التتار بجيشه على حاضرة الخلافة المسكينة فى 1 صفر سنة 656 هجرية، فلم تقو على القتال سوى أربعة أيام ثم انهارت، فخرجت أنا وأهلى وعشيرتى الروافض، للقاء هولاكو، وأنا أظهر للناس أنى خارج للتفاوض معه، ثم عدت بعد الاتفاق مع هولاكو، على استدراج الخليفة وكبار أمرائه وقواده والعلماء والأعيان وسادة البلد الذين يستطيعون أن يقودوا البلد وقت الشدائد، عدت إلى بغداد، وأقنعت الخليفة الأحمق الغافل أن يخرج للقاء هولاكو بمعسكره، فخرج الغافل ومعه سبعمائه رجل من القضاة والفقهاء والعلماء ورؤوس الدولة، للتفاوض مع هولاكو كما أقنعتهم على إقتسام خراج العراق، نصف للتتار ونصف للخليفة، فلما وصلوا إلى معسكر هولاكو قتلوا جميعاً شر قتلة إلا الخليفة المسكين المذعور الذى رأى بأم عينيه ما أروعه من مشهد ذبح السبعمائة سنى ، ولا تعلم يا أخى مدى المجهود الذى بذلته أنا والطوسى، من أجل إقناع 'هولاكو' أن يقتل الخليفة المستعصم، فلقد كان متخوفاً من عواقب قتل الخليفة، وثورة المسلمين فى كل مكان، ولكننى أقنعته فى النهاية فقتل الخليفة المستعصم وكانت هذه اللحظة هى الأروع فى حياتى، فلقد انهارت أخيراً الخلافة السنية بعد قرون من حكم البلاد .
** ثم مال التتار كالوحوش الكاسرة على أهل بغداد، وقتلوا أهلها جميعاً ماعدا اليهود والنصارى فقتلوا قرابة المليونين من الرجال والنساء والأطفال، ودمروا المدينة بالكلية، ولا بأس بذلك فهم أهل السنة، دمائهم حلال لنا، مباح سفكها، لإستعادة حقنا المنهوب ! ولرفع الظلم عنا ! ومن أجل الحلم الكبير إقامة الحكومة الرافضية .
** وقام هولاكو بمكافأتى وتعيينى فى منصب الوزارة، ورغم أننى كنت وزيراً من قبل وعند خليفة مسلم وأعامل بمنتهى التعظيم والاحترام وكلمتى هى النافذة فى بلاد العراق إلا أن منصب الوزارة هذه المرة له مذاق آخر، فلقد ذهبت دولة السنة إلى غير رجعة، وكان على أن أبدأ الخطوات التنفيذية لإقامة الخلافة الشيعية والحكومة الرافضية ولكن حدث ما لم يكن فى حسبانى حدث ما الذى أنا وأنت أخى وعلى دربى أن أعرفك إياه وأنصحك به أتدرى ما حدث بعد ذلك ؟ أكيد أنت تدرى يا أخى، فهو مكتوب فى كتب التاريخ معلوم للجميع، وإياك أن تغتر بما كتبه 'ابن طباطبا' فى كتابه 'الفخرى فى الآداب السلطانية'، فهو مثلنا رافض ولا يحب أن يذكر للناس نهايتى ومأساتى .
** تصور يا أخى أننى بعدما أصبحت وزيراً عند دولة التتار على بغداد وتخيلت أن الدنيا قد أقبلت علينا معاشر الروافض، إذا بهولاكو ينصب رجلاً على بغداد اسمه 'الأمير على بهاور' ورغم أنه شيعى مثلنا ولكنه رفض التعامل معى وهمشنى تماماً، تصور يا أخى لقد أذلنى التتار أشد الذل، وعاملونى بمنتهى الاحتقار، تخيل وأننى وزيراً أركب على حصان قصير يقوده جلف تتارى، وهذا هو كل موكبى، بعدما كنت أسير أيام العباسيين فى موكب فخم ضخم يحيط بى الغلمان والفرسان من كل مكان، أصبحت مثل أقل خادم يعمل عند أحد حراسى الذين كانوا يقفون على بابى أيام العباسيين عاملنى التتار بمنتهى الإهانة والإذلال، فأصابنى الهم والحزن الشديد، وركبنى من الغيظ والنكد ما فرق قلبى، ولا أنسى يا أخى هذا اليوم الذى قابلتنى فيه امرأة عجوز، وقد رأتنى وأنا على حصانى القصير الضعيف، فقالت لى 'يا ابن العلقمى أهكذا كان بنو العباس يعاملونك ؟'
** فوقعت كلمتها فى قلبى، فزادتنى غماً وحزناً على ما أنا فيه، فلقد انهارت أحلامى وتبخرت آمالى، وأصبح كل من التتار والمسلمين يهينونى ويذلونى، ونظموا فى الشعر، فقالوا …
يا فرقة الإسلام نوحوا واندبوا **** أسفاً على ما حل بالمستعصم
دست الوزارة كان قبل زمانه **** لابن الفرات فصار لابن العلقمى
[ وابن الفرات هذا كان وزيراً فى عهد الخليفة العباسى المقتدر بالله، وكان باطنياً ردىء العقيدة، وتسبب فى اضرابات وفتن انتهت بمقتل المقتدر بالله سنة 328 هجرية ]
** وهكذا اجتمعت على الهموم والأحزان والآلام، فذل الإهانة والمعاملة السيئة من التتار بالنهار، وهم ضياع الأحلام وانهيار مشروع الخلافة العلوية بالليل، فلم يقو قلبى المشحون بكل هذه الأحزان والهموم على الاحتمال وقد جاوزت الستين من عمرة، ولم يمض على سوى بضعة شهور انفطر قلبى بعدها وانصدع من صدرى، فمت مهموماً محزوناً منكوراً فى 1 جمادى الأخر سنة 656 هجرية، أى بعد أقل من خمسة شهور من سقوط العباسيين، وهذه كانت نهايتى، نزلت قبرى وحدى، ولم يشيعنى سوى نفر يسير، أسرعوا بدفنى كأنهم يتخلصون منى، أما ما حدث لى فى قبرى، فلا أخبر به أحداً أبداً، وهذه كانت نهايتى، وهى عين نصيحتى وغاية مقالتى، فاعتبر بما جرى لى ، ولا تبع نفسك لأعداء الإسلام مهما كان المقابل والثمن، والتزم بشعبك وأمتك، وإلا فالهوان والآلام والذل والأحزان هم المصير الذى ينتظرك، وكما قالوا العاقل من اعتبر بغيره ولم يعتبر به غيره .
أخوكم الهالك ابن العلقمى [عميل سابق]
منقول
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات