نساعد الناس ليساعدوا أنفسهم
التاريخ : الأول من ذي القعدة 1425 هـ
الزمان : الصباح الباكر
المكان : المدينة المنورة
-------------------------------
في صباح ذلك اليوم ... أتاني ذلك الإتصال ... كان رقما غريبا ومميزا من الرياض
شككت في أول الأمر ... وكانت شكوكي على حق
كان المتصل هو أحمد الحفظي من علاقات المرضى من مدينة سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية
فأخبرني بأنه علي المراجعة بتاريخ السابع من ذي القعدة لتحديد نوعية العلاج عند الدكتور
فأخبرته بأني سأكون متواجدا .... بإذن الله ....
وأقفلت الخط ...
أحسست براحة عجيبة ... أخيرا وبعد طول إنتظار حان الوقت لبدء العلاج ...
ومر الأسبوع سريعا .... وحجزت على رحلة الرياض قبلها بيوم لي ولوالدي .. وخلال الأسبوع أخبرني أحد الأصدقاء بأنني قد لا أصبح منوما في المستشفى ... قد يصبح علاجي مجرد جلسات علاج
فتضايقت في أول الأمر ... فأنا أريد أن أتنوم في المستشفى حتى يسهل علي امر السكن
ووصلت إلى الرياض ... وإستأجرنا سيارة وحجزنا في أحدى الشقق القريبة من المستشفى ... وليتها كانت قريبة
فمدينة الأمير سلطان تبعد حوالي 25 كيلو عن وسط مدينة الرياض
ولم يأتني نوم ذلك اليوم ... لا أعلم لماذا .. هل هي الرهبة ... أم هو الخوف ... أم هو التحمس للبدء العلاج
وأتى الصباح ... وأخذنا بعض الإفطار وإتجهنا إلى المستشفى
ووصلنا إلى البوابة وأخبرناهم بأن لدينا موعدا فطلبوا منا التوجه لمبنى العيادات الرئيسية (مبنى رقم 1 )
ووصلت عند المبنى وفتح لي أحد العاملين الباب وجلب كرسيا متحركا ... وعندما رأيت الكرسي أحسست بالفرق
كان كرسيا أسودا ذو أطارات سوداء ومطبوع عليه من الخلف (مدينة سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية )
كان شكله مميزا وفخما ... فقلت في نفسي ... شيء جميل
ودخلت مبنى العيادات ... ووجدت نافورة مبنية على شكل شعار المدينة (سأسميها من الأن المدينة) وفوقها صورة سيدي ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز حفظه الله ... منظر رائع ويجعل النفس مرتاحة
ودخلت إلى العيادة وهناك التقيت بالدكتور عبدالله ربابعه وهو أستشاري العلاج الطبيعي بالمدينة ... وبعد رؤية حالتي وقراءة التقارير قرر بأن علاجي سيكون على مدى شهرين أكون فيها منوما في المستشفى وفي نهاية الشهرين سأخرج بالطرف الصناعي بإذن الله .... ارتحت كثيرا عندما علمت بأني سأصبح منوما ... فلن أحمل بالا للسكن والطعام ...
وذهبنا إلى الغرفة
مدينة سلطان بن عبدالعزيز مقسمة إلى 8 مباني ... المبنى الأول هو للعيادات وغرف العمليات والثاني والثالث والرابع مخصصة للتنويم وفيها صالات العلاج الطبيعي والترفيهي والخامس يحتوي عيادات الأطراف الصناعية والمسبح العلاجي والسادس والسابع والثامن مخصصة للنقاهة وهي مصممة بشكل نصف دائرة حيث يكون مركزها هو مبنى العيادات وجسر طويل يمتد إلى مبنى 5 ومن هناك توجد ممرات تصل المباني ببعضها
وخلال ذهابي إلى مبنى 3 (حيث تقرر تنويمي به) ذهبت بواسطة الجسر الذي يمر من فوق الحديقة الخضراء والنوافير والأنهار المائية الصناعية .... كانت بالفعل جنة الله في أرضه ومنظر خلاب يأسر الروح
وعند وصولي إلى الغرفة ... وجدت أني في فندق ذو خمسة نجوم ... أريكة مريحة ... دولاب خشبي .. وسرير فريد ... وتلفاز به العديد من القنوات الفضائية ..... وحمام مجهز للمعاقين به كرسي للإستحمام ... بإختصار ... مكان مخصص للمعاقين ... هذا بالإضافة إلى ديكور وألوان الغرفة التي تريح النفس ...
وما أن جلسنا أنا وأبي في الغرفة ... حتى أتانا طعام الغداء ... وكان شهيا لأبعد حد ...
وبعدها طلب أبي أن يذهب ليزور عمتي وبقيت لوحدي في الغرفة ... وطبعا أتاني الدكتور المسؤول عن علاجي وهو نامق الخطيب وتفحص إصابتي وقال أني بإذن الله سأخرج من المستشفى وستكون خطة علاجي بدون تعقيدات
وعندما خرج بقيت في غرفتي وإسترخيت قليلا اتابع التلفاز ... ...
عندها طرق الباب طرقة غريبة ... فتوقعت أنه أبي
ووجدت أمامي ذلك الوجه الذي لن أنساه ما حييت
كانت تلك أخصائيتي رباب المسؤولة عن علاجي الطبيعي والتي أخذت تمازحني كما لو أني أخاها الصغير ... وسعدت جدا بمقابلة هذه الإنسانة التي ستكون خطوتي الأولى للعودة إلى الحياة ... وبدأت تسألني وتناقشني حول اصابتي وأعطتني كتيبا أرشاديا حول الأطراف الصناعية وطريقتها وقالت لي بأنه قد تكون هنالك مشكلة ..
وهي أن البتر كان به خطأ وعليهم أن يقوموا بتصحيحه بعملية ... وقلت لها لامشكلة ... فأنا أحب العمليات وأستغربت ذلك ... فقلت لها بأني قمت ب 23 عملية ولن يضرني عملية أخرى .. فقالت لي بأنه لابد من مناقشة الدكتور حول العملية ... وهو الذي سيقرر موضوع العملية .... وأعطتني جدولا بجلسات العلاج الطبيعي والوضيفي والترفيهي ...
ونمت في ذلك اليوم وأنا سعيد بهذه المدينة التي أحس بأنها ستغير من حياتي ... وكم كنت محقا
وفي اليوم التالي ... تعرفت على الطاقم المسؤول عن علاجي ومتابعة حالتي ... وكانوا أناسا في غاية اللطف ومتفانين في عملهم لأبعد حد ...
طبعا لابد من وجود أخصائي نفساني لعلاج المشاكل النفسية للمرضى ومن هذا المنطلق كان لي مواعيد مع أخصائيتي النفسية التي تفاجأت من نفسيتي التي لاتحتاج لعلاج وذلك لقوة إيماني بالله وعزيمتي القوية وأصبحت جلساتنا مجرد سواليف وأستشيرها في أمور كثيرة
في بدايات العلاج لم أكن مستلزما بجلسات العلاج وذلك بسبب نومي ... حيث أني أعتدت السهر لساعات متأخرة وأتغيب عن بعض جلسات العلاج ... مما ضايق رباب كثيرا ... ودائما ما توبخني بأدب وكنت احس بتأنيب الضمير وأحاول تعديل نومي حتى تمكنت من ذلك ....
وأصبحت ملتزما بالعلاج لأبعد حد ...
وطوال بقائي في المدينة وأنا أسأل عن موعد تركيب الطرف الصناعي ... كنت متحمسا ومتعاونا معهم لأبعد حد
وبعد أن ناقشت رباب الدكتور نامق قرر بأن يجربوا طرفا صناعيا علي وإذا لم ينفع وقتها نحدد موعد العملية ..
كان الشباب كلما شاهدوا عزيمتي وإصراري في التمارين قالوا بأني سأخرج من المستشفى سريعا ولن يكون هناك أي مشاكل مع الطرف الصناعي
ومرت الأيام سريعا وأتى الموعد المنتظر ... في عيادة الأطراف الصناعية ... حيث سأجرب أول طرف صناعي لي
وذهبت معي رباب إلى الموعد ... وجربت الطرف ... كان الوقوف صعبا ومؤلما لأبعد حد ... فطلبت مني رباب عدم المشي بالطرف نهائيا والإكتفاء بلبسه وخلعه كل 4 ساعات ...
وأستمريت على ذلك ... وصادف عودة أبي إلى الرياض حيث أتى إلى المستشفى وشاهدني بالطرف وسعد كثيرا
وأتصلت على زملائي وعلى أمي وبشرتهم وسعدوا كثيرا ...
ولكن الرياح لاتجري كما تشتهي السفن ..
حيث وجدت أن الموضوع مؤلم لأقصى حد ... فطلبت مني رباب التوقف عن لبس الطرف ومحادثة الدكتور حول العملية .. ووافق الدكتور على العملية ... وأخبرتني رباب بأنه لابد لي من تسليم الطرف لهم فطلبت منها أن تسمح لي بلبسه لساعة واحدة فقط وبعدها أسلمها له حيث أني أنوي الذهاب مع الموظفين إلى الكافيتيريا للغداء سويا ووافقت بشرط أن لا أمشي به وأن أستخدم العكازين أو الكرسي المتحرك ...
وعندما أتى موعد الذهاب للكافيتيريا ... لبست بنطلون الجينز الطويل والحذاء الجميل وتحملت ألامي ومشيت بعكاز واحد ... حتى أحس ولو لمرة واحدة أني شخص طبيعي
وفرح الشباب كثيرا عندما شاهدوني هكذا .. وقالوا لي بأنك خلال أسبوع واحد ستترك العكاز نهائيا ... وأنك هكذا كما لو أنك أنسان طبيعي بدون أي أصابات
طبعا الذين أقصدهم بالشباب هم بعض أخصائيي العلاج الطبيعي الذين تعرفت عليهم في المدينة ... حيث أني لم أتعرف على مرضى حتى الأن ... وذلك لعدم وجود مرضى لديهم حالات بتر مثلما لدي
وشاهدتني رباب و غضبت مني كثيرا وأخذت مني الطرف ومنعتني من حضور التمارين ...
وبعدها ذهبت إليها في المكتب وتأسفت وقلت لها بأنه من سعادتي الغامرة تحملت الألم ومشيت بالطرف هكذا
فقالت لي نحن لانريد أن تدهور صحتك أكثر ... صدقني ستعود كما كنت بالسابق وأكثر .... وسأعمل معك على ذلك
وتحدد موعد العملية ... ولم أخبر أبي بذلك الموضوع .... حتى لا يأتي ويكلف على نفسه عباء السفر ... حيث أن العملية بسيطة ولن تأخذ وقتا طويلا ... وأتصلت عليه قبل ساعتين من العملية وقلت له بأني سأدخل إلى غرفة العمليات بعد ساعتين من الأن فغضب وتضايق كثيرا مني لأني لم أخبره فقلت له بأن الموضوع بسيط ولا يحتاج إلى وجودك ... فدعا لي بالتوفيق .... وذهبت إلى غرفة العمليات ... وفي الطريق شاهدتني رباب ودعت لي بالتوفيق وقالت لي : أتمنى أنك ماتكون زعلان مني أو ضايقتك بشيء ...؟
قلت لها : والله لو مت في هذي العملية ... فراح أتذكر بأنك أنتي اللي بديتي معاي أول الطريق ... وأدعي لك على طول ...
وذهبت إلى غرفة العمليات .... في الساعه الرابعة عصرا .. طبعا معتاد على العمليات فأخذت بالحديث مع طبيب التخدير وطلبت منه تخديرا كاملا ... فقال لي (أبشر ولا يهمك ) وطلب مني الجلوس ووضع المخدة في حجري ... وذلك أخر ما أتذكره .... وفي نهاية العملية إستيقظت وطلبت ان أتحدث مع الدكتور ... وقلت له أريد أن أرى العظمة التي قصصتها يا دكتور ... فأحضرها لي وأخذتها معي وأنا ذاهب إلى غرفتي ....فهذا هو التذكار الوحيد من رجلي التي ذهبت ...... وبقيت في الغرفة وأتى زملائي وزاروني وتحمدوا لي بالسلامة ... وبعدها ذهبت في نوم عمييييييق
وعندما أستيقظت أتت إحدى الممرضات وقالت لي أن رباب تنتظرني في صالة التمارين لبدء العلاج ... فقلت لها بأني لا أستطيع الحركة من السرير ولا أريد علاجا اليوم
فأتت رباب وقالت لي : إلى متى تريد البقاء في السرير ... أطلع على الكرسي المتحرك وأذهب إلى الصالة للتمارين ... لايوحد وقت للعب
رديت عليها وقلت : حرام عليكي أنا توي طالع من عملية ... تمارين على طول ... أنا ما أقدر أتحرك من السرير
قالت : أجل تمارينك راح تصير على السرير
وأتت وبدأنا بعض التمارين لإستطالة وتقوية العضلات ...
كم هم رائعون ... قلت في نفسي ... فهم حريصون جدا أكثر من نفسي على القيام بواجباتهم على أتم وجه
طبعا كانت نفسيتي على مايرام ... فلم أتضايق أو أتعب من هذه المدينة ... فالناس هنا رائعون بحق
وبعدها ... أتت إجازة الحج ... وحسب نظام المستشفى لايسمح للمرضى بالخروج أكثر من ثلاث أيام وهي الأربعاء والخميس والجمعة ... فطلبت من الدكتور بأني أريد السفر إلى أهلي بالمدينة المنورة وأحتاج إجازة لإسبوعين على الأقل ... وقال لي لن أعطيك أكثر من أسبوع فوافقت .... وأتى أبي وأهلي الذين حزنوا كثيرا عندما علموا بأنهم قد أخذوا الطرف الصناعي مني
وعدت إلى المدينة وأنا في صحة أفضل وحركة أقوى وجسم رائع بعد التمارين وجلسات العلاج ... وخرجت مع زملائي الذين حزنوا أيضا لنفس السبب فقد أرادوا رؤيتي بالطرف فقلت لهم ... إن شاء الله في المرة القادمة ... لن تروا هذه العكاكيز مرة أخرى ....
وصدق ظني ....
وأنتهى العيد بدون أية أحداث كبيرة ....
وحان موعد العودة إلى المستشفى .....
وبدء رحلة أخرى
من رحلات العلاج
أو كما أسميها
رحلة العودة إلى الحياة
رحلة العودة إلى الحياة
التاريخ : 13 / 12 / 1425 هـ
المكان : مدينة سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية
الزمان : بعد عيد الأضحى مباشرة من عام 1425 هـ
-------------------------------
أنتهى العيد بلا أحداث كثيرة .... الفرق الوحيد هو عدم تمكني من مساعدة أبي في التعامل مع الأضاحي وإكتفائي بالجلوس والمشاهدة .... كان شعورا سيئا لكني
تحملته على أي حال
حسنا ... حان الأن موعد ذهابي إلى الرياض ... وقررت عائلتي كاملة مرافقتي إلى هناك بالسيارة .... كانت مسافة طويلة ولكنها رحلة ممتعة بصحبة الأهل
.... وما أن أقتربت من المدينة حتى طلبت من أبي التوقف هناك وإنزالي فيها ... حاول أهلي منعي من ذلك لكني عزمت على الموضوع ...
إشتقت لتلك المدينة وحدائقها وإلى غرفتي الجميلة ... إشتقت لجلسات العلاج ... وأشتقت أكثر وأكثر ... إلى طرفي الصناعي الذي بقي في الغرفة ينتظرني
حتى أعود إليه .
عدت إلى غرفتي ... وبقيت لوحدي .. كان المستشفى هادئا جدا ... فأغلب المرضى لم يعودوا من إجازاتهم بعد .... وأخذت أنظر إلى طرفي الصناعي
وتذكرت بداياتي معه ... كانت بداية سيئة ... لكن كانت كما يقولون : (لكل جواد كبوة ) ... ربما كانت تلك مجرد عقبة في أول المشوار ...
ولكنها ستزول بإذن الله ....
نمت في فراشي مبكرا ... وأستيقظت مبكرا .... ووجدت الجدول وطعام الإفطار بجانبي .... أخذت أتناول إفطاري وبعدها توجهت إلى الصالة لبدء جلسة
العلاج ... وكانت رباب هناك بإنتظاري .... توقعت أننا سنجلس قليلا ونتحدث عن الأجازة وما حدث فيها .... ولكن للأسف , تحطمت أمالي فوق السير
المتحرك الذي أمرت أن أقفز عليه بقدم واحدة لمدة ربع ساعة قبل البدء بأي شي ... وكم كان ذلك متعبا ... لكني أشتقت إليه وبينما أنا أقفز أخذنا نتجاذب أطراف
الحديث حول الإجازة وما حصل فيها
وأنتهت الجلسة الأولى على خير ... وعدت إلى غرفتي مجهدا جدا جدا .... وكالعادة هاوشتني رباب لعدم قيامي بالتمارين في البيت فقلت لها : التمارين وراي
وراي ...؟؟؟ حتى في الإجازة تمارين ؟؟؟ إرحمينا يا بنت الحلال ترى الإجازة للراحة موب للشقاء ؟؟
فردت علي بقولها :
إذا تبي ترتاح وترجع مثل أول لازم تشتغل معي وتسمع كل كلامي .
قلت لها :
مافيه شيء يرجع مثل أول .... اللي خلقه ربي ماراح يرجع إلين أموت.... بس الشيء المهم اللي أبي أسألك عليه ... هل راح يكون في مشيتي عرجة ؟؟
قالت لي :
إذا سمعت كلامي وطبقت تعليماتي ... ماراح يكون عندك أي عرجة بإذن الله
أحسست براحة عجيبة لهذا الكلام .... نعم سأعود كما كنت أو تقريبا أقل من ما كنت ... لقد رضيت بما قسمه الله علي ... ولن أحزن لو لم أعد كالسابق
... لكني أتمنى أن أعود ولو بنصف ماكنت عليه في الماضي
حسنا ... ماذا عن الطرف يا رباب ؟؟؟ متى سأستطيع إستخدامه مرة أخرى ؟
أجابت :
تحتاج لشهر كامل من علاج الضغط قبل أن تعاود إستخدام الحافظة للقياسات ... حتى تنتهي جروح العملية
"شهر كامل ؟؟؟ فترة طويلة ؟؟؟ "
أقترب موعد الدراسة ... ماذا أفعل ؟؟ لا أريد الإعتذار عن هذا الفصل الدراسي .... ولن يوافق أبي أن أعود إلى الدراسة ... وربما لن تسمح لي المدينة
بالخروج للدراسة ... مالحل ؟؟؟
حسنا ... حان موعد إستشارة الأخصائية النفسية .... لعلها تجد لي حلا
طلبت موعدا معها ... وأتت إلي في الغرفة ... وأخبرتها بالوضع الحالي .... وباللذي أريده ...
فبدأت أنا وهي بالتخطيط حول هذا الموضوع ...
كانت هناك عدة نقاط صعبة لابد من إيجاد حل لها
أولا : المدينة تبعد حوالي 25 كيلومترا عن مدينة الرياض ... وبالضبط عن الكلية 29 كيلومترا .... فلابد لي من قيادة سيارة بنفسي ... أو الإستعانة بسائق
"طبعا رفضت فكرة السائق ... لأني أريد أن أتكيف وأتعلم القيادة بالرجل اليسرى فقط "
ثانيا : لن يسمح لي أبي بالقيادة أو حتى بالدراسة .... فالوضع صعب جدا جدا عليه ولن يكون من السهل أن يترك أبنه يذهب ويعود بالسيارة والسبب في إعاقته هي
السيارة
ثالثا : المدينة يكون موعد تواجد الأخصائيين من الساعه الثامنة صباحا وحتى الساعة الخامسة مساء يتخللها ساعة غداء ... وساعة للعمل على الكمبيوتر ... فمتى
سأخرج ومتى سأعود ... وهل سيوافقون لي أساسا على الخروج ؟؟؟
رابعا : الجدول الدراسي للكلية لن يوافقوا لي على تنسيقه كما أشاء .... بالإضافة إلى عدم توفر مصاعد في الكلية وكذلك وعورة المنطقة والساحات وذلك لقيامهم
بأعمال إنشائية
مشاكل كثيرة .... كيف ستكون حلولها ؟؟
بدأت أنا و " إيمان" بالعمل عليها مشكلة مشكلة .... وإستطعنا إيجاد حلول منطقية للموضوع
أولا : بالنسبة للقيادة .... يجب أن تكون هناك سيارة أقودها بنفسي وأذهب وأعود للكلية بها ... وهذه توفرت ولله الحمد وتعلمت قيادتها في ساعه ونصف فقط
"طبعا هي سيارتي لكن هذه المرة أقودها بالرجل اليسار فقط "
ثانيا : بالنسبة لأبي ... عثرت على خطة جهنمية .... طلبت من إيمان مقابلته ومحادثته شخصيا ... وأن تقول له بأني قادر وأنه يجب عليه أن يعطيني
الفرصة ... وكذلك لكي لايحسسني بأن بي نقص ما ... حتى لا أتعقد نفسيا
" لا أخفيكم .. أبي تعقد نفسيا وأنا المصاب في الحادث لم أتعقد نفسيا ... لأني أخذت موضوع أعاقتي بكل بساطة ... وبأنها إضافة جديدة في حياتي ولابد من
التكيف عليها "
ثالثا : بالتنسيق مع رباب ... تمكنت أنا وأيمان بأقناعها بجعل جميع جلساتي بعد الظهر ... والسماح لي بالخروج من المستشفى يوميا في الصباح والعودة في الظهر
خلال فترة الغداء الخاصة بالموظفين
رابعا : أعطتني إيمان خطابا موجها لعميد القبول والتسجيل بالكلية بظروفي الصحية والسماح لي بالوقوف قريبا من المباني وكذلك تعديل جدولي بالشكل الذي يتناسب مع جلسات
الكلية
إذن ولله الحمد ... تمكنت أنا وأيمان من حل جميع المشاكل .... وتمكنت ولله الحمد من بدء الدراسة مع الطلاب والإندماج في الصفوف وكان كل شيء يسير على
مايرام ...
طبعا كنت أخرج قبل بداية المحاضرة الأولى في الصباح ب 45 دقيقة وأعود في 45 دقيقة لطول المسافة وكان جدولي سلسا كما أريد ... وكذلك ساعدني المدربين
والدكاترة كثيرا في الكلية وأعجبوا بي شخصيا وكنت دائما عند حسن ظنهم .... كنت أذهب إلى الدوام بساق واحدة وعكازين كبيرين .... منظر لم يكن جميلا لكنه
كان يساعدني على التنقل والحركة داخل الكلية
لا أخفيكم سرا ... طوال فترة دراستي لهذا الفصل ... لم أتمكن من مصادقة أو حتى التعرف على طالب واحد فقط بالكلية .... ربما هم لم يريدوا الأحتكاك
معي ... وربما أنا الذي لم أرد الإحتكاك معهم .... لكن لم يهمني هذا الأمر ... فمن رأى أن مافيني هو نقص فهو الناقص ... لأن الأنسان ليس برجل أو
بيد ... الإنسان بعقله ... ومن حاول أن يتحاشاني فأنا أحرى بأن أتحاشاه ... فلا أريد أناسا يخلجون حين يمشون معي بسبب منظري .... بالإضافة إلى
ذلك ... لم يكن لدي وقت لهذه التفاهات ... فما أن تنتهي المحاضرة حتى أتجه سريعا إلى سيارتي ... فلايوجد وقت أضيعه ... فرباب تنتظرني لبدء
جلسات العلاج .
حسنا .... تمت أمور الدراسة .... وتم كل شيء بنجاح ... وإنقضى الشهر الأول ... وحان موعد بدء القيام بالقياسات لبدء الطرف الجديد
كنت سعيدا جدا وأنا أتجه إلى عيادة الأطراف الصناعية ... فهاقد حانت اللحظة الحاسمة .... لحظة بدء الخطوة الأولى ....
قام الأخصائي بأخذ القياسات ... وطلب مني زيارته في الصباح لبدء التجربة ... ولكني أعتذرت له وذلك للدراسة ... ولكني سأكون متواجدا عنده في الظهيرة
... ووافق على ذلك
وأتى اليوم التالي ... وتوجهت إلى العيادة ... ورافقتني رباب هذه المرة ... وبدأت في لبس الطرف للمرة الثانية ... والوقوف عليه ... كان شعورا
مختلفا عن المرة الأولى ... لم يكن هنالك ألم بالأسفل .... لكن كان هناك ضغط متوزع في جميع انحاء الساق ... وكان يسبب ألما متوسطا نوعا ما ...
وبدأنا بتعديل الطول والأنحراف والوزن المناسب للطرف ... حتى أصبح كل شيء على مايرام ... طبعا طلب مني لبس الطرف لمدة ثلاث ساعات في اليوم ...
وكذلك عدم المشي به نهائيا .. بل إستخدام الكرسي المتحرك أو العكازات مع عدم وضع رجلي الصناعية على الأرض وعدم وضع الوزن عليها حتى يتم التأكد بأن كل شيء
على مايرام
ومرت الأيام ..وشيئا فشيئا .... تركت الكرسي ... ومنعت من إستخدامه ...وبعدها بفترة .. أصبحت أضع قدماي الصناعية والطبيعية سويا وأمشي
بواسطة العكازات ... وشيئا فشيئا ... صرت أمشي بعكاز واحد فقط ..... وأخيرا .... تخلصت من العكاز
وبدأت المشي والتوازن بدون عكازات أو أجهزة مساعدة ...
ماذا تتوقعون أن يكون شعوري ... وأنا أمشي حر اليدين ... لاعكازات .. ولا كراسي متحركة ... ولا حتى شخص يساعدني ...
شعور رائع ... وكانت تلك الفترة .. هي بالفعل خطوة كبيرة في رحلة العودة إلى الحياة
لكن ... فرحتي لم تتم .... ذهبت إلى رباب في المكتب بعد إنتهاء التمارين ...
وسألتها :
لقد أتفقنا يا رباب أنا وأنتي على الصراحة ... لكن للأسف لقد كذبتي علي
صدمت رباب بذلك وقالت :
أنا كذبت ؟؟ لماذا ؟؟
"لقد قلتي لي بأني سأمشي بدون عرجة ... وإلى الأن وأنا أعرج ... ليه تكذبين علي ؟؟؟ "
"أسمع يا فهيم ... لو بغيت أكذب عليك كان من أول يوم شفتك ما قلت لك ترى يلزمك عملية ... ومادام أنا قلت أنك راح تمشي بدون عرجة ... فأنت راح
تمشي بدون عرجة .. بس تشتغل معاي زين "
قلت لها :
" أنا مستعد لأي تمرين وأي نشاط تبيني أسويه ... بس في النهاية ما أبي هالعرجة "
الأن ... وفي هذه المرحلة بدأت تمارين من نوع أخر ... تمارين خاصة ... تمارين خاصة بالتوازن وصعود الدرج ونزوله والإنحناء والقفز ... تخيلوا
حتى القفز ؟؟ معنى ذلك وضع الوزن كاملا على الجزء المتبقي من الساق والقفز عليها... بإختصار تجربة رهيبة في الألم ... ولكني تحملته ... فأنا لا أريد
العرجة ...
وأخذت العرجة بالأختفاء شيئا فشيئا ... وذلك من خلال تمارين التوازن وكذلك وضع القدم وكذلك سرعة المشي ... وفي النهاية ... أختفت العرجة نهائيا
وحمدت الله على هذه النعمة ... فهاقد تمكنت وذلك بفضل الله ثم بفضل رباب من التخلص من العرجة ... وتمكنت من زيارة أهلي وأصدقائي في المدينة المنورة لمدة
يومين ... صدموا من التغير الهائل الذي رأوني به ... لقد رأوا أنسانا صاحب وجه مشرق .. يقف دون عكازات أو وسائل مساعدة ... يمشي بثقة وهدوء
.. يقوم بجميع النشاطات والحركة ... لايبدو عليه أبدا أنه يستخدم طرفا صناعيا ... بإختصار ... قطعت أكثر من نصف المشوار في رحلة العودة إلى
الحياة
وعدت مرة إخرى إلى المدينة ... وبدأت فكرة أخرى تبرز إلى رأسي أختصرتها في كلمتين ...
ناديت رباب وقلت لها :
" أبغى أركض !!!! "
أستغربت رباب من هذا الطلب وشرحت لي بأن الركض له طرف خاص به وذلك لدعم المقاومة في القدم وكذلك القيام بميزانية خاصة للقدم حتى تتمكن من الركض بها
ولكنها قالت لي :
"راح أحاول معاك بطريقة ثانية وإن شاء الله تنجح "
وبدأت التجارب من أجل الركض حيث أن الركث يتطلب أوضاعا عدة وتمارين قاسية وفي النهاية ... صدمت من النتيجة ... لقد تمكنت من الركض على السير
المتحرك لمدة 8 دقائق كاملة بسرعة 7 كيلومتر في الساعة
أنا شخصيا لم أتوقع أن أصل إلى هذه المرحلة ... فقد أفلحت رباب معي ... ونجحت الطريقة التي جربناها ... وتمكنت من الركض بواسطة طرف عادي
مخصص للمشي ... كان أنجازا عظيما ... أشاد به الجميع , فعلا كانت خطوة ناجحة .
وفي النهاية ... أنتهت رباب من العمل معي ... وقامت بتعليمي كل شيء تعرفه ... ولم تترك شيء في جعبتها لم تحاول تجربته معي , وأنا تعلمت منها كل ما
أريده ولم يبقى لي سوى لحظة الوداع
وللمصادفة العجيبة ... خرجنا أنا ورباب سويا من المدينة ... هي تقدمت بطلب إجازة وذلك لإن موعد قدوم أبنها المنتظر قد أقترب ... فمنذ أن أتيت إلى المدينة
وحتى لحظة خروجي منها كان رباب تعمل معي وهي حامل .. وخرجنا جميعا بعد أن تعلمت الكثير من هذه الإنسانة التي نفذت وعودها التي وعدتني بها ,
وبالطبع لا أنسى كل الطاقم الذين عملوا معي وكذلك الأصدقاء الجميلين الذين تعرفت عليهم بأنواع أصاباتهم المختلفة وعشنا سويا أمتع اللحظات وأطرف المواقف .
8 أشهر ... مرت بسرعة البرق .. أتمنى أن تعود تلك الأيام .. فهي أيام جميلة .. وتجربة جميلة تعلمت خلالها الكثير
فأنا "مشعل العبدالله" الذي لم أدخل المستشفى يوما ولله الحمد .. دخلته وقمت بأكثر من 22 عملية جراحية .. وجربت أنواع التخدير الكامل والموضعي ..
وأستخدمت المسكنات وأنواع المخدرات للعلاج ..وما كنت أسمعه عن المعاقين أصبحت واحدا منهم .. وكذلك الطرف الصناعي الذي لم أشاهده في حياتي من قبل شاهدته
مركبا على ماتبقى من ساقي .. وكذلك عرفت من الصديق الذي يقف معي في أزمتي .. ومن العدو الذي لم يهمه أمري .. ومن الذي كان يبكي ويدعي لي بالخفاء
.. وتعرفت على أناس رائعين في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية .. ومستشفى الملك فهد بالمدينة المنورة .. ومدينة سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية.. كان
تجربة دسمة تعلمت فيها الكثير والكثير مما مالم أكن أعرفه من قبل في حياتي .. وتوجت نهاية هذه التجربة .. بتمكني ولله الحمد بالدمج بين الدراسة والعلاج ..
وتفوقي وحصولي على معدل ممتاز مع مرتبة شرف في أول فصل دراسي لي بعد الحادث
وهكذا ... أنتهت أخر خطوة لي من رحلة العودة إلى الحياة ... ووصلت إلى نهاية المطاف ... وخرجت من مدينة سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية
بشكل جديد .. وروح جديدة ... وساق جديدة ... وحياة جديدة بالكامل بإنتظاري
"تمت بحمد الله "
المفضلات