في إيضاح من سموه عن ما كتبه الشيخ ابن منيع وآل الشيخ والفوزان عن المساعي في عتق الرقاب
الأمير سلمان: لا يجوز رد ما اصطلح عليه أولياء الدم مع الجاني.. والصلح في الحق الخاص لا يترتب عليه أي أثر في الحق العام
في ثمانية نقاط أساسية ابتدأ صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض رده على معالي الشيخ عبدالله بن منيع والكاتبين محمد آل الشيخ وعبدالله الفوزان في شأن يهم أمن الوطن والمواطن ويكرس السلام الاجتماعي ويفشي ثقافة التسامح والعفو ومؤازرة المواطن على سلك الطرق الصحيحة في بناء المجتمع مستشهداً بآيات قرآنية كريمة تحض على الصلح والسعي إليه، في إشارة إلى مشروعية التكليف من المولى عز وجل في الصلح في الدماء الذي يمثل الإصلاح وسوية هذا العمل، ولم يخف سمو الأمير تحذيره الناس من عدم مشروعية المبالغة في المغالاة في طلب العوض لما في ذلك من عنت ومشقة كبيرة موضحاً سموه أن ذلك يأتي خلاف مقاصد الشريعة، وإلى نص هذا التوضيح.
سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تابعنا باهتمام ما نشر في صحيفة الوطن بتاريخ 22- 5-1430هـ وتاريخ 23-5- 1430هـ حول ما تفضل به معالي الشيخ عبدالله بن منيع بشأن ما يقوم به أولياء الدم حين يطلبون الصلح من تجاوزات مريبة تعطل حدود الله وتضيع الدماء حيث يستدرون نفوس أهل الخير ويضغطون على أولياء الدم بمجموعة من وسائل الضغط والإكراه والمساومات وبذل الأموال للوصول إلى شراء الدماء بالملايين أو بالعشرات منها..، وما كتبه بعد ذلك الكاتب عبدالله الفوزان بتاريخ 28-5-1430هـ وما نشر بصحيفة الجزيرة بتاريخ 11- 5-1430هـ بقلم الكاتب محمد آل الشيخ تعليقاً على كتابة معالي الشيخ عبدالله المنيع عن المساعي في عتق الرقاب..، ومن باب توضيح ما قد يخفى على المهتمين بهذا الجانب أحببت بيان الآتي:
أولاً: نود ابتداء أن نشكر لمعالي الشيخ حرصه واهتمامه بهذا الموضوع وغيره الذي دفعه إليه غيرته ورغبته في إصلاح بعض الأخطاء والممارسات التي يقع فيها بعض الناس، كما نشكر من ساهم معه من الكتاب في التعليق على هذا الموضوع.
ثانياً: لا شك أن معالي الشيخ وغيره من الإخوة الفضلاء الذين علقوا على هذا الموضوع، يدركون أن الصلح في الجملة مندوب إليه في الشريعة الإسلامية بما في ذلك الصلح في الدماء، وأدلة مشروعيته صريحة بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، وقال تعالى {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} وقال تعالى{لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ}وقال تعالى {فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ}، وغير ذلك من النصوص التي تحث على الأمر بالعفو أو فضيلة السعي في الإصلاح بين الناس وليس المجال هنا مناسباً لبسط القول فيها، كما أن المتقرر عند الفقهاء جواز الصلح على أكثر من الدية في جناية العمد أو الخطأ على تفصيل واسع لا يخفى على معاليه.
ثالثاً: نتفق مع معالي الشيخ في أن المغالاة في طلب العوض من قبل أولياء القتيل يدخل أولياء القاتل في عنت عظيم ومشقة كبيرة، وهذا خلاف مقصد الشريعة الإسلامية في الحث على العفو، كما نشارك معاليه أن من المهم نشر ثقافة العفو والتسامح بين الناس.
رابعاً: أنه من منطلق تلك النصوص الشرعية الدالة على العفو والتسامح ومنزلتها عند الله تعالى، ومن خلال معرفتنا لواقع مجتمعنا في حرصه على التكافل والترابط فإن الكثير من أولياء الدم -عندما يتم عرض الصلح والعفو عليهم من قبل أقارب الجاني- يحرص على مقابلتنا شخصياً وتقديم تنازله عندي في مكتبي دون أي عوض، وهذا يدعو هذا إلى مزيد من التفاؤل والمواصلة في مثل تلك الأعمال الإنسانية الاجتماعية الخيرة، وهناك الكثير من الوقائع والشواهد النبيلة في هذا المجال والتي يعرفها الكثير.
خامساً: إذا اصطلح أولياء الدم مع الجاني على صلح معين فلا يجوز رده، لأن من وقع في بلية -نسأل الله لنا ولمعالي الشيخ العافية- بذل كل ما يملك من مال وجاه في سبيل الخلاص من بليته، وإيقاع اللوم عليه أو رده عن ذلك فيه تضييق، إذ كيف يمنع أولياء الدم من السعي بينهم وبين خصومهم في حقوق خاصة، وهل يلام إنسان حينما يرى السيف ينتظر أحد أقاربه في البحث عن وسيلة مشروعة تخلص قريبه هذا مما وقع فيه؟! بل على العكس لن يكون في مأمن من لوم أقاربه وأرحامه لو قصّر في بذل كل ما يملك لإخراج قريبه من هذا الموقف.
سادساً: أما ما أشير إليه من إطلاق سراح الجاني بعد إنهاء الحقوق الخاصة فإن الصلح في الحق الخاص لا يترتب عليه أي أثر في الحق العام حيث إن نظام الإجراءات الجزائية في المادة (23) ينص على أنه (لا يمنع عفو المجني عليه أو وارثه من الاستمرار في دعوى الحق العام)، والحق العام في قضايا القتل العمد مقدر بالإرادة الملكية بخمس سنوات، وسنتين ونصف في شبه العامد، وقد يعزر الجاني بما يزيد على ذلك إذا رأى ناظر القضية ما يستدعي تعزيره، وهناك شواهد ووقائع كثيرة انتهى فيها الحق الخاص بالصلح والتنازل، ومع ذلك ولأن في الجريمة اعتداء على العرض أو المال فلم يؤثر التنازل عن مطالبة المدعي العام بقتل الجاني حداً أو تعزيراً، كما أن هناك قضايا كثيرة حصل فيها التنازل ومع ذلك انتهت بسجن الجاني مدداً طويلة، حفاظاً على الأمن واستتبابه.
سابعاً: بالنسبة لما أشير إليه عن الحدود وتعطيلها.. فلا نظن أنه يغيب عن ذهن معاليه وفقه الله أن لجان الصلح في إمارات المناطق تقتصر على الصلح في الجنايات مما يوجب قصاصا أو مالاً، مما فيه اعتداء على النفس أو على أعضاء الجسم فيما يكون حقاً خاصاً، وما دامت متعلقة بالحقوق الخاصة فإنه يجوز لصاحب الحق أن يعفو وأن يسقط حقه، أما الأمور المتعلقة بحقوق الله عز وجل كحدود الحرابة أو الغيلة أو الزنا والسرقة وشرب الخمر، إضافة إلى الجرائم المرتبطة بأعمال الخطف أو التمثيل بالقتيل أو تبييت النية في القتل، فهي مستثناة من عمل هذه اللجان، ولا يمكن السعي فيها بأية حال، كما لا يتم السعي بالصلح في الجرائم البشعة أو القضايا التي يصاحبها اعتداء على العرض أو الأخلاق أو الأموال أو فيها إخلال بالأمن أو نتيجة ثأر أو نزاعات أو نحو ذلك.
ثامناً: ما أشير إليه من أنه يتم الضغط على أولياء الدم بمجموعة من وسائل الضغط والإكراه.. فهذا لا يمثل الواقع في لجان الإصلاح التي تنطلق في عملها من الأمر السامي الكريم رقم خ-547-8 في 2- 11-1420هـ الذي ينص على أن يتم السعي بالإصلاح بدون أية ضغوط على أصحاب الحق، بحيث لا يصاحب مساعي الإصلاح أي مظهر من مظاهر الإكراه أو الإغراء بل يحث الرجل على التنازل لوجه الله تعالى لأن الدية حق مشروع لولي الدم الذي له الحق في المطالبة بالقصاص، وما أشار إليه معاليه من المبالغة في المبالغ المطلوبة مقابل التنازل عن القصاص فقد صدر في ذلك الأمر السامي الكريم رقم 4-ب-9911 في 29-3-1423هـ الذي ينص على أن المقام السامي الكريم ضد المبالغة في مثل هذه الأمور فما تجاوز الخمسمائة ألف ريال مبالغ فيه.
وفي الختام نكرر شكرنا لمعالي الشيخ عبدالله بن منيع على غيرته واهتمامه والشكر موصول أيضاً لبقية الكتاب الذين شاركوا في التعليق على هذا الموضوع، والله الموفق.
وصلى الله على نبينا محمد.
أمير منطقة الرياض
سلمان بن عبدالعزيز
المصدر جريدة الجزيرة
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات